< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/19

بسم الله الرحمن الرحیم

المبحث الأول: الأمور الدخيلة في تحقق المفهوم
قال صاحب الكفاية: "فصل: الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء، كما تدل على الثبوت عند الثبوت بلا كلام، أم لا؟ فيه خلاف بين الأعلام.لاشبهةفياستعمالهاوإرادةالانتفاء عند الانتفاء في غير مقام، إنما الإشكال والخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة".
بعد الفراغ من المقدمة التي عرَّفنا فيها المفهوم، وبيَّنا أنه وصف للدلالة على الأقرب، شرع صاحب الكفاية في الفصل الأول من هذا المقصد، وهو مفهوم الشرط الذي يعد من أهم المفاهيم التي سنبحثها تباعا. وقد ابتدأ هذا الفصل بالكلام عن الأمور الدخيلة في تحقق مفهوم الشرط في دلالته على الانتفاء عند الانتفاء، وعن الخلاف في أنه مستفاد بالوضع أو بالقرينة.
وقبل الخوض في هذا المبحث، تنبغي الإشارة إلى أنه ليس المراد من الشرط هنا المعنى الحدثي، وهو الجعل؛ كما جاء في كثير من الروايات، منها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر، في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة، أو هجرها، أو اتخذ عليها سرية، فهي طالق، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم،فإنشاءوفى لها بما اشترط، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها"([1]). فالمراد من قوله: "شرط الله قبل شرطكم"؛ أي جعل الله قبل جعلكم.
كما ليس المراد من الشرط هنا ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجودِه وجودَه؛ كشرط الطهارة للصلاة؛ حيث يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة، ولا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة؛ إذ قد يكون المكلف على طهارة ولا يصلي.
وإنما المراد من الشرط هنا هو ما يتعلق عليه الجزاء؛ كتعلق وجوب الإكرام على مجيء زيد في قولك: (إن جاءك زيد فأكرمه).
إذا عرفت ذلك فنقول: لا إشكال في دلالة الجملة الشرطية على الثبوت عند الثبوت في المنطوق؛ أي على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط، وإنما الكلام في دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء؛ أي على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط في المفهوم.
نقول: حتى تدل القضية الشرطية على المفهوم، لا بد من تحقق أمور، هي:
الأمر الأول: أن يكون القيد، وهو الشرط، راجعا إلى الهيئة؛ أي إلى الحكم وهو الوجوب؛ حيث يأتي البحث حينئذ عن انتفاء الحكم بانتفاء الشرط. أما إن كان القيد راجعا إلى المادة؛ أي إلى الواجب، وهو الإكرام، لصارت القضية وصفية، فإن القضية الوصفية لدى الأصوليين عبارة عن كل قضية يرجع فيها القيد إلى المادة.
وقد تقدم الكلام حول إمكانية رجوع القيد إلى الهيئة، وما ذكره الشيخ الأنصاري من عدم إمكانية ذلك؛ باعتبار أن الهيئة معنى حرفي، وهو جزئي حقيقي لا يقبل التقييد؛ لأن الجزئي الحقيقي لا حصص فيه، فيستحيل فيه الإطلاق والتقييد. بينما ذهب صاحب الكفاية إلى أنه كلي من الوضع العام والموضوع له العام، وبالتالي هو قابل للتقييد. ثم بيَّنا أن الإنصاف كون "التعليق في الجملة الشرطية، هو تعليق جملة على جملة؛ فحاصل مجموع الجملة الثانية معلق على الجملة الأولى؛ أي المعلق على المجيء هو وجوب الإكرام المنتسب إلى الفاعل؛ أي المحمول المنتسب إلى الفاعل وليس المحمول وحده؛ يعني ليس المنشأ بما هو معنى أفرادي، وهو المحمول وحده، فلا ترد الإشكالات المتقدمة"[2].
الأمر الثاني: أن تكون القضية الشرطية لزومية لا اتفاقية؛ أي أن لا تكون العلاقة بين الشرط والجزاء علاقة اتفاقية؛ كما في قولك: (إذا كان الحمار ناهقا فالإنسان ناطق)، بل علاقة لزومية؛ كالتضايف؛ كما في قولك: (إذا كان زيد أبا عمرو، فعمر ابن زيد)، أو العلية؛ سواء كان الشرط علة والجزاء معلولا؛ كما في قولك: (إذا طلعت الشمس فالنهار موجود)، أم كان الشرط معلولا والجزاء علة؛ كما في قولك: (إذا كان النهار موجود فالشمس طالعة)، أم كان كل من الشرط والجزاء معلولا لعلة واحدة؛ كما في قولك: (إذا قصرت فأفطر)؛ فإن التقصير والإفطار معلولان للسفر، وليس أحدهما علة للآخر.
ومن هنا اتضح لك أن تقسيم القضية الشرطية إلى لزومية واتفاقية في غير محله؛ إذ القضية التي بين طرفيها علاقة اتفاقية ليست قضية شرطية.
الأمر الثالث: أن يكون بين الشرط والجزاء ترتب علِّي؛ بأن يكون الشرط علة والجزاء معلولا؛ لكي ينتفي المعلول بانتفاء علته. فلو كان الشرط في القضية الشرطية معلولا للجزاء، أو كان الشرط والجزاء معلولين لعلة، كما في المثالين المتقدمين، لما دلت على انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط؛ لاحتمال أن ينتفي الجزاء لعلة أخرى غير انتفاء الشرط؛ فانتفاء وجود النهار في المثال الأول لا يدل على انتفاء طلوع الشمس؛ لاحتمال أن يكون عدم وجوده لمانع. وكذا انتفاء التقصير في المثال الثاني لا يدل على انتفاء الإفطار.
ثم إنه وقع الخلاف بين الأعلام حول دلالة القضية الشرطية على هذا الترتب العلّي بين الشرط والجزاء؛ فذهب جماعة من الأعلام كصاحب الكفاية وجماعة من طلابه والسيد الخوئي إلى أن هذا الترتب العلِّي الخاص غير مستفاد من الوضع؛ وإلا لو كانت القضية الشرطية موضوعة لخصوص كون الشرط علة والجزاء معلولا، لكان استعمالها فيما لو كان الشرط معلولا والجزاء علة، أو الشرط والجزاء معلولين لعلة، استعمالا مجازيا، وهو باطل؛ فإن العرف لا يرى فرقا بين كل هذه الاستعمالات، ويستعملها جميعا على نحو الحقيقة وبلا عناية.
وعليه، فهي تدل على مطلق الترتب، سواء أكان من قبيل ترتب المعلول على العلة التامة، أم كان من قبيل ترتب العلة على المعلول، أم كان من قبيل ترتب أحد المعلولين لعلة ثالثة على معلول آخر.
أما الميرزا، فبعد اعترافه بأن استعمالها في موارد غير ترتب المعلول على العلة ليس مجازا، ذهب إلى أن الظهور السياقي للكلام يدل على كون الشرط علة والجزاء معلولا؛ إذ دلالة القضية الشرطية على كون العلقة بين الجزاء والشرط علقة ترتب وعلية الشرط للجزاء - وإن لم تكن بالوضع ولا لكون القضية الشرطية لها ظهور عرفي في ذلك - إلا أنه لا يبعد دعوى الظهور السياقي في ذلك؛ حيث إن سوق الكلام من جعل الشرط مقدما والجزاء تاليا هو أن يكون الكلام على وفق ما هو الواقع بمقتضى تبعية عالم الإثبات لعالم الثبوت، فإنه لو كان الجزاء علة للشرط، أو كانا معا معلولين لعلة ثالثة، لكان الكلام سوقا لبيان البرهان الإني، وهذا يحتاج إلى مؤنة زائدة، وإلا فإن طبع الكلام يقتضي كون المقدم هو المقدم، والتالي هو التالي في الواقع وعالم الثبوت، فيكون الكلام قد سيق على طبق الواقع.
والإنصاف هو ما ذكره الميرزا النائيني، فإن مقتضى الظهور السياقي كون الشرط علة والجزاء معلولا، والله العالم.
الأمر الرابع: أن يكون الشرط علة تامة للجزاء. وتستفاد تمامية العلة من الإطلاق الواوي؛ إذ لو كان الشرط عبارة عن شروط معطوفة ﺑ(و)، لكان كل شرط جزء علة لا علة تامة؛ كما في قولك: (إن جاءك زيد وسلَّم عليك فأكرمه). وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
الأمر الخامس: أن يكون الشرط علة منحصرة للجزاء. ويستفاد انحصار العلة من الإطلاق الأوي؛ إذ لو كان الشرط عبارة عن شروط معطوفة ﺑ(أو)، لما كان كل شرط برأسه علة منحصرة؛ كما في قولك: (إن جاءك زيد أو سلم عليك فأكرمه).




[2] راجع التقسيم الأول في المبحث الثالث من الفصل الرابع من المقصد الأول.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo