< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

وثانيا: إن ما نسبه السيد الخوئي للشيخ النائيني من التفصيل بين الصحة الواقعية والظاهرية، بأن الأولى انتزاعية بينما الثانية جعلية، فهو غير دقيق؛ لأن الميرزا قد صرح في فوائده أن الصحة والفساد سواء في العبادات أم المعاملات، وسواء الواقعيين أم الظاهريين، أمران انتزاعيان، كل ما في الأمر أن الصحة الواقعية منتزعة من انطباق قهري بين المأتي به والمأمور به؛ كانطباق صلاة زيد تامة الأجزاء والشرائط على الصلاة المأمور بها، بينما الصحة الظاهرية منتزعة من انطباق شرعي بينهما؛ وذلك كما لو شك زيد بإتيان الركوع بعد الفراغ من صلاته، فهنا يحكم الشارع بانطباق صلاة زيد على الصلاة المأمور بها تعبدا بقاعدة الفراغ، ومن هذا الانطباق الشرعي ينتزع العقل الصحة، فيكون منشأ انتزاع الصحة شرعيا إلا أن الصحة نفسها انتزاعية.
أما السيد الخوئي، فقد كان له تفصيل خاص، وهو أن الصحة والفساد في العبادات أمران انتزاعيان، وفي المعاملات حكمان شرعيان وضعيان. وتوضيحه: أما في العبادات، فلأن الصحة والفساد ينتزعان من مطابقة ما أتى به المكلف مع متعلق الأمر العبادي وعدم مطابقته. وأما في المعاملات، فنقول:
أولا: إن نسبة المعاملات إلى الأحكام نسبة الموضوعات لها لا نسبة المتعلقات؛ فإن البيع والإجارة والنكاح والطلاق وغيرها ليست متعلقات للأحكام بل هي بمثابة الموضوعات، وإنما تتعلق الأحكام بأسبابها.
ثانيا: إن الموضوعات تؤخذ مفروضة الوجود بالنسبة إلى الأحكام، ومن هنا يستحيل أن يكون الحكم فعليا قبل فعلية موضوعه.
ثالثا: إن الحكم ينحل بانحلال موضوعه؛ حيث يثبت لكل موضوع حكم خاص.
رابعا: إن معنى صحة المعاملة هو ترتب الأثر الخارجي عنها؛ فصحة البيع مثلا عبارة عن صيرورة الثمن للبائع والمثمن للمشتري.
وبناء عليه، ليس هناك معاملة كلية ممضاة، فإنما أمضى الشارع المعاملة الخارجية فحسب؛ لما تقدم من أن المعاملات موضوعات للأحكام لا متعلقات لها، فلا بد أن تؤخذ مفروضة الوجود بالنسبة إلى حكم الشارع، فكل معاملة وجدت في الخارج مستجمعة الشرائط أمضاها الشارع، ولا معنى للإمضاء قبل وجودها. إذًا لا يوجد لدينا صحة كلية، وإنما الصحة جزئية فقط؛ أي للمعاملات الشخصية، وهذه الصحة الجزئية أمضاها الشارع، فهي شرعية لا انتزاعية.
وفيه: إن معنى قوله: >وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ<، هو أن كل بيع خارجي استجمع الشرائط يترتب عليه الأثر، وهذا الحكم من الشارع لا يتصف بالصحة والفساد، وبالتالي فصحة البيع منتزعة من انطباقه مع البيع الممضى، وهكذا في كل معاملة. إذًا الصحة في المعاملات كالصحة في العبادات انتزاعية أيضا، غايته أن الفقهاء اصطلحوا في المعاملات وقالوا إن الأسباب موضوعات للأحكام، وفي العبادات قالوا إن الأفعال كالصلاة والصوم ونحوهما متعلقات للأحكام، ولا فرق بينها فيما هو المهم في المقام.

ملحق:
ذهب بعض الأعلام كالمحقق القمي إلى أن النـزاع في أنه (هل النهي عن الشيء يقتضي فساده؟) إنما يجري فيما لو كان هذا الشيء من عبادة أو معاملة صحيحا قبل ورود النهي عنه، وإلا لو كان فاسدا قبل ذلك، فلا يكون داخلا في محل النـزاع؛ إذ لا ثمرة عملية من وراء اقتضاء النهي عن الفاسد؛ مثلا لو فرضنا أنه ليس لدينا ما يدل على مشروعية صوم الوصال مثلا الذي يعني عدم تناول المفطر بعد الغروب إلى فجر اليوم الثاني مع نسبة ذلك إلى الشارع المقدس، وأما إذا لم يتناوله بدون هذه النسبة، وإنما لعدم إرادته الإفطار ونحو ذلك، فلا بأس، لأنه لا يكون حينئذ صوم الوصال المحرم، نعم يكون عمله مرجوحا؛ لاستحباب الإفطار بعد الغروب من جهة، ولاستحباب تناول شيء من الطعام قبل الفجر ليتقوى به على الصوم في اليوم التالي، بل قد يجب عليه تناول شيء من الطعام إذا لم يستطع الصيام في اليوم التالي بدونه. وكذا لو فرضنا أنه ليس لدينا ما يدل على مشروعية المقامرة مثلا، فشككنا في صحة كل من صوم الوصال بالمعنى المتقدم والمقامرة قبل ورود النهي عنهما، فهنا نحكم بفسادهما؛ إذ العبادة توقيفية من الشارع، فمع الشك في مشروعية عمل ما؛ كصوم الوصال الذي لا تشمله عمومات الصوم، فالأصل فيه هو الفساد، وكذا بالنسبة إلى المقامرة؛ حيث لا يشملها قوله: >أَوْفُوا بِالْعُقُودِ<([1])؛ لأن الأصل عدم النقل والانتقال. وعليه، بما أن صوم الوصال والمقامرة فاسدان قبل ورود النهي عنهما، فلا يكونان داخلين في محل النـزاع؛ إذ لا ثمرة عملية من وراء اقتضاء النهي عن الفاسد فسادا آخر غير الثابت بالأصل العملي. نعم، ذكر البعض أن هناك ثمرة نظرية، وهو أنه إن ثبت أن النهي عن الشيء يقتضي فساده، فنكون قد أثبتنا للفاسد بالأصل العملي فسادا آخر بالدليل الاجتهادي، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo