< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

المبحث الأول: مفهوم اللقب
قال صاحب الكفاية: "فصل: لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم، وانتفاءسنخ الحكم عن غير موردهما أصلا، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه؛ لأنهليسبذاكالخاص والمقيد، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلا طرفيه، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقل لما كان في الزيادة ضير أصلا ...".[1]
إن اللقب عبارة عن: "ما كان واقعا في طرف النسبة"، سواء أكان مبتدأ أم خبرا أم فاعلا أم مفعولا به، أم اسما صريحا، أم لقبا بالمعنى الأخص، أم كنية. والمعروف أن اللقب لا مفهوم له، فهو لا يدل على انتفاء سنخ الحكم عن غير مورده؛ وإنما غايته أنه يدل على ثبوت حكم شخصي لموضوعه؛ ففي قضية: (زيد قائم)، يثبت القيام الخاص لزيد، أما قيام غيره فمسكوت عنه، وكذا قعود زيد نفسه.
ومن هنا اتفق الأعلام على نفي مفهوم اللقب. نعم، نسب لبعض علماء العامة؛ كالصيرفي والدقاق وأصحاب أحمد، أن للقب مفهوما؛ محتجين بدليلين:
الدليل الأول: إن نفي مفهوم اللقب يلزم منه تعريته عن الفائدة.
وفيه: إن فائدة ذكر اللقب لا تنحصر بإثبات المفهوم له حتى تلزم اللغوية منه بنفي المفهوم عنه، بل حسبه ما يفيده من إثبات الحكم الشخصي لموضوعه.
الدليل الثاني: إن قول زيد معرِّضا بعمرو: (لا أنا بزان ولا أختي)، يثبت زنا عمرو وأخته، مما يستدعي إقامة الحد على زيد لقذفه.
وفيه: إن الكلام في ثبوت المفهوم للقب بنفسه؛ أي بقطع النظر عن أية قرينة خارجية، واستفادة إثبات الزنا لعمرو وأخته لم يستفد من اللقب نفسه، وإنما استفيد من قرينة التعريض بعمرو وأخته.
فالإنصاف: إن اللقب بما هو لا يفيد إلا نفي شخص الحكم بانتفاء مورده، فلا مفهوم له كما اتفق عليه علماء الخاصة وأغلب علماء العامة.
المبحث الثاني: مفهوم العدد
الكلام في مفهوم العدد هو الكلام في مفهوم اللقب؛ ففي قضية: (أطعم ستين مسكينا) لا تدل على نفي سنخ الحكم عن غير مورده؛ أي عن الأقل أو الأكثر من الستين؛ لأن المعلق على الستين هو شخص الحكم لا سنخه. أما عدم كفاية إطعام الأقل من الستين، فليس من باب المفهوم، بل من باب عدم امثتال شخص الحكم.
وبعبارة أخرى: إن سنخ الحكم مسكوت عنه من حيث الزيادة والنقيصة، أما شخص الحكم، فلا يتم إلا بالعدد المطلوب؛ أي بامتثال المأمور به، وهذا لا ربط له بمفهوم العدد.
نعم، هناك بعض الموارد التي ثبت فيها انتفاء الحكم عن غير العدد المحدد؛ بحيث لو زاد المكلف عليه أو نقص لا يعتبر ممتثلا؛ وذلك كما في تسبيحات صلاة جعفر الثلاثمائة؛ فإنه بناء على أنها (بشرط لا) من جهة الزيادة والنقيصة، فلا يجزي التسبيح أكثر منها أو أقل.
كما نجد بعض الموارد التي ثبت فيها انتفاء الحكم عما نقص عن العدد المحدد فقط؛ وذلك كما في وجوب الإتمام في السفر إذا نوى المكلف الإقامة عشرة أيام، فإنه لو نوى الإقامة أكثر من عشرة أيام لم ينتف وجوب الإتمام، بينما ينتفي وجوبه فيما لو نقصت إقامته عن العشرة ولو بساعة.
وهناك بعض الموارد التي ثبت فيها انتفاء الحكم عما زاد عن العدد المحدد دون الأنقص منه؛ كما في ثبوت الحيضية للدم الذي لم يقل عن الثلاثة ولم يزد عن العشرة، فلو رأت المرأة الدم عشرة أيام أو أقل بحيث لم يقل عن الثلاثة لم ينتف الحكم بالحيضية، بينما ينتفي الحكم بها فيما لو زادت عن العشرة، وتفصيله في الفقه.
وهناك بعض الموارد التي ثبت فيها عدم انتفاء الحكم فيما زاد أو نقص عن العدد المحدد؛ كما في الاستغفار لأربعين مؤمنا في صلاة الليل؛ إذ لا ينتفي حكم استحباب الاستغفار فيما لو استغفر لما زاد عن الأربعين أو نقص؛ ذلك أن الأربعين لم تؤخذ (بشرط لا) لا من جهة الزيادة أو النقيصة.
ولكن، كل هذه الموارد لم يثبت فيها انتفاء الحكم عن الأقل من العدد أو الأكثر منه أو عن كليهما بسبب العدد نفسه، وإنما ثبت ذلك بالقرائن الخارجية التي لا ربط لها بالمفهوم. فالإنصاف أن العدد لا مفهوم له من حيث الزيادة ولا النقيصة.
المقصد الرابع: في العام والخاص
تعريف العام:
قال صاحب الكفاية: "فصل: قد عرِّف العام بتعاريف، وقد وقع من الأعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارة، والانعكاس أخرى، بما لا يليق بالمقام؛ فإنها تعاريف لفظية، تقع في جواب السؤال عنه ﺑ(ما) الشارحة، لا واقعة في جواب السؤال عنه ﺑ(ما) الحقيقية".
بعد فراغ صاحب الكفاية من المقصد الثالث في المفاهيم، شرع في المقصد الرابع في العام والخاص، وهو من أهم مباحث الألفاظ التي يترتب عليها فوائد جمة. وقد استهل بالكلام عن تعريف العام معلِّقا على تعريفات الأعلام بما تقدم في أكثر من مناسبة، وهو أنه لما كانت التعاريف الحقيقية متوقفة على الإحاطة بحقائق المعرَّفات، ولا سبيل إلى معرفة حقائق الأمور إلا للمبدأ الأعلى، وهو الله، أو أصحاب المبادئ العالية؛ كالرسل والأئمة، أو ثلة من أصحاب الرياضات النفسية، فالتعاريف التي بين أيدينا كلها تعاريف لفظية توضيحية من قبيل شرح الاسم؛ كقولك: (السعدانة نبت)، وليست تعاريف حقيقية بالحدود والرسوم التامة، وبالتالي لا ينبغي المشاحة فيها والنقض عليها بعدم الاطراد تارة، والانعكاس أخرى. ومن هنا سن قاعدة بهذا الخصوص، وهي: (أن الاشتغال بالتعاريف مضيعة للوقت).
إذًا، إن المتاح لنا في الغالب هي التعاريف اللفظية وهي التي تكون ﺑ(ما) الشارحة التي يبيَّن بها معنى المشروح عنه بلفظ آخر قبل العلم بتحققه؛ أي قبل (هل) البسيطة؛ كما لو سئلنا: (ما الإنسان؟)، لأجبنا: (بشر). أما التعاريف الحقيقية، فهي التي تكون ﺑ(ما) الحقيقية التي يُبيَّن بها حقيقة الشيء وماهيته بعد العلم بتحقّقه؛ أيبعد (هل) البسيطة؛ كما لو سئلنا: (ما الإنسان؟) بعد الفراغ من إثبات وجوده، لأجبنا: (حيوان ناطق).

ومهما يكن من شيء، فقد عرَّف الغزَّالي العام بأنه: "اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيء فصاعدا". وعرَّفه الحسن البصري بأنه: "اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له". وعرَّفه المحقق في المعارج بأنه: "اللفظ الدال على اثنين فصاعدا من غير حصر. وعرَّفه البهائي بأنه: "اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه أو جزئياته".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo