< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ الأوامر \ مقدمة الواجب \ المبحث الأول \ المسألة فقهية أم أصولية
 قد مر في الأمر الأول من مقدمات علم الأصول تعريف الميرزا النائيني لعلم الأصول؛ حيث عرّفه بأنه: ( العلم بالكبريات التي إذا انضمت إلى صغرياتها لأنتجت حكما فرعيا كليا ).
 وقد أشكلنا عليه في محله بأن هذه الضابطة للعلم منخرمة بخروج العديد من المسائل الأصولية التي وإن شكَّلت بنفسها كبريات أصولية، إلا أن انضمامها وحدها إلى الصغريات لا ينتج شيئا، وإنما تحتاج إلى انضمام كبرى أخرى لانتاج الأحكام؛ كما في مباحث الأوامر والنواهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمفاهيم، لوجدناها بنفسها غير منتجة لولا ضميمة (حجية الظواهر)؛ إذ لا فائدة من وراء ظهور الأمر في الوجوب، وظهور النهي في الحرمة، إذا لم تُضم إليها كبرى حجية الظواهر.
 أما ما اعتذر به السيد الخوئي: عن أستاذه بأن مسألة حجية الظواهر متسالم عليها، وهذا ما يخرجها عن مسائل علم الأصول، فقد أجبنا عنه بأنه:
 أولا: ليس الملاك في أصولية المسألة وقوع الخلاف فيها.
 ثانيا: لو سلمنا بخروج حجية الظواهر عن المسائل الأصولية، إلا أنه لا بد من كبرى أخرى وهي (حجية خبر الثقة)؛ إذ لولاها لما استفدنا من ظهور خبر زرارة في الوجوب، وإن تم التسالم على حجية الظواهر، بل لا بد من إثبات حجية خبره حتى تكون ضميمتها إلى حجية الظواهر وحجية ظهور الأمر في الوجوب منتجة. ومن المعلوم أن حجية خبر الثقة من المسائل الأصولية، فالإشكال باق.
 وقد ذكرنا في محله، أنه لا يكفي وقوع المسألة في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي لتكون أصولية، وإلا لدخلت العديد من المسائل اللغوية والنحوية والرجالية وغيرها، وإنما يشترط في المسألة الأصولية أن تكون سيالة في أبواب الفقه، لا في باب خاص؛ كمسألة معنى كلمة (الصعيد) المختصة بباب التيمم.
 نعم بعض المسائل النحوية؛ كمعنى حروف العطف، وكثير من مسائل علم الرجال؛ كالسند الرباعي والخماسي في الكافي وغيره، سيالةٌ في أغلب الأبواب الفقهية، وبالتالي لا مانع من دخولها في المسائل الأصولية؛ إلا أنه لما كان كل من علم النحو والرجال علمين مستقلَّين، فالأولى إلحاقها بهما.
 وهكذا يصبح تعريفنا للمسألة الأصولية بأنها: ( كل مسألة داخلة في طريق الاستنباط، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل، وكانت عنصرا مشتركا سيالا في أغلب الأبواب الفقهية، وإن كانت تحتاج إلى كبرى أصولية أخرى )، وهذا ما ينطبق تمام على مسألة مقدمة الواجب، فلا داعي لجعلها مسألة فقهية أو كلامية أو غير ذلك، ومن ثم نسبتها إلى الأصول استطرادا.
 المسألة عقلية أم لفظية؟
 قال صاحب الكفاية: ( ثم الظاهر أيضا أن المسألة عقلية، والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه، لا لفظية كما ربما يظهر من صاحب المعالم؛ حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث، مضافا إلى أنه ذكرها في مباحث الألفاظ؛ ضرورة أنه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ثبوتا محل الإشكال، فلا مجال لتحرير النـزاع في الإثبات والدلالة عليها بأحدى الدلالات الثلاث، كما لا يخفى )
 بعد أن عرفنا أن المسألة أصولية، ذهب صاحب الكفاية إلى أنها عقلية أيضا؛ لأن الكلام عن إدراك العقل للملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته بقطع النظر عن اللفظ؛ أي سواء استفدنا وجوب ذي المقدمة من اللفظ أم من الإجماع أم من السيرة، وهذا ما يجعلها مسألة عقلية بامتياز، خلافا لما يظهر من كلام صاحب المعالم ؛ حيث نفى وجوب الملازمة بالدلالات اللفظية الثلاث من جهة، وذكر المسألة في مباحث الألفاظ من جهة أخرى.
 وفيه:
 أما الجهة الأولى، فبالنسبة للدلالة المطابقية والتضمنية، بناء على ثبوت الأخيرة كما ذهب إليه المشهور ولم نوافقه، فصحيح أن الاستدلال بهما على نفي وجوب المقدمة يجعلها مسألة لفظية.
 وأما بالنسبة للدلالة الالتزامية، فإن كان مراده نفي الملازمة العقلية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فتكون المسألة عقلية، إلا أنه بقرينة الدلالتين المطابقية والتضمنية
  يرجّح أن يكون مراده الملازمة اللفظية، وهو أنه يلزم من تصور معنى تصور معنى آخر؛ كلزوم تصور البصر بتصور العمى، وعليه تكون المسألة لفظية، وقد بينا خلافه.
 وأما بالنسبة للجهة الثانية، فإن ذكر المسألة في مباحث الألفاظ لا يدل على كونها مسألة لفظية؛ لما عهدناه في سيرة الأعلام من ذكر كثير من المسائل العقلية في المباحث اللفظية؛ كمسألة الضد، وأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، ومسألة اجتماع الأمر والنهي. والأمر سهل.
 معنى الملازمة العقلية:
 إن الأحكام العقلية على قسمين: فتارة يدرك العقل شيئا بمعزل عن أي حكم شرعي، وهذا ما يسمى بالحكم العقلي المستقل؛ كالحسن القبح العقليين؛ من قبيل حسن العدل وقبح الظلم.
 وأخرى يدرك العقل شيئا مسبوقا بحكم شرعي لولاه لما أدركه العقل؛ كإدراكه الملازمة بين وجوب الحج ووجوب قطع المسافة؛ إذ لولا سبق العلم بوجوب الحج، لما أدرك العقل وجوب مقدمته والملازمة بينهما. وهذا ما يسمى بالحكم العقلي غير المستقل. وعليه، فمسألتنا من قسم الأحكام العقلية غير المستقلة؛ لاحتياجها إلى حكم شرعي، وهو حكم ذي المقدمة.
 معنى الوجوب:
 حينما نبحث عن وجوب المقدمة، فما المراد من الوجوب؟
 أما الوجوب بمعنى اللابدية العقلية، فهو غير مقصود حتما؛ لوضوح أن العقل إذا رأى المولى قد أوجب شيئا ملتفتا إلى أنه لا يتحقق إلا بمقدمة، حكم بلابديته، فهذا معنى المقدمية. ومن هنا ذهب بعض الأعلام إلى نكران الوجوب الشرعي للمقدمة؛ معتذرا بالاستغناء عنه باللابدية العقلية.
 وأما الوجوب المجازي؛ بمعنى أن الشارع أسند الوجوب حقيقة إلى ذي المقدمة، وأسنده إلى المقدمة مجازا؛ كما تسند الحركة إلى راكب السفينة، فهو غير مقصود أيضا؛ إذ لا خلاف في أن المقدمة تتصف بهذا الوجوب.
 وأما الوجوب النفسي؛ بمعنى أن المقدمة واجبة بنفسها بأمر استقلالي، فهو غير مقصود أيضا؛ إذ لم يقل أحد به.
 وإنما المقصود هو الوجوب الشرعي الغيري التبعي؛ فالمتنازع عليه هو إيجاب الشارع المقدمة وجوبا مترشحا عن وجوب ذيها؛ أي السؤال: هل يمكن للشارع أن لا يوجب المقدمة إذا أوجب ذيها؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo