< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

التنبيه الثاني:
قال صاحب الكفاية: "قد مر-فيبعضالمقدمات- أنهلاتعارض بينمثلخطاب(صل)وخطاب (لا تغصب) على الامتناع، تعارض الدليلين بما همادليلانحاكيان، كييقدم الأقوى منهما دلالة أو سندا، بل إنما هو من باب تزاحمالمؤثرينوالمقتضيين،فيقدمالغالبمنهما، وإن كان الدليل على مقتضى الآخرأقوىمندليلمقتضاه،هذافيما إذا أحرز الغالب منهما، وإلا كان بين الخطابينتعارض،فيقدمالأقوىمنهمادلالةأو سندا، وبطريق الآن يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضيا".
تقدم في المقدمة التاسعة الفرق بين التعارض والتزاحم؛ حيث قال بأنه في مسألة اجتماع الأمر والنهي يكون المقتضي لكلا الحكمين موجودا حتى لو قلنا بالامتناع، فنتعامل معهما معاملة المتزاحمين في المقتضي، غايته أن المؤثرية لخصوص المقتضي الأقوى؛ فلو كان مقتضي الحرمة أقوى فيؤثر في الحكم؛ أي تصير الحرمة فعلية، مع بقاء مقتضي الوجوب ولكن بلا مؤثرية.
وعليه، بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي، لو كان المكلف مضطرا للغصب، أو ناسيا له، أو جاهلا به غير مقصر، صحت الصلاة رغم عدم الأمر بها؛ لأن المقتضي لوجوب الصلاة ما يزال موجودا.
وهذا بخلاف التقييد والتخصيص؛ حيث يخرج مورد التقييد والتخصيص حكما وملاكا عن الدليل المطلق والعام؛ فلو قال الشارع: (أكرم العالم)، ثم قال: (لا تكرم العالم الفاسق)، فيخرج العالم الفاسق عن وجوب الإكرام حكمًا؛ إذ لا يجب إكرامه، وملاكا؛ إذ لا مقتضي للإكرام فيه.
إذًا خلاصة ما ذكره صاحب الكفاية هو أن التزاحم في حال إحراز المقتضيين، بينما التعارض في حال عدم إحرازهما. وفيه:
أولا: ذكرنا بما لا مزيد عليه أن الأحكام الشرعية على مبنى العدلية تابعة للمصالح والمفاسد؛ وهي المقتضيات كما اصطلح عليها المشهور.
وعليه، إنما يقع التعارض في صورة ما لو كان موضوع الحكمين واحدا، وكان بين مقتضيهما تنافر؛ حيث يحصل حينئذ كسر وانكسار في عالم الثبوت فيجعل الشارع الحكم على طبق الأقوى ملاكا؛ كما في مسألة حرمة شرب الخمر؛ فإنه مشتمل على مصلحة مفسدة، ولكن المفسدة أقوى، فجاء الحكم على طبقها، وهو الحرمة. وعلى فرض تساوي المقتضيين، فتأتي النوبة إلى الأصول العملية حينئذ.
هذا بالنسبة إلى عالم الثبوت، أما التعارض في عالم الإثبات، ففيما لو ورد دليلان على موضوع واحد، وكان كل منهما يكذب الآخر ولو بدلالته الالتزامية؛ كما لو ورد دليل على طهارة الكتابي، وورد دليل آخر على نجاسته؛ حيث يدل الأول التزاما على نجاسة الكتابي، وهذا يكذب مدلول الدليل الثاني، وهنا يقع التعارض الكاشف عن التكاذب في مقام الثبوت؛ إذ يستحيل صدور الدليلين المتعارضين عن الشارع، ولذلك لا يمكن أن يكون لدينا مقتضيان مؤثران في مقام التعارض.
ثانيا: ذكرنا أيضا أن التزاحم على مرتبتين: الأولى في مقام التشريع؛ حيث يلحظ المولى الملاك الأقوى ليجعل الحكم على طبقه، ومن هنا كانت هذه المرتبة راجعة إلى المولى وحده، ولا دخالة لنا بها. والثانية في مقام الفعلية؛ حيث لا يكون التزاحم ناشئا عن قصور في الملاك، بل عن قصور من جهة المكلف عن امتثال كلا الحكمين المتزاحمين معا، ومن هنا يختص هذا التزاحم بالبعض دون البعض الآخر، وهو البعض القاصر عن الامتثال؛ كالتزاحم بين وجوب إنقاذ الغريق والصلاة؛ فإن ملاك الحكمين موجود وتام، ولكن المكلف غير قادر على امتثالهما معا.
وبناء على ما تقدم قلنا: بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي، وبالتالي تعدد المجمع، تدخل المسألة في باب التزاحم؛ لأنه يكون لدينا موضوعان متغايران، وملاك تام لكل منهما. وبناء على الامتناع، وبالتالي وحدة المجمع، تدخل المسألة في باب التعارض؛ لأنه يكون لدينا موضوع واحد، فلا يمكن أن ينضوي على ملاك الوجوب والحرمة معا، فيقع التكاذب بين الحكمين. ولكن صاحب الكفاية ألحق المسألة بباب التزاحم حتى على القول بالامتناع، وقد حاول البعض توجيه كلامه بأن ليس مراده نفي التعارض، وإنما مراده إلحاق المسألة في باب التزاحم بسبب إحراز المقتضي لكل منهما.
ومهما يكن من شيء، فقد قدّمنا الضابطة لدخول المسألة في باب التعارض أو التزاحم، ولكننا نسأل: بناء على الامتناع، وبالتالي دخول المسألة في باب التعارض، فهل من مرجح لأحد الجانبين على الآخر؟
ذكرت مرجحات لتقديم جانب النهي، نذكر منها:
المرجح الأول: إنما يقدم النهي على الأمر؛ لأن في النهي إطلاقا شموليا، بينما في الأمر إطلاق بدلي، والشمولي مقدم. وتوضيحه: ذكرنا فيما سبق أن النهي عن طبيعة ما يعني أن المفسدة قائمة في كل أفرادها، ولذلك ينحل إلى نواه متعددة بعدد الأفراد ليكون النهي شاملا لها جميعا؛ فلو قال الشارع: (لا تسرق) يعني أنه في طبيعة السرقة مفسدة ومبغوضية سارية في كل أفرادها، ولذلك ينحل هذا النهي إلى نواه بعدد أفرادها. أما الأمر بطبيعة ما فهو يعني أن صرف وجودها مطلوب؛ فلو قال الشارع: (صلِّ)، فمعناه أنه يريد أول وجود لها؛ أي فردا واحدا منها على نحو البدلية، لا كل أفرادها الطولية والعرضية، فإن المكلف غير قادر على إتيانها أصلا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo