< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ معنى الإجزاء \
 الأمر الثالث: معنى الإجزاء
 قال صاحب الكفاية: ( ثالثها: الظاهر أن الإجزاء - ها هنا - بمعناه لغة، وهو الكفاية، وإن كان يختلف ما يكفي عنه، فإن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي يكفي، فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالأمر الاضطراري أو الظاهري الجعلي، فيسقط به القضاء، لا أنه يكون - ها هنا - اصطلاحا، بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء، فإنه بعيد جدا )
 نقول: إن معنى الإجزاء اصطلاحا هو إسقاط التعبد بالمأمور به ثانيا إعادة أو قضاء؛ فالمأمور به الواقعي يجزئ؛ أي لا يجب التعبد بالإعادة ثانيا، والمأمور به الاضطراري والظاهري يحزئ؛ أي لا يجب التعبد بالقضاء.
 هذا هو معنى الإجزاء اصطلاحا، ولكن المناسب تفسيره في العنوان بمعناه اللغوي، وهو الكفاية؛ فيصبح المعنى: الإتيان بالمأمور به على وجهه الذي يقتضي الكفاية عن الإعادة والقضاء؛ فالمأمور به الواقعي يجزئ؛ أي يكفي فلا يجب الإعادة ثانيا، والمأمور به الاضطراري والظاهري يجزئ؛ أي يكفي فلا يجب القضاء.
 إذًا، المراد من الإجزاء في العنوان هو الكفاية، غاية الأمر أنه يختلف المجزي عنه، فتارة يكون الإعادة، وأخرى يكون القضاء، وثالثا يكون الإعادة والقضاء.
 الأمر الرابع: الفرق بين الإجزاء والمرة والتكرار وتبعية القضاء للأمر بالأداء
 قال صاحب الكفاية: ( رابعها: الفرق بين هذه المسألة، ومسألة المرة والتكرار، لا يكاد يخفى، فإن البحث - ها هنا - في أن الإتيان بما هو المأمور به يجزي عقلا، بخلافه في تلك المسألة، فإنه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها، أو بدلالة أخرى )
 التساؤل الأول الذي طرحه صاحب الكفاية في هذا المبحث، هو الفرق بين مسألة الإجزاء ومسألة المرة والتكرار، فقد يتوهم بوحدة المسألتين؛ باعتبار أن لازم الإجزاء الاكتفاء بالمرة، ولازم عدم الإجزاء وجوب التكرار.
 والحق أنهما من عالمين مختلفين؛ إذ البحث عن الإجزاء بحث عقلي يقع في عالم الثبوت، بينما البحث عن المرة والتكرار بحث لفظي يقع في عالم الإثبات والدلالة، فبعد الفراغ عن أن الأمر يدل على المرة أو التكرار نسأل: هل الإتيان بالمأمور به مرة أو مكررا علة في الإجزاء أم لا؟ وعليه لا ربط بين المسألتين.
 نعم قد تشتركان بحسب النتيجة العملية؛ فإن نتيجة الإجزاء الاكتفاء بالمرة، ونتيجة عدمه التكرار وعدم الاكتفاء بها، إلا أنهما مختلفان ملاكا؛ لأن التكرار يلزم من جهة أن المأمور به لا يتحقق إلا بالتكرار، بينما عدم الإجزاء فهو ليس من جهة عدم حصول المأمور به، بل هو حاصل إلا أنه لا يجزئ عن المأمور به الواقعي.
 
 ثم قال: ( وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للأداء، فإن البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها، بخلاف هذه المسألة، فإنه - كما عرفت - في أن الإتيان بالمأمور به بجزي عقلا عن إتيانه ثانيا أداء أو قضاء، أو لا يجزي، فلا علقة بين المسألة والمسألتين أصلا ).
 بعد الفراغ عن بيان الفرق بين مسألة الإجزاء ومسألة المرة والتكرار، تأتي النوبة إلى التساؤل الثاني الذي طرحه صاحب الكفاية في هذا المبحث، وهو الفرق بين مسألة الإجزاء ومسألة تبعية القضاء للأمر بالأداء، فقد يتوهم بوحدة المسألتين أيضا؛ باعتبار أن لازم عدم الإجزاء وجوب القضاء خارج الوقت بالأمر الأول، ولازم الإجزاء عدم وجوب القضاء إلا إذا دل دليل عليه.
 والحق أنهما من عالمين مختلفين أيضا؛ إذ البحث عن الإجزاء بحث عقلي يقع في عالم الثبوت كما تقدم، بينما البحث عن تبعة القضاء للأمر و بالأداء بحث لفظي يقع في عالم الإثبات والدلالة؛ فإنا نبحث عن كون الأمر بالأداء دالا على وجوب القضاء خارج الوقت أم لا؛ أي نبحث عن أنه هل الأمر دال على تبعية القضاء له أم لا؟
 ثم إن موضوع القضاء أمر وجودي، وهو الفوت، ولازمه عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، بينما موضوع الإجزاء هو الإتيان بالمأمور به، وعليه، لا ربط بين المسألتين، وإن اشتركا من حيث النتيجة.
 المبحث الثاني: إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره
 قال صاحب الكفاية: ( إذا عرفت هذه الأمور، فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين: الأول: إن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي - بل بالأمر الاضطراري أو الظاهري أيضا - يجزي عن التعبد به ثانيا؛ لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الأمر بإتيان المأمور به على وجهه؛ لاقتضائه التعبد به ثانيا )
 بعد الفراغ عن الأمور الرابعة التي تكفلت في شرح العنوان، دخل صاحب الكفاية في صميم المطلب، والكلام فيه يقع في موضعين: الأول: هو إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره، وهذا ما سنبحثه هنا، والثاني، وفيه مقامان: الأول: إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي، والثاني: إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الأمر الواقعي، وهذا ما سنتناوله في المبحث الثالث والرابع.
 أما بالنسبة إلى الموضع الأول، فنقول: لا إشكال في إجزاء الإتيان بالمأمور به عن أمره، فالإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي يجزئ عن الأمر الواقعي، وكذا الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري يجزئ عن الأمر الاضطراري، وكذا الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري يجزئ عن الأمر الظاهري؛ وذلك لبداهة سقوط الأمر بحصول متعلقه، وإلا لو لم يكن حصول المتعلق كافيا في سقوط الأمر به، لما كان شيء كافيا في سقوطه، ومن هنا قيل: إن انطباق المأمور به على المأتي به قهري، والإجزاء عقلي.
 نعم، على ما ذهب إليه صاحب الكفاية، يمكن تبديل الامتثال بالامتثال بحال عدم حصول الغرض الأقصى بالامتثال الأول، بأن يؤتى بالفرد الثاني بعنوان الأمر الأول، ولكن تقدم منا في المبحث السابع من الفصل السابق ما ينفي هذا الكلام ويبين ما فيه من المغالطة.
 المبحث الثالث: إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي
 قال صاحب الكفاية: ( الموضع الثاني: وفيه مقامان: المقام الأول: في أن الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري، هل يجزي عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ثانيا، بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة، وفي خارجه قضاء، أو لا يجزي؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء، وبيان ما هو قضية كل منها من الإجزاء وعدمه، وأخرى في تعيين ما وقع عليه.
 فاعلم أنه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار؛ كالتكليف الاختياري في حال الاختيار، وافيا بتمام المصلحة، وكافيا فيما هو المهم والغرض، ويمكن أن لا يكون وافيا به كذلك، بل يبقى منه شيء أمكن استيفاؤه أو لا يمكن. وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه، أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى أنه إن كان وافيا به يجزي، فلا يبقى مجال أصلا للتدارك، لا قضاء ولا إعادة، وكذا لو لم يكن وافيا، ولكن لا يمكن تداركه، ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة إلا لمصلحة كانت فيه؛ لما فيه من نقض الغرض، وتفويت مقدار من المصلحة، لولا مراعاة ما هو فيه من الأهم، فافهم )
 الكلام في هذا المبحث حول المقام الأول من الموضع الثاني؛ أي حول إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي. والكلام فيه تارة يقع فيما لو ارتفع الاضطرار داخل الوقت؛ كما لو اضطر المكلف للتيمم أو الصلاة بالنجاسة، ثم ارتفع الاضطرار داخل الوقت، وأخرى يقع فيما لو ارتفع الاضطرار خارج الوقت.
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo