< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي\
 إذا عرفت ذلك، فنقول:
 أولا: ذكر صاحب الكفاية أنه في مقام الثبوت إذا كان مؤدى الأمارة مخالفا للواقع، فهناك صور أربع: فتارة يكون وافيا بتمام مصلحة الواقع، وأخرى لا يكون وافيا به ولا يمكن تدارك الفائت، وثالثا لا يكون وافيا إلا أنه يمكن التدارك على نحو الاستحباب، ورابعا لا يكون وافيا إلا أنه يمكن التدراك على نحو الوجوب.
 وقد أضفنا صورة خامسة من قبل في مبحث الأمر الاضطراري، وهي تفريع على الصورة الثانية، فإن كان مؤدى الأمارة غير واف بتمام مصلحة الواقع ولا يمكن تدارك الباقي، فمرة يحرم تفويته، وأخرى لا، فتلك خمسة كاملة.
 ثانيا: ذهب صاحب الكفاية إلى أن الإطلاق المقامي لدليل حجية الأمارة بناء على السببية يقتضي الإجزاء، فقد دل على أن الإتيان بمؤدى الأمارة مجزيا مطلقا؛ أي سواء كان وافيا بتمام المصلحة أم لا، أمكن تدارك الفائت أم لا.
 الإنصاف:
 أما الأمارة بناء على السببية بالمعنى المنسوب إلى الأشاعرة، فلا إشكال في إجزائه بلا حاجة إلى التمسك بالإطلاق؛ إذ الفرض أن مؤدى الأمارة هو نفسه الحكم الواقعي، فما من حكم ظاهري أصلا لنسأل عن إجزائه عن الأمر الواقعي.
 ولكن هذا المعنى للسببية باطل بالضرورة؛ لأن دعوى خلو اللوح من الأحكام الواقعية مناف للقرآن الكريم الذي ذكرت فيه العديد من الأحكام؛ كأحكام الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها. ثم إنه بناء على هذه الدعوى تكون الأحكام مختصة بمن قامت لديه الأمارة، وهذا خلف فرض كون الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل.
 وأما الأمارة بناء على السببية بالمعنى المعتزلي، فلا إشكال أيضا في كونها مجزية؛ لأن مؤداها ينشئ حكما واقعيا جديدا بدل السابق الذي رفعته؛ حيث أصبح الواقع على طبق مؤداها. ولا يضر تبدل الواقع مرة بعد مرة بفعل اجتهادات الفقيه؛ لأن ذلك لا يكون من باب انكشاف الخلاف، بل من باب تبدل الموضوع.
 ولكن هذا المعنى للسببية باطل أيضا؛ للزومه التصويب المتسالم على بطلانه لدينا، وإلا لولا التسالم لانتفى البأس ثبوتا عن كون الحكم الواقعي مقيدا بعدم قيام الأمارة على خلافه. نعم، يبقى الإشكال في مقام الإثبات؛ إذ من جهة لا دليل على أن الحكم الواقعي مقيد بعدم قيام الأمارة على الخلاف، فضلا عن تسالم الأعلام على عدم ذلك، ومن جهة وأخرى يلزم من السببية بهذا المعنى اختصاص الأحكام بالعالم، وهذا خلف فرض اشتراكها بين العالم والجاهل؛ حيث ادعى الشيخ الأنصاري قيام التواتر على ذلك، والحق أنه إن كان يقصد الإطلاق فصحيح، وإن قصد تواتر الأخبار، فهو غير ثابت.
 وأما الأمارة بناء على السببية بالمعنى الثالث التي ذهب إليها بعض الإمامية باعتبار أن الشارع جعل الأمارة حجة، وهو يعلم أنها قد تخطئ الواقع، فلا بد أن يعوض المكلفين عن إخطائه ليتداركوا ما فاتهم، فجعل التعويض في نفس سلوك مؤدى الأمارة.
 الجواب:
 أولا: لا ملجئ إلى هذه المصلحة السلوكية لتدعى لا بديتها، فهناك مصلحة أهم منها ولأجلها أمضى الشارع حجية الأمارة لتكون طريقا إلى أحكامه، وهي مصلحة التسهيل على المكلفين؛ إذ لم يمض الشارع الأمارة، وحصر الحجية بالعلم، للزم الحرج والمشقة بل تعذر تحصيل أغلب الأحكام الشرعية إلا للقريبين من المعصومين.
 ثانيا: إن القول بالمصلحة السلوكية يؤدي إلى التصويب الباطل؛ وتوضيحه: لو قامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة مثلا، ثم انكشف في الوقت أن الواقع خلافها، وأن الواجب هو صلاة الظهر، لكان عمل المكلف على طبق الأمارة معوضا له عما فاته من المصلحة الخاصة، وهي صلاة الظهر وقت الفضيلة إلا أنه يبقى وجوب الإعادة، وإن انكشف الخلاف خارج الوقت، لكان عمله على طبقها معوضا له عما فاته من المصحة الخاصة، وهي الصلاة في وقتها إلا أنه يبقى وجوب القضاء.
 وعليه، تكون المصحلة قائمة بأمرين: صلاة الظهر في وقتها، وصلاة الجمعة مع عدم اكتشاف الخلاف إلى تحقق الغروب، فيكون الواجب تخييريا بينهما، والفرض أنه في الواقع تعييني على أحدهما، مما يعني انقلاب الحكم الواقعي الذي كان وجوب صلاة الظهر تعيينا إلى حكم واقعي تخييري أحد فرديه الحكم الواقعي الأول، والثاني مؤدى الأمارة، فيلزم التصويب.
 ومهما يكن من شيء، فإنه بناء على صوابية هذا المعنى الثالث للسببية، فلا بد من القول بالإجزاء؛ لفرض حصول تدارك المصلحة الفائتة من خلال سلوك مؤدى الأمارة، بلا حاجة إلى التمسك بالإطلاق الذي ادعاه صاحب الكفاية، فضلا عن كونه في مقام بيان إمضاء الحجية للأمارة، وليس في مقام بيان أنه إذا انكشف أن الأمارة على خلاف الواقع، وأنها غير وافية بتمام المصلحة، يجب تداركها أو لا. وعليه، فلا وجه لقول الشيخ الأعظم بعدم الإجزاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo