< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

ومنها: ما لو اختلف المتبايعان في الثمن والمثمن بعد الاتفاق على وقوع البيع، فإذا كان الاختلاف بينهما راجعا إلى كثرة الثمن أو أقليته؛ كما لو ادعى البائع أن الثمن عشرة دراهم، وادعى المشتري أنه خمسة، فالمسألة واضحة؛ إذ مع بقاء العين يقدَّم قول البائع مع يمينه، ومع تلفها يقدَّم قول المشتري مع يمينه؛ وذلك للنص الخاص، وهو مرسلة البنـزنطي، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام ) : ( في الرجل يبيع الشيء، فيقول المشتري: هو بكذا وكذا، بأقل مما قال البائع، فقال: القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه)[1]. ومعتبرة عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال: ( قال رسول الله (ص ) : إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما، وهما بالخيار ما لم يفترقا، فإن اختلفا، فالقول قول رب السلعة، أو يتتاركا)[2].
وحاصل المرسلة أن الرجل يبيع الشيء، ثم يختلف مع المشتري في تحديد الثمن؛ حيث يدعي البائع ثمنا، ويدعي المشتري ثمنا أقل منه، بعد اتفقاهما على حصول أصل البيع، فهنا نصت المرسلة على تقديم قول البائع بيمينه، بشرط أن تكون العين باقية، وإلا فمع تلفها، يقدَّم قول المشتري بيمينه. نعم، معتبرة عمر بن يزيد لم ينص فيها على اليمين، ولا على اشتراط بقاء العين في تقديم قول البائع، ولولا النص لكان مقتضى القاعدة أن يُحكم لصاحب البينة، ومع عدم البينة إن حلف أحدهما دون الآخر، يحكم على طبق حلفه، وإن حلفا معا، فيحكم بفسخ العقد، ورجوع الثمن إلى المشتري، ورجوع المثمن إلى البائع.
وأما إذا دار الثمن بين المتباينين؛ كما لو ادعى البائع أن الثمن خمسة دنانير، وادعى المشتري أنها خمسة دراهم، فهنا لا نص خاص، فالمرجع إلى ما تقتضيه القاعدة، وهو تقديم قول صاحب البينة، ومع عدمه يقدم قول الحالف، أو حلفا، فيحكم بفسخ العقد، ورجوع كل مال إلى صاحبه . إذا عرفت ذلك، فقد عُدَّ هذا المورد من موارد نهي الشارع عن العمل بالقطع؛ فإن الحكم بالفسخ وإرجاع كل مال إلى صاحبه مخالف للعلم التفصيلي؛ حيث إن المثمن ملك للمشتري مهما كان ثمنه.
والجواب : إنه إن قلنا بأن التحالف موجب للانفساخ واقعا بالتعبد الشرعي، كما ذهب إليه بعض الأعلام، فلا مشكلة حينئذ؛ إذ ينفسخ البيع واقعا، ويرجع كل من العوضين إلى ملك مالكه الأول. وعليه، فلا مخالفة للعلم الإجمالي أو التفصيلي، ولا مانع من التصرف في الثمن والمثمن.
وإن قلنا بأن التحالف لا يوجب الانفساخ واقعا، بل الانفساخ ظاهري لرفع الخصومة وقطع المنازعة، كما هو الأقرب في حكم الحاكم؛ حيث قلنا إنه ظاهري لا واقعي لا يغير الواقع عما هو عليه، وإن وجب على المتخاصمين الالتزام به؛ لعدم جواز نقض حكم الحاكم.
وبالجملةن فإن قلنا بأن التحالف لا يوجب إلا الانفساخ ظاهرا، فليس هناك حينئذ إلا العلم بكون المال ملك الغير، فإن دل دليل على جواز التصرف فيه، فلا إشكال حينئذ، ويكون من الموارد التي رخَّص الشارع بالتصرف فيها. وإن لم يدل دليل عليه، كما هو الظاهر، فنلتزم بعدم جواز التصرف فيه، فأين المخالفة للقطع؟!
ومنها: أنه لو ادعى زيد مثلا أنه باع جاريته لعمرو، وادعى عمرو أن زيدا وهبه إياها. هنا لا نص في هذا المورد، فالمرجع إلى ما تقتضيه القاعدة؛ فإن كانت الهبة المدعاة هبة جائزة، فيجوز لزيد حينئذ استردادها، وادعاء زيد البيع بمثابة إنكار للهبة، وإنكار الهبة رجوع عنها؛ فهو نظير إنكار الوكالة؛ حيث يكون ذبك فسخا لها. وعليه، فبمجرد إنكار الهبة تصير الجارية ملكا لزيد، فليس هناك حينئذ علم بالمخالفة.
وإن كانت الهبة لازمة، كما لو كانت معوضة أو لذي رحم، فالكلام حينئذ هو الكلام في المسألة السابقة؛ فإن قلنا بأن التحالف يوجب انفساخ العقد واقعا، فينفسخ العقد وترجع الجارية إلى ملك مالكها الأول، ولا مخالفة للعلم الإجمالي أو التفصيلي، وإن لم نقل بذلك، فالحكم كما تقدم. والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo