< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ التعبدي والتوصلي\ الأصلي العملي
 الجهة الثانية من المقام الثاني: الأصل العملي بالنسبة للتعبدي والتوصلي بالمعنى الثاني
 قال صاحب الكفاية:( فاعلم: أنه لا مجال - ها هنا - إلا لأصالة الاشتغال، ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين؛ وذلك لأن الشك ها هنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها، فلا يكون العقاب - مع الشك وعدم إحراز الخروج - عقابا بلا بيان، والمؤاخذة عليه بلا برهان ).
 يقول صاحب الكفاية بأنه حتى لو قلنا بالبراءة العقلية في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين - والحال أنه يقول بالاحتياط العقلي ولكننا نقول بجريان الاحتياط العقلي في المقام وعدم جريان البرءة الشرعية؛ لأننا هنا على يقين بتحقق التكليف فعلا، ونشك في سقوطه وبراءة الذمة منه مع الإتيان بالعمل بدون قصد الامتثال، ومع بقاء الشك لا تفرغ الذمة يقينا، فوجب الإتيان بنية قصد الامتثال لتفرغ الذمة يقينا؛ إذ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
 إشكال:
 قوله: "لا مجال - ها هنا - إلا لأصالة الاشتغال، ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين"،
 فيه:
 أولا: إنه لا فرق بين المقامين حتى يمكن إجراء البراءة العقلية هناك، بينما لا محيص عن جريان الاحتياط العقلي هنا، بل هما واحدا، وعليه إما أن نقول بالبراءة في كل منهما، أو بالاحتياط.
 أما كونهما واحدا؛ فلأن التكليف في كل منهما واحد قد انصب على المركب بأجزائه التي لا يمكن التفكيك بينها من حيث ثبوتها وسقوطها، فهي مرتبطة من هاتين الحيثيتين. نعم، يمكن التفكيك من حيث التنجيز؛ فإن المقدار المنجز من الأجزاء هو ما تناهى إلينا وجوبه بطريق معتبر دون ما غيره.
 ثانيا: علل القائلون بالاحتياط العقلي في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، بأنه لا شك في كوننا مكلفين يقينا بالمركب الذي نقطع بوجوب بعض أجزائه ونشك في وجوب بعضها، كما لا شك في أن لهذا التكليف غرضا لا بد من تحصيله؛ إذ سقوط الأمر تابع لسقوط الغرض، والحال أننا لا ندري هل الغرض التام، الذي نقطع بانشغال ذمتنا بوجوب تحصيله، يتحصل بدون الجزء المشكوك أم لا؟ ولما كان الانشغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، وإفراغ الذمة يقينا لا يكون إلا بالإتيان بالجزء المشكوك، وجب الإتيان به.
 وعليه، فالقاعدة هي الاحتياط العقلي سواء في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين أم في مسألة اشتراط قصد امتثال الأمر؛ إذ الملاك واحد في كليهما.
 والإنصاف: أما بالنسبة إلى تعين الاحتياط العقلي، فنقول: إن دائرة الغرض من التكليف ليست أوسع من دائرة أجزائه، فلما كان الواصل هو وجوب البعض دون البعض الآخر؛ أي وجوب الأجزاء التسعة دون العاشر ووجوب التكليف دون قيد قصد امتثال الأمر، كان الواصل من الغرض ما هو قائم في هذه الأجزاء التسعة والتكليف بدون قيد القصد، وبالتالي وجب الإتيان بهذا المقدار دون الجزء العاشر المشكوك وقصد الامتثال؛ لأنهما غير واصلين، وبالتالي ليسا منجزين. وعليه، فالمتعين هو جريان البراءة العقلية في كل من الموردين.
 وإن قيل: ولكن بناء على استحالة أخذ قصد الامتثال في متعلق التكليف فلا تجري فيه البراءة العقلية لمجرد أنه لم يصلنا؛ حيث لا يمكن الأمر به على هذا المبنى
 قلنا: بل الأمر به ممكن ولو بأمر ثان، وقد تقدم ذلك.
 أما بالنسبة: إلى إمكان جريان البراءة الشرعية في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين دون مسألة اشتراط قصد الامتثال؛ فقد أرجع إلى إمكان القول في المسألة الأولى أن الشك في الجزء العاشر شك في أصل التكليف المركب من عشرة أجزاء، وعليه فهو مجرى للبراءة الشرعية، بينما في مسألة اشتراط قصد الامتثال، فلما كان أخذه في المتعلق غير ممكن، لا يمكن نفيه بالبراءة الشرعية؛ لأنها تنفي ما من شأنه الوضع الشرعي، والفرض أن قصد الامتثال غير قابل للوضع الشرعي؛ لأنه من كيفيات الإطاعة المأخوذة من حكم العقل لا من الشارع.
 فيه: إن هذا الكلام صحيح بناء على عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المتعلق مطلقا، أما على مبنانا من إمكان أخذه ولو بأمر ثان، فلا يصح، وإنما يكون الشك في اشتراط قصد الامثتال كالشك في الجزء العاشر؛ أي شك في أصل التكليف، وهو مجرى للبراءة الشرعية.
 وعليه، فالبراءة العقلية تجري في الموردين؛ لأن موضوعها عدم البيان، وهو متحقق في كليهما، وكذلك البراءة الشرعية تجري في الموردين؛ لأن موضوعها عدم العلم، وهو متحقق في كليهما أيضا.
 شبهة:
 قد يقال: كيف أجرى صاحب الكفاية أصالة الاحتياط العقلي في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين مع أصالة البراءة الشرعية، فإن الأولى توجب الإتيان بالأكثر، والثانية تنفي وجوبه؟!
 الجواب: إن الاحتياط العقلي تعليقي؛ أي معلق على عدم ورود ترخيص من الشارع، والبراءة الشرعية ترخيص منه في طول الاحتياط العقلية فترفع موضوعه.
 شبهة:
 قد أجرينا البراءة العقلية والشرعية في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، والحال أن لدينا علما إجماليا بوجوب أصل المركب، ونشك هل متحقق بالتسعة أم العشرة؟ ولا يمكن إجراء البراءة في أي منهما؛ لأن التكليف تعلق بالجامع، وكل من الإطلاق والتقييد خارج عنه وزائد عليه، وعليه يتنجز العلم الإجمالي ولا ينحل!
 الجواب: يشترط في أصالة البراءة أن يكون فيها منة على المكلفين، وهذا حاصل بإجرائها في التقييد؛ لما في التقييد من كلفة زائدة، خلافا للإطلاق؛ إذ جريان البراءة فيه رفع للتوسعة، وهذا خلاف المنة.
 ومن هنا جرت البراءة في التقييد؛ أي التقييد بالجزء العاشر وقصد الامتثال، دون الإطلاق، فينحل العلم الإجمالي.
 والخلاصة: إن مقتضى الأصل اللفظي توصلية الواجبات، وعلى فرض عدمه، فإن مقتضى الأصل العملي البراءة من التعبدية، وبالتالي تعين التوصلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo