< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

35/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

هذا بالنسبة إلى المسألة الأولى، أما المسألة الثانية، وهي دخول النهي الغيري محل النـزاع، فيقول فيها صاحب الكفاية: "كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي، فيعمالغيريإذاكانأصليا،وأما إذا كان تبعيا، فهو وإن كان خارجا عن محل البحث؛ لما عرفت أنه في دلالةالنهيوالتبعي منه من مقولة المعنى، إلا أنه داخل فيما هو ملاكه، فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للإرشاد إليه، إنما يكون لدلالته على الحرمة".
حاصل هذه المسألة الثانية أنه لا إشكال في دخول النهي النفسي محل النـزاع، أما النهي الغيري، فإن كان إرشاديا فلا إشكال في خروجه عن محل النـزاع؛ لأنه حتما يقتضي فساد المنهي عنه سواء أكان عبادة أم معاملة؛ كالنهي الإرشادي إلى مانعية الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، فإنه إرشاد إلى فسادها فيه؛ والسر في ذلك أن النهي الإرشادي يدل على كون متعلق الأمر مقيدا بغير هذه الحصة المنهي عنها، فيكون إرشادا إلى فساد هذه الحصة الخاصة.
وأما النهي الغيري التبعي؛ كالنهي في مسألة (هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده؟)، فبناء على الاقتضاء، فقد ذهبت جماعة منهم الميرزا النائيني والسيد الخوئي إلى إن النهي الغيري التبعي عن ضد المأمور به لا يقتضي فساده؛ لأن غاية ما يدل عليه هذا النهي هو أنه لا أمر بمتعلقه، وإلا فهو لا يوجب المبغوضية ولا يدل على المفسدة في المتعلق، بل لا يدل على عدم الملاك، ومن هنا صحت الصلاة بقصد ملاكها بحال اقتضى الأمر بإزالة النجاسة من المسجد النهي عنها.
وفيه: إنه لو فرضنا أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فلا إشكال في أن هذا النهي يقتضي فساد المنهي عنه؛ فإن فساده لا يتوقف على المفسدة والمبغوضية، بل يكفي ما في النهي الغيري الحقيقي من مبعِّدية لإفساد العبادة التي قوامها المقربية؛ فإن المبعدية والمقربية لا يجتمعان في شيء واحد وآن واحد.
والنتيجة: إن النهي التحريمي داخل في محل النـزاع، بينما النهي التنـزيهي غير داخل فيه إلا إذا كان واردا على ذات العبادة كما تقدم. والنهي النفسي داخل في محل النـزاع أيضا، أما النهي الغيري، فإن كان إرشاديا فهو غير داخل حتما، وإن كان تبعيا فهو داخل، والله العالم.


الأمر الرابع: تعيين المراد من العبادة
قال صاحب الكفاية: "ما يتعلق به النهي، إما أن يكون عبادة أو غيرها، والمراد بالعبادة - هاهنا - ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى، موجبا بذاتهللتقربمنحضرتهلولاحرمته؛كالسجود،والخضوع،والخشوعله، وتسبيحه وتقديسه،أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمرا عباديا، لا يكاد يسقط إلا إذا أتى به بنحو قربي؛ كسائر أمثاله، نحو صوم العيدين، والصلاة في أيام العادة".
حاصل هذا الأمر أن ما يتعلق به النهي في مسألتنا إما أن يكون عبادة أو لا، فأما العبادة، فهي على معنيين:
الأول: وهي العبادة الذاتية؛ أي ما تكون بذاتها عبادة بلا حاجة إلى أمر من الشارع؛ وذلك كالركوع والسجود والتسبيح؛ فإن السجود مثلا عبادة بذاته؛ لأنه خضوع وإن لم يأمر به المولى، وموجب للتقرب منه ما لم ينهَ عنه، وأما نهيه عنه بالإضافة إلى غيره؛ كنهيه عن السجود لغيره، فلا يخرج أصل السجود عن العبادية؛ ذلك أن عباديته مستمدة من ذاته لا من أمر المولى واعتباره، نعم يخرج بسبب النهي عن المقربية.
الثاني: وهي العبادة الشأنية؛ أي ما لا تكون بذاتها عبادة، وإنما لها شأنية أن تتصف بالعبادية الفعلية بشرط أمر المولى بها؛ بحيث لو تعلق الأمر به كان أمره عباديا لا يكاد يسقط إلا إذا أتي به بنحو قربي؛ وذلك كصلاة الحائض وصوم العيدين؛ فإن من شأنهما أن يتصفا بالعبادية، إلا أنهما لم يتصفا بها فعلا لعدم أمر المولى بهما، وإلا لو أمر بهما لكانا عبادة، لا يسقط أمرهما إلا إذا أتي بهما على وجه قربي؛ كما ورد الأمر بذلك في صوم العيد وأيام التشريق في كفارة صيام شهرين متتابعين للقتل في الأشهر الحرم، فإنه إذا كان القتل في الأشهر الحرم، فلا بد أن يكون الصوم فيها، فيصوم صوم العيد أيضا إذا صادفه؛ كما جاء في صحيحة زرارة، قال: "قلت لأبي جعفر: رجل قتل في الحُرم؟ قال: عليه دية وثلث، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم. قال: قلت: هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق؟ فقال: يصومه فإنه حق لزمه"[1].
إذًا المراد من العبادة في مسألتنا هي العبادة بهذين المعنيين؛ أي العبادة الذاتية والعبادة الشأنية، وليس المراد منها العبادة الفعلية المأمور بها على ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري، ولا ما تتوقف صحتها على نية القربة، كما مال إليه المحقق القمي، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء، كما اختاره المحقق القمي أيضا؛ وذلك لأن كل من هذه المعاني لا يعقل تعلق النهي بها بعد فرض أنها مأمور بها فعلا، وإلا لزم التكليف المحال.
ثم أشكل صاحب الكفاية على هذه التعريفات بأنه يرد عليها طردا كونها غير مانعة من الأغيار؛ فإنا لا نعلم انحصار المصلحة من بعض التوصليات؛ كتوجيه الميت إلى القبلة. كما يرد عليها عكسا كونها غير جامعة؛ لأننا نعرف انحصار المصلحة من بعض العبادات؛ كالوضوء فإن مصلحته هي تحقيق الطهارة.
هذا ما أورده صاحب الكفاية على هذه التعريفات، إلا أنه اعتذر بعد ذلك بأنه لا ينبغي الإيراد عليها طردا وعكسا؛ لما عرفت من أن هذه التعاريف ليست تعاريفا حقيقية بالحدود والرسوم التامة، وإنما هي من قبيل شرح الاسم؛ ﻛ(السعدانة نبت)، فلا ينبغي المشاحة فيها.
والخلاصة: إن المراد من متعلق النهي العبادي في مسألتنا هي خصوص العبادة الذاتية والشأنية، لا العبادة الفعلية، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo