< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ معاني الصيغة \
 المبحث الثاني: الاستدلال على أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب
 قال صاحب الكفاية: ( المبحث الثاني: في أن الصيغة حقيقة في الوجوب، أو في الندب، أو فيهما، أو في المشترك بينهما وجوه بل أقوال، لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب، مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال ... كيف؟ وقد كثر استعمال العام في الخاص، حتى قيل: (ما من عام إلا وقد خص)، ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص )
 يتعرض صاحب الكفاية في هذا المبحث إلى أن صيغة الأمر (اِفْعَلْ) هل هي موضوعة حقيقة في الوجوب، أو في الندب، أو في كليهما على نحو الاشتراك اللفظي، أو المعنوي ...؟
 ذهب إلى أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب، واستعمالها في غيره من الندب وغيره مجاز؛ والدليل على ذلك تبادر الوجوب بمجرد إطلاقها معراة عن أية قرينة حالية أو مقالية، والتبادر علامة الحقيقة. ثم أيد هذا الدليل بعدم صحة اعتذار المخالف بااحتماله الندب. وإنما جعله مؤيدا؛ لأنه وإن أفاد الوجوب، إلا أنه لا يفيد كونه حاصلا من الوضع أو الإطلاق أو العقل.
 ثم إن صاحب المعالم ذهب: بعد اعترافه بأن صيغة الأمر دالة على الوجوب وضعًا، إلى أن صيغة الأمر في الكتاب الكريم والسنة الشريفة محمولة على الندب إما حقيقة باعتبار أن المعنى الأول قد هُجِر، أو مجازا لكثرة استعمالها في الندب، فيكون مجازا مشهورا.
 وقد رد عليه صاحب الكفاية بأنه
 أولا: صيغة الأمر كما هي مستعملة في الندب كثيرا، فهي مستعملة في الوجوب كثيرا أيضا.
 ثانيا: إنما ينفع استعمالها في الندب بحيث يوجب النقل إليه أو يفيد المجاز المشهور الذي يصبح راجحا على المعنى الحقيقي، فيما لو كان الاستعمال عاريا عن القرينة، وإلا فإن كثرة استعمال صيغة الأمر في الندب مع القرينة لا يقلم ظهورها في الوجوب.
 الإنصاف:
 إن الاستدلال بالتبادر على أن صيغة الأمر موضوعة حقيقة في الوجوب في غير محله؛ لما تقدم من أن التبادر إنما يكون أمارة على الحقيقة فيما لو كان منشؤه حاق اللفظ، فإن لم ينشأ من حاق اللفظ أو احتملنا نشوءه من قرينة ما، فلا يكون أمارة على الحقيقة؛ إذ لا يمكن جريان استصحاب عدم القرينة كما مر. وهنا نحتمل أن يكون منشأ التبادر هو الإطلاق أو العقل، وعليه فلا ينفع التبادر أمارة على كون الصيغة دالة على الوجوب بخصوص الوضع.
 أما المؤيِّد الذي ذكره، فلا يغني ولا يسمن من جوع بعدما المؤيَّد نفسه غير نافع للاستدلال به.
 كلام الآغا ضياء الدين العراقي:
 ذهب الآغا ضياء الدين العراقي إلى أن صيغة الأمر موضوعة لمعنى جامع، ثم استفيد الوجوب بالإطلاق ومقدمات الحكمة.
 وتوضيحه: لما كانت صيغة الأمر موضوعة لجامع، وهو الطلب، فإن كان الطلب شديدا، فهو وجوب، وإلا فهو استحباب. وبناء على اتحاد الطلب والإرادة، فتكون الإرادة شديدة في الوجوب، وخفيفة في الاستحباب.
 أما اختلاف الإرادة شدة وضعفا فهو راجع إلى ما في الفعل المراد من مصلحة، لأن الإرادة عبارة عن الشوق الأكيد تجاه الفعل المراد. وإنما ينشا هذا الشوق بعد تصور الفعل والتصديق بفائدته؛ أي التصديق بالمصلحة الكامنة فيه، وإلا فمع خلو الفعل من المصلحة لا يتحقق هذا الشوق الأكيد تجاهه، وبالتالي لا يكون مرادا. وعليه، إن كانت المصلحة شديدة كانت إرادته شديدة أيضا، وإن كانت خفيفة كانت إرادته مثله.
 وبناء على ما تقدم، قالوا: الوجوب عبارة عن شدة الإرادة، والاستحباب عبارة عن ضعفها، والشدة ليست شيئا زائدا على أصل الإرادة التي هي من الكيفيات النفسانية البسيطة التي ما به الاشتراك لديها عين ما به الامتياز؛ كما في العرض الخارجي؛ كالسواد، فإن شدة السواد هو عين السواد، بينما ضعف السواد؛ أي نقصه، لما كان عبارة عن أمر عدمي، فهو شيء زائد على الإرادة، فيحتاج في مقام الإثبات إلى قرينة.
 وعليه، إذا أطلقت صيغة الأمر بلا قرينة، والحال أن الشدة لا تحتاج إلى قرينة بينما يحتاج الضعف إليها، تحمل على الإرادة الشديدة، وهو الوجوب.
 الإنصاف:
 أولا: ذكرنا سابقا أن الطلب والإرادة متغايران، فالإرادة مهما بلغت ذروتها، لا ينبعث منها الفعل بلا توسط تصدي النفس، وهو الطلب. والطلب لا يتصف بالشدة والضعف، خلافا للإرادة؛ فطلب الماء لرفع الموت أو لرفع الحرارة واحدٌ لا يختلف شدة وضعفا، وإن كانت إرادة الماء في الأول أشد.
 ثانيا: قلتم الوجوب ينبعث من الإرادة، فهذا يعني أن الوجوب هي الإرادة، وهو باطل؛ لأن الوجوب ينبعث من صيغة الأمر، وهو غير الإرادة حتما.
 ثالثا: أشار السيد الخوئي إلى أنه كما أن الضعف يحتاج إلى قرينة فكذلك الشدة؛ لأن كلا منهما زائد على الإرادة، فإن الإرادة لما كانت ممكنة، فهي محدودة، وعليه فتكون محدودة من حيث الشدة والضعف معا.
 
 وفيه: الأمر البسيط مثل السواد والبياض، لا يمكن أن نميز شدته عن أصله؛ إذ لا حد لخصوص السواد الشديد غير حد السواد نفسه، خلافا لضعف السواد، فإن له حدا مغايرا. وكذلك الإرادة، فلا حد لخصوص شديدها غير حدها، وعليه فلا تحتاج إلى قرينة لتعيينها مع الإطلاق.
 وأما قوله: "كل ممكن محدود"، فمعناه أن العالم متناه، وهذا لا ربط له بما ذكروه من أن ما به الامتياز عين ما به الاشتراك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo