< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/02/09

بسم الله الرحمن الرحیم

وبعد تمام هذه المقدمات الثلاث، نرجع إلى أصل النـزاع بين الأعلام، وهو أنه هل المأخوذ في العام بعد التخصيص هو عدم محمولي بمفاد ليس التامة، كما ذهب صاحب الكفاية والسيد الخوئي وجماعة من الأعلام، أم عدم نعتي بمفاد ليس الناقصة، كما ذهب الميرزا النائيني ؟ مثلا: وردت عمومات في انفعال كل ماء بمجرد ملاقاة النجاسة، ثم وردت مخصِّصات باستثناء الكر؛ كما في صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللهقال: "إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء"[1]، فهل بعد التخصيص يصبح موضوع العام هو (الماء المقيد بعدم الاتصاف بالكرية)، أم (الماء المتصف بعدم الكرية)؟ فعلى الأول، مع الشك في بلوغ ماء معين قدر كر، يمكن استصحاب عدم الكرية، فيلتئم موضوع العام حينئذ. وعلى الثاني، فإن كان لهذا الماء حالة سابقة متيقنة فنستصحبها، فلو كنا على يقين بعدم كرِّية هذا الماء من قبل؛ أي كنا على يقين باتصافه بعدم الكرية، ثم شككنا بتحققها، فنستصحب اتصافه بعدمها ليلتئم موضوع العام حينئذ، أو كنا على يقين بكرِّية هذا الماء؛ أي كنا على يقين باتصافه بالكرية، ثم شككنا بارتفاعها عنه، فنستصحب بقاءها، فلا يدخل الماء المشكوك تحت العام حينئذ. أما لو لم يكن لهذا الماء حالة اتصاف سابقة حتى يمكن استصحابها، فهنا لا ينفع استصحاب عدم الاتصاف بالكرية الأزلي لإثبات الاتصاف بعدم الكرية؛ لأن ذلك من الأصل المثبِت، وهو على ما ذهبنا إليه لا يُثبِت.
إذا عرفت ذلك، فقد استدل الميرزا النائيني على ما ذهب إليه، وهو أن المأخوذ في العام بعد التخصيص هو العدم النعتي، بدليل حاصله: لو كان المأخوذ هو العدم المحمولي؛ مثلا (العالم المقيد بعدم الاتصاف بالفسق)، فهنا نسأل: ما هو حال هذا العام بعد التخصيص من جهة الاتصاف بالفسق أو الاتصاف بعدمه باعتبار أن العدم النعتي من نعوت موضوع العام وأوصافه؟ والجواب: بما أنه لا يعقل الإهمال في مقام الجعل والثبوت، فلا يخلو حال العام في هذا المقام من ثلاث حالات: فإما أن يكون مطلقا من هذه الجهة، أو مقيدا بالاتصاف بالفسق، أو مقيدا بالاتصاف بعدم الفسق، ولا يمكن الأول؛ لاستلزامه التناقض والتهافت؛ إذ كيف يكون مطلقا وهو مقيد بعدم الفسق على نحو العدم المحمولي، فإن الجمع بينهما غير ممكن؛ فلا يعقل أن يكون الموضوع في قولك: (أكرم كل عالم إلا الفساق منهم) مطلقا بالإضافة إلى العدم النعتي، وهو اتصافه بعدم الفسق بعد فرض تقييده بالعدم المحمولي، وهو عدم الفسق بمفاد ليس التامة، فإن مرد إطلاق الموضوع في القضية هو أن العالم سواء كان متصفا بالفسق أم لم يكن، يجب إكرامه، وهذا الإطلاق كيف يجتمع مع الاستثناء وتقييد العالم بعدم الفسق بمفاد ليس التامة. وكذا لا يمكن الثاني؛ ضرورة أن الموضوع قد قيد بعدم الفسق بمفاد ليس التامة، فكيف يعقل تقييده بمفاد كان الناقصة؟ فيتعين أن يكون مقيدا بالاتصاف بعدم الفسق، إلا أنه بذلك يكون موضوع العام بعد التخصيص مستغنيا عن تقييده بعدم الاتصاف بالفسق؛ إذ بعد تقييده بالعدم النعتي يصبح تقييده بالعدم الأزلي لغويا.
هذا حاصل دليل الميرزا على كون المأخوذ في العام بعد التخصيص هو العدم النعتي لا الأزلي، وقد أجاب السيد الخوئي على كلام أستاذه بجوابين نقضي وحلي. أما الجواب النقضي، فهو أنه يلزم من كلام الميرزا عدم جريان استصحاب العدم الأزلي في كل موضوع مركب؛ فمثلا لو كان موضوع العام مركبا من جوهرين؛ كما لو قيل: (إن وجد زيد وعمرو فتصدق)، فهنا الموضوع مركب من جوهرين، وهما وجود زيد ووجود عمرو.
وعليه، فإن وجود كل منهما بالإضافة إلى الآخر، لا يخلو من أن يكون ملحوظا مقيدا بالإضافة إلى الاتصاف بالمقارنة له، أو مقيدا بالإضافة إلى الاتصاف بعدم المقارنة له، أو مطلقا بالإضافة إلى كل منهما؛ لاستحالة الإهمال في الواقع, وحيث إن الشقين الثاني والثالث غير معقولين، فلا محالة يتعين الشق الأول، ومعه يكون تقييده بوجود الجزء الآخر بمفاد كان التامة لغوًا محضا. وعليه، فلا يمكن إحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل.
وكذا لو كان موضوع العام مركبا من عرضين لجوهرين؛ كموضوع الإرث المركب من (موت المورِّث) و(إسلام الوارث). وعليه، فإما أن يلحظ كل منهما بالإضافة إلى الآخر مقيدا باتصافه بالمقارنة له بمفاد كان الناقصة، أو مقيدا باتصافه بعدم المقارنة له بمفاد ليس الناقصة، أو مطلقا بالإضافة إلى كل منهما؛ وذلك لاستحالة الإهمال في الواقع. وقد تقدم أن القسمين الثاني والثالث يستلزمان التدافع والتناقض، فلا يمكن الأخذ بشيء منهما. وأما القسم الأول، فلا مناص من الأخذ به، ومعه لا محالة يكون تقييد أحدهما بالآخر بمفاد كان التامة لغوا محضا بعد ثبوت التقييد بينهما بمفاد كان الناقصة. فإذًا، لا يمكن إحراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل، كما إذا كان الموت محرزا بالوجدان، وشك في بقاء إسلام الوارث، فباستصحاب بقائه لا يثبت الاتصاف بالمقارنة إلا على القول بالأصل المثبت، ولا نقول به.
وفيه: إن هذا الجواب غير صالح للنقض على دليل الميرزا؛ إذ لا ضير في عدم جريان استصحاب العدم الأزلي في كل موضوع مركب، طالما بقية الأصول العملية متوفرة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo