< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ الفور والتراخي \
 دلالة الآيات على الفورية:
 قال صاحب الكفاية: ( كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية. وفيه منع؛ ضرورة أن سياق آية { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } وكذا آية { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } إنما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير، من دون استتباع تركهما للغضب والشر؛ ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر، كان البعث بالتحذير عنهما أنسب، كما لا يخفى. مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات، وكثير من الواجبات بل أكثرها، فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب، ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق، وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه إرشادا إلى ذلك؛ كالآيات والروايات الواردة في الحث على أصل الإطاعة، فيكون الأمر فيها لما يترتب على المادة بنفسها، ولو لم يكن هناك أمر بها، كما هو الشأن في الأوامر الإرشادية، فافهم ).
 بعد أن أثبتنا أنه لا دلالة للأمر سواء بهيئته أم بمادته على أي من الفور والتراخي، ذكر صاحب الكفاية دعوى البعض دلالة غير واحد من الآيات على الفورية؛ كقوله تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } وكذا قوله {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }.
 ووجه الاستدلال:
 أولا: إن المراد من (المغفرة) هي أسبابها؛ لبداهة أن المغفرة بيد المولى، فهي خارجة عن اختيار المكلف، وبالتالي لا يمكن تعلق التكليف بها، وإنما يتعلق التكليف بالأسباب الموجبة لها، وهي العبادات وعلى رأسها الواجبات.
 ثانيا: إن معنى الإسراع والاستباق ليس سوى المبادرة إلى متعلقهما، وهذه المبادرة على نحو الوجوب لظهور صيغة الأمر فيه. وعليه، يكون معنى الآيتين: بادروا فورا إلى الواجبات.
 هذا أقصى ما يمكن أن يقال في الاستدلال على الفورية بهاتين الآيتين،
 وقد أجيب عليه بعدة أجوبة:
 الجواب الأول: إن كانت الآيتان دالتين على الوجوب لكان الأنسب في الدلالة عليه التحذير من مغبة الترك حتى يرتدع المكلف ويبادر إلى الامتثال فورا.
 هذا الجواب لصاحب الكفاية، ولم يقبله الكثير من طلابه؛ إذ كثيرة هي الواجبات التي لم يحذر المولى من مغبة تركها، كما أنه كثيرة هي المحرمات التي لم يحذر المولى من مغبة اجتراحها. ثم إنه لا ملازمة بين وجوب شيء والتحذير من تركه للحث عليه، إذ قد يمتثل المكلف بداعي الطمع بالثواب لا بداعي الخوف من العقاب.
 الجواب الثاني: إن كانت الآيتان دالتين على وجوب المبادرة فورا إلى أسباب المغفرة وإلى الخيرات، للزم تخصيص الأكثر المستهجن؛ لأن أغلب الواجبات لا تجب المبادرة إليها سوى ما ندر من قبيل رد التحية ووفاء الدين، وكذا المستحبات جميعا لا تجب المبادرة إليها.
 الجواب الثالث: إن كلا من مادة المسارعة والاستباق تتضمن معنى وسيعا، وهو أن فعل أسباب المغفرة وفعل الخيرات وسيع؛ بحيث لو لم يبادر المكلف إليهما لبقيا.
 الجواب الرابع: إن معنى الاستباق إلى الخيرات قد فسر بأنه حث للمكلفين على التنافس في إدراك الخير والوصول إليه أولا.
 الجواب الخامس: كما أن العقل أدرك حسن الطاعة، أدرك حسن المسابقة والمسارعة إليها أيضا، وبالتالي يكون الأمر في هاتين الآيتين المباركتين إرشاديا لما حكم به العقل، والأمر الإرشادي لا يستتبع حكما تكليفيا؛ إذ هو إرشاد لما في المأمور به من مصلحة. وعليه، لا أمر مولوي ليقال أنه دال على الوجوب.
 ثمرة دلالة الصيغة على الفور:
 قال صاحب الكفاية: ( تتمة: بناء على القول بالفور، فهل قضية الأمر الإتيان فورا ففورا؛ بحيث لو عصى لوجب عليه الإتيان به فورا أيضا، في الزمان الثاني، أو لا؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول، هو وحدة المطلوب أو تعدده، ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية، لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده، فتدبر جيدا )
 حاصل تتمة هذا المبحث أنه بناء على دلالة الأمر على الفورية، إذا لم يبادر المكلف إلى الفعل في أول أزمنة الإمكان، فعلى القول بوحدة المطلوب يلزم سقوط الأمر، وأما على القول بتعدده، فهل يلزم وجوب المبادرة إلى المأمور به في الزمن الثاني، أم يلزم صيرورة الوجوب موسعا؟
 الإنصاف: إنه مع ترك المبادرة إلى الفعل في أول أزمنة الإمكان لا يسقط الأمر؛ لأنه من جهة لا دليل على أن المطلوب مقيد بالفورية، وعليه لا يسقط بفواتها. ومن جهة أخرى لا دلالة للأمر على وحدة المطلوب، فيكون في ترك الفورية تفويت لمرتبة من مراتب الأمر، وهي أول مرتبة ممكنة، فلا تسقط المراتب الأخرى. وما يهون الخطب أن الأمر لا يدل على الفورية بنفسه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo