< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

أما ما ذهب إليه الميرزا من أن النهي عن السبب لا يدل على الفساد؛ فالسر فيه أنه لا ملازمة بين مبغوضية إيجاد المعاملة وإنشائها وبين فسادها؛ إذ لا يشترط في السبب المحبوبية أصلا لتكون مبغوضيته مانعة من ترتب الأثر عليه، كما في العبادات. نعم، أقصى ما قد يلزم من مبغوضية السبب هو ترتب العقاب عليه، ولكن هذا لا يضر بالصحة، والله العالم.
هذا بالنسبة إلى ما قاله الميرزا فيما يخص النهي عن السبب. أما بالنسبة إلى دلالة النهي عن المسبب على فسادها، فيقدم الميرزا أولا أن صحة المعاملة كالبيع مثلا تتوقف على توفر أركان ثلاثة، هي: أن يكون المبيع مملوكا للبائع أو موكله، وأن لا يكون ثمة مانع من التصرف بالمبيع؛ كالحجر أو السفه ونحوهما، وأن تكون المعاملة بسبب خاص وآلة خاصة.
إذا عرفت ذلك، فإن انخرم أحد هذه الأركان الثلاثة فسدت المعاملة؛ وذلك كما في صورة النهي عن المسبب؛ كالنهي عن بيع القرآن الكريم أو العبد المسلم للكافر، فإن معنى النهي عن المسبب هو سلب السلطنة؛ حيث يصير البائع ممنوعا شرعا من البيع، وبالتالي يصير غير قادر عليه؛ إذ الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي، فينخرم الركن الثاني من أركان صحة المعاملة، فتفسد حينئذ.
ثم يستشهد الميرزا على مقالته بمثال تسالم عليه الفقهاء، وهو بطلان الإجارة على الواجبات المجانية؛ كالإفتاء وتعليم الأحكام والقضاء والأذان وغيرها، فإن الشارع حرَّم أخذ الأجرة على هذه الواجبات؛ ذلك أن هذه الأفعال مملوكة له، فلا سلطنة للمكلفين عليها، وبالتالي لا يمكن تأجيرها للغير مع عدم السلطنة عليها.
كما مثل الميرزا بمثال آخر فيه كلام بين الأعلام، وهو أنه إذا نذر التصدق بشيء معين، فكل ما ينافي هذا التصدق يكون باطلا؛ فلو باع العين منذورة التصدق، يكون البيع فاسدا؛ لعدم سلطنته على هذا البيع وعدم قدرته عليه؛ لخروجه بالنذر عن تحت سلطنته، ويكون ذلك مخصصا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم. وقد ذهب إلى هذا الرأي جماعة من الأعلام، منهم السيد محسن الحكيم.
وكذا الحال لو باع شخص داره مثلا على مشتر مشترطا عليه أن يعتق عبده، فإن باع العبد المشتري لا يكون بيعه صحيحا؛ ذلك أنه بقبوله شرط العتق فقد سلطنته على عبده بما ينافي هذا الشرط.
إذًا حاصل كلام الميرزا أن النهي عن السبب لا يدل على الفساد، بينما النهي عن المسبب يدل على فسادها؛ لأنه يسلب السلطنة المشروطة في صحة المعاملة.
والإنصاف:
أولا: اصطلح الفقهاء على تسمية البيع الذي هو الإيجاب والقبول بالسبب، وعلى تسمية الملكية بالمسبَّب. كما أنهم اصطلحوا على تسمية موضوعات الأحكام التكليفية؛ كالبلوغ والعقل، بالشرائط. واصطلحوا على تسمية موضوعات الأحكام الوضعية بالأسباب، وذلك كله مجرد اصطلاح. ومهما يكن، فإن البيع ليس علة تامة للملكية، وأن الملكية معلولة للبيع؛ فإن البيع بنفسه لا ينتج الملكية لولا إمضاء الشارع مثلا. أما الميرزا، فهو يعبر عما سمي بالسبب بالآلة، وعما سمي بالمسبب بذي الآلة. والحق أن مثل البيع هو جزء سبب ومقتض للملكية، بينما الملكية وأمثالها عبارة عن أحكام شرعية وضعية، إلا أنه لا مناص من الاحتذاء بهم فيما اصطلحوا عليه؛ إذ لا ينبغي الوقوف على ما لا ينبغي المشاحة فيه.
ثانيا: إن ما ذكره الميرزا من أركان ثلاثة تتوقف صحة المعاملة على توفرها، فهو في محله، إلا أن دعواه أن النهي عن المسبب يسلب السلطنة على المال، فيكون هذا النهي مخصصا للنبوي "الناس مسلطون على أموالهم"[1]، ففي غير محلها. وفرق واضح بين ما نحن فيه، وبين السفه والفلس والحجر المانع من تصرف الإنسان في ماله. ووجه الفرق أن الملكية فيما نحن فيه حكم شرعي وضعي، فهي بالتالي فعل من أفعال المولى، فإن فسرت بالمسبب، فلا معنى للنهي عنها حينئذ؛ إذ لا معنى لنهي المولى عن فعله. وإن أريد بالمسبب شيء آخر غير الملكية، فلا بد من بيانه لنرى أنه يصح النهي عنه أم لا.
وبالجملة، إنه لا معنى للنهي عن المسبب حتى يدل على الفساد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo