< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الأمر الرابع:
ما حكي عن نجل العلامة فخر المحققين من أن التداخل مبني على القولبأنالأسبابالشرعيةمعرِّفات،وأنعدمالتداخل مبني على القول بأنها مؤثِّرات.
وفيه:
أولا: نسأل فخر المحققين عن مراده من السبب الشرعي، فإن كان مراده موضوع الحكم، فهذا لا ينسجم مع دعواه المؤثرية؛ لأن الأحكام وإن توقفت فعليتها على فعلية موضوعاتها إلا أنها ليست متولدة عنها ولا معلولة لها، وإلا لكانت أمورا تكوينية لا تنفك عن عللها، والحق أنها أمور اعتبارية بيد الشارع وحده يحكم بما يشاء.
وكذا لا ينسجم تفسير السبب الشرعي بالموضوع مع دعواه المعرِّفية؛ بمعنى أنها مجرد عناوين مشيرة إلى المواضيع الحقيقية؛ ذلك أن المستظهر من الأدلة النقلية أن موضوع وجوب الحج مثلا هو الاستطاعة مع باقي الشرائط الأخرى، لا أنها تشير إلى عنوان ما يشكِّل العنوان الحقيقي للوجوب.
وكذالاينسجمهذاالتفسيرمعدعوىالمعرِّفيةإنفسرناهابمعنىأنالموضوعات هي المنبِّئة عن المصالح والمفاسد؛ لما عرفت في أكثر من مورد أن الكاشف الحقيقي عن الملاكات هو الحكم نفسه.
وإن كان مراده من السبب الشرعي أنه عين المصالح والمفاسد في متعلقات الأحكام،فلا معنى لتكون حينئذ معرِّفة. أما التأثير، فإنكانبمعنىأن المصالح والمفاسد هي علل الأحكام، فهو باطل؛ لأن ملاكات الأحكام ليست عللا لها، وإلا لو كانت كذلك للزم عدم انفكاكها عنها؛ إذ لا ينفك المعلول عن علته التامة.
وإن كان معنى مؤثرية المصالح والمفاسد هو أنها الداعية إلى التشريع؛ إذ لا يعقل من الشارع الحكيم أن يشرِّع عبثا وتشهِّيا، وإنما يشرِّع لمصلحة أو مفسدة، فهذا الكلام وإن كان صحيحا إلا أنه لا يتلاءم مع التعبير عن السبب الشرعي؛ أي المصالح والمفاسد، بالمؤثرات من جهة، ولا يكون له ربط بالتداخل وعدمه من جهة أخرى.
فالخلاصة: إن ما ذكره الفخر لم يكتب له التوفيق في نفسه، كما أنه لا يرتبط بالتداخل وعدمه أيضا.
وهكذا فرغنا من الأمور التي قدمناها قبل الخوض في أصل المبحث، وهو الأصل اللفظي في تداخل الأسباب والمسبَّبات وعدمه.
أما بالنسبة لتداخل الأسباب، فيقول صاحب الكفاية: "والتحقيق: إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه، أو بكشفهعنسببه،وكانقضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط، كان الأخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا؛ ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة - مثل الوضوء - بما هي واحدة، في مثل (إذا بلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ)، أو فيما إذا بال مكررا، أو نام كذلك، محكوما بحكمين متماثلين، وهو واضحالاستحالة كالمتضادين. فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه ...".[1]
حاصل كلام صاحب الكفاية أنه لما كان للقضية الشرطية ظهورات ثلاثة، وهي: ظهورها في أن الشرط هو السبب في تحقق الجزاء، أو أن الشرط كاشف عن السبب؛ بمعنى أن الجزاء يحدث عند حدوث شرطه، وظهورها في تعدد الجزاء عند تعدد الشرط؛ بمعنى أن لكل شرط جزاءه، وظهور إطلاق الجزاء فيها في أن الحكم متعلق بالطبيعة على نحو صرف الوجود لا أنه متعلق بالأفراد، فإنه بناء على هذه الظهورات ينشأ إشكال، وهو لزوم المحال؛ لأن اللازم الأخذ بهذه الظواهر هو أن تكون الحقيقة الواحدة في مثل: (إذا بلت فتوضأ)، و(إذا نمت فتوضأ)، أو فيما إذا بال مكررا أو نام كذلك، محكومة بحكمين متماثلين؛ لأنه يكون لدينا حكمان متعلقان بشيء واحد، فيجتمع المثلان في شيء واحد، وقد عرفت أنه محال؛ إذ التماثل يقتضي عدم التغاير، وعدم التغاير يقتضي الوحدة وينفي الاثنينية.
وعليه، فعلى القول بالتداخل فلا محيص عن التصرف بظاهر القضية منعا لهذا اللزوم؛لأنالموضوعبناءعلى التداخل هو صرف الوجود من طبيعة الجزاء؛ كالوضوء في المثال، ومن المعلوم عدم تحمِّله لحكمين، وهذا بخلاف القول بعدم التداخل؛ بأن يقال: إن المسبَّب في كل واحد من الشرطين وجود من الطبيعة مغاير لوجودها في الشرط الآخر، فعلى القول بعدم التداخل لا يلزم منه اجتماع المثلين، وعلى القول بالتداخل لا بد من التصرف في ظاهر القضية. وقد ذكر صاحب الكفاية تصرفات ثلاثة:
التصرف الأول:
وهو رفع اليد عن الظهور الأول؛ أي ظهور القضية الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط، ليكون ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط؛ بمعنى أنه لو كان لدينا أكثر من سبب، فإن كانت الأسباب متقارنة، كان جزاؤها واحدا ومستندا إليها جميعا، وإن كان بعض الأسباب متقدما على بعضها، فيستند الجزاء الواحد حينئذ إلى خصوص المتقدم منها، فينتفي الإشكال في الصورتين؛ إذ لا يكون لدينا حكمان ليرد إشكال اجتماع المثلين.
التصرف الثاني:
وهو دعوى أن متعلق الحكم وإن كانت طبيعة واحدة ظاهرا، إلا أنه في الواقع طبائع متعددة؛ فلا يكون لدينا حينئذ جزاء واحد تعلق به حكمان متماثلان، بل بتعدد الطبائع تعدد الجزاء والحكم.
ثم قال صاحب الكفاية: لا مانع من أن يكون ثمة مجمع خارجا تنطبق عليه أكثر من طبيعة؛ بحيث إذا أتي به سقط الحكمان المتعلقان به؛ وذلك كما لو ورد: (أكرم هاشميا)، و(أضف عالما)، فهنا قد يمتثل المكلف لكل من الأمرين على حدة؛ كما لو أكرم هاشميا غير عالم، وأضاف عالما غير هاشمي، كما قد يمتثلهما دفعة واحدة؛ كما لو أكرم العالم الهاشمي بالضيافة امتثالا للأمرين؛ حيث يتحقق إكرام الهاشمي وإضافة العالم بإضافة المجمع؛ باعتبار أن الإضافة من مصاديق كلي الإكرام.
وكذلك بالنسبة لمثال الوضوء؛ فإنه وإن كان ظاهرا طبيعة واحدة، إلا أنه في الواقع طبائع متعددة، فأمكن أن يتوضأ المكلف وضوءا واحدا ليسقط عنه الأمران، وهما الأمر بالوضوء بسبب البول، والأمر به بسبب النوم، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo