< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

ومن الأمثلة أيضا كفارة الإفطار العمدي؛ حيث قام الدليل الخارجي على تداخل أسبابها من المفطرات ما خلا الجماع والاستمناء؛ كالأكل والشرب. وبالتالي، لو أكل المكلف أو شرب مثلا أكثر من مرة في نهار شهر رمضان لما ثبت في ذمته إلا جزاء واحد؛ أي كفارة واحدة. وعليه، لا يجري النـزاع حول تداخل المسبَّبات وعدمه؛لماعرفتمنأنهمتفرععن عدم تداخل الأسباب، وقد ثبت بالدليل الخارجي تداخلها بالنسبة للمفطرات غير الجماع والاستمناء اللذين قام الدليل على عدم تداخلهماكسببينللكفارة، فيأتي النـزاع بالنسبة إليهما في تداخل المسبَّبات وعدمه.
وأما الروايات التي استظهرنا منها تداخل أسباب كفارة الإفطار العمدي ما خلا الجماع والاستمناء، فمنها: صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله: "في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال: يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق"[1]. فإن هذه الصحيحة ظاهرة في كون موضوع الكفارة هو (من أفطر)، والإفطار غير قابل للتكرار؛ إذ من أكل فأفطر، ثم أكل مرة ثانية، لا يقال عنه أنه أفطر ثانية، ومن هنا استظهرنا تداخل أسباب الكفارة. نعم، إنما يجب عليه الإمساك تأدبا واحتراما لشهررمضانالمبارك،إلاأنهذا الحكم التعبدي ليس لأجل الإفطار ثانيا لبقاء الصوم.
وأما الروايات التي استظهرنا منها عدم تداخل الجماع أو الاستمناء كسببين لكفارة الإفطار العمدي، فمنها: حسنة ابن دراج عن أبي عبد الله: "أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ فقال: إن رجلا أتى النبي فقال: هلكت يا رسول الله! فقال: ومالك؟ قال: النار يا رسول الله! قال: ومالك؟ قال: وقعت على أهلي، قال: تصدق واستغفر ..."[2].
ومنهاصحيحةعليبن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر قال: "سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء وعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر الله".[3]
ومنها خبر إدريس بن هلال، عن أبي عبد الله: "أنه سئل عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، قال: عليه عشرون صاعا من تمر، فبذلك أمر رسول الله الرجل الذي أتاه فسأله عن ذلك".[3]
هذه الروايات ظاهرة في كون موضوع الكفارة هو تارة (من وقع على أهله)، وأخرى (من نكح أهله)، وثالثا (من أتى أهله)، وكلها تصب في معنى الوطء، وهو قابل للتكرار، لذلك استظهرنا عدم تداخله حال تكرره كسبب لكفارة الإفطار العمدي، فيجري النـزاع حول تداخل المسبَّبات وعدم تداخلها.
ومن الأمثلة أيضا على ما قام الدليل الخارجي على تداخل مسبَّباته هي الأغسال، فقد ثبت أنه يكتفى بغسل واحد فيما لو كان على المكلف عدة أغسال. ومما دل على ذلك حسنة زرارة، قال: "إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد. قال: ثم قال: وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها"[5]. فهذه الرواية وأمثالها ظاهرة في تداخل الأغسال كمسبَّبات عن أسباب متعددة غير متداخلة.
والكلام في هذا المثال يفتح الباب للكلام حول أنه هل الأغسال ذات حقيقة واحدة أم لا؟
ذهبمشهورالأعلامإلىأنهاذاتحقائقمتغايرة؛ بمعنى أن حقيقة الغسل الذي أوجبته الجنابة غير حقيقة الغسل الذي أوجبه مس الميت، أو الحيض أو النفاس. وعليه، فمع قطر النظر عن الدليل الخارجي الدال على تداخل المسبَّبات، فيأتي النـزاعحولأنالأصلتداخلهاأملا.بل يبقى النـزاع قائما أيضا حتى مع ملاحظة الدليل الخارجي إذا كان على المكلف أغسال متعددة واغتسل غسلا واحدا ولكن بنية أحدها؛ كما لو نوى غسل الجمعة أو الزيارة، لا جميعها، وذلك إذا فهمنا من حسنة زرارة المتقدمة أن الغسل الواحد إنما يجزي عن أغسال متعددة إذا نواها جميعا. ولكن ذكرنا في مبحث الفقه أنه تكفي نية أحدها في الإجزاء عن الباقي، ولا تشترط نية الجميع في الإجزاء عنها، فراجع.
أما الأردبيلي ومن وافقه فقد ذهب إلى أنها ذات حقيقة واحدة؛ بمعنى أن حقيقة الغسل الذي أوجبته الجنابة عين حقيقة الغسل الذي أوجبه مس الميت وعينالغسلالذي أوجبه الحيض أو النفاس. وعليه، فبناء على وحدة حقائق الأغسال وبالتالي وحدة المسبَّبات، لا بد أن تكون الأسباب واحدة بتداخلها؛ إذ لا يمكن صدورالواحدالشخصيعنالكثير،فينتفيالنـزاعحولتداخل الأسباب والمسبَّبات. وإنما فرضنا الأغسال واحدا شخصيا بناء على أنها ذات حقيقة واحدة.
وعليه، فيكفي غسل واحد حتى الجمعة عن جميع الأغسال، ولو لم ينو غيرها؛ والسر واضح، بل لا محيص عن الإلتزام بالتداخل وعدم تأثير كل ما هو السبب في الظاهر ولو قلنا بأصالة عدم التداخل في الأسباب والمسبَّبات لعدم قابلية المورد لتعدد الوجود.

الأمر الثالث:
لو لم يكن ثمة دليل لفظي عل التداخل وعدمه بالنسبة للأسباب والمسبَّبات، فما هو الأصل العملي في المقام؟
نقول: أما بالنسبة إلى الأسباب، فالأصل العملي يقتضي تداخلها، وبالتالي يقتضي وحدة الجزاء؛ فلو فرضنا أن زيدا بال فثبت في حقه وضوء، ثم بال مرة أخرى أو نام، فشككنا أنه هل ثبت في حقه وضوء آخر أم لا؟ أي شككنا في أصل التكليف بوضوء آخر، فالمرجع هنا إلى أصالة البراءة عن وضوء آخر، وهذا يقتضي تداخل الأسباب.
وأما بالنسبة إلى المسبَّبات، فالعكس هو الصحيح؛ إذ بناء على عدم تداخل الأسباب، فالأصل العملي يقتضي عدم تداخل المسبَّبات؛ فلو ثبتت أغسال متعددة في ذمة زيد؛ كما لو ثبت في ذمته غسل بسبب الجنابة وآخر بسبب مس الميت، ثم أتى بواحد، فشككنا بسقوط الثاني؛ أي شككنا في سقوط المكلف به، فالمرجع هنا إلى أصالة الاشتغال؛ أي أصالة الاشتغال بالغسل الثاني بعد ثبوته، وهذا يقتضي عدم تداخل المسبَّبات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo