< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بمادة الأمر \ أدلة كون الأمر للوجوب \
 الجهة الثانية: اعتبار العلو في معنى الأمر
 قال صاحب الكفاية: ( الجهة الثانية: الظاهر اعتبار العلو في معنى الأمر، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمرا، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية، كما أن الظاهر عدم اعتبار الاستعلاء، فيكون الطلب من العالي أمرا ولو كان مستخفضا لجناحه )
 حاصل هذه الجهة أنه هل يشترط في معنى الأمر العلو، أو الاستعلاء، أو كلاهما؟ أي حتى يصدق على الطلب أنه أمر، فهل يشترط علو الطالب أو استعلاؤه أو كلاهما؟
 ثم إن القدر المتيقن من العلو، هو ما يقع في سلسلة وجود المأمور؛ كالأب والأم بالنسبة إلى ولدهما، وكذا ما يقع في سلسلة تعليمه أو تربيته؛ كالنبي والإمام.
 أما المستعلي، فهو المعمِل للعلو سواء كان عاليا واقعا أم لا؛ وذلك من خلال تسلطه على المأمور بالغلبة أو بحدة الصوت، وما أشبه ذلك.
 إذا عرفت ذلك، فنقول: أما العلو، فقد ذهب أغلب الأعلام إلى اشتراطه في معنى الأمر؛ للتبادر من جهة؛ فإن المنسبق إلى الذهن من لفظ الأمر كونه من طالب عال، ولصحة السلب من جهة أخرى؛ فإنه يصح سلب الأمر عن طلب المساوي والداني؛ بأن يقال: طلب المساوي والداني ليس أمرا.
 وإن قلت: كيف لا يسمى الطلب من المساوي أو الداني أمرا، بينما يصح توبيخهما على أمرهما العالي؛ بأن يقال لهما: كيف تأمرون العالي؟
 قلنا: إنما التوبيخ لاستعلائه لا لأمره، واستعمال الموبِّخ لفظ (الأمر) استعمال مجازي.
 وأما اشتراط الاستعلاء في معنى الأمر مضافا إلى العلو، فالأكثر على عدم اشتراطه، وهو الإنصاف.
 أما ما ذهب إليه السيد البروجردي من عدم اشتراط العلو ولا الاستعلاء في معنى الأمر، فهو بعيد وخلاف المتبادر.
 الجهة الثالثة: أدلة كون الأمر للوجوب
 قال صاحب الكفاية: ( الجهة الثالثة: لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب؛ لانسباقه عنه عند إطلاقه، ويؤيد قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } [1] ، وقوله ص : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ) [2] ([2])، وقوله ص لبريرة بعد قولها: أتأمرني يا رسول الله؟ -: ( لا، بل إنما أنا شافع ) [3] ([3]) إلى غير ذلك، وصحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره، وتوبيخه على مجرد مخالفته؛ كما في قوله تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [4] ([4]).
 الكلام في هذه الجهة راجع إلى أن الأمر هل هو موضوع حقيقة للوجوب، أم موضوع لمعنى شامل للوجوب والاستحباب؟
 ذهب صاحب الكفاية وجماعة إلى أنه موضوع حقيقة في الوجوب، وقد استدل على ذلك بدليل وأربعة مؤيدات.
 أما الدليل، فهو تبادر الوجوب بمجرد سماع الأمر من العالي، والتبادر أمارة على الحقيقة.
 وأما المؤيدات التي ذكرها، فهي:
 المؤيد الأول: قوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ }، فإن الحذر لا يكون إلا في الواجب، وإلا كان لغوا.
 وفيه:
 أولا: الحذر قد يكون في الواجب وفي المستحب، نعم هو في الواجب أشد لأن في تركه تفويت مصلحة ملزمة.
 ثانيا: لو سلمنا بأن الحذر لا يكون إلا في الواجب، إلا أن استعمال الأمر هنا في الواجب لا يدل على كون الأمر حقيقة في الوجوب؛ لأن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.
 المؤيد الثاني: قوله ص: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك )، فإنها دالة على كون الأمر حقيقة في الوجوب؛ إذ الروايات تواترت في استحباب السواك، فلو كان الأمر في هذا الحديث غير دال على الوجوب، للزم اللغو.
 وفيه:
 أولا: إن هذا الحديث ضعيف بالإرسال.
 ثانيا: ومن جهة أخرى إن استفادة الوجوب جاء عن طريق قرينة، وهي سبق أمر النبي بالسواك على نحو الاستحباب، والكلام في استفادة الوجوب من الأمر بقطع النظر عن أية قرينة.
 ثالثا: لو سلمنا بأن استعمال الأمر هنا دال على الوجوب بلا حاجة إلى القرينة المذكورة، إلا أنه يبقى استعمالا، وهو أعم من الحقيقة والمجاز.
 المؤيد الثالث: قول بريرة للنبي ص: " أتأمرني؟ " فهو دال على الوجوب بقرينة قوله ص: "إنما أنا شافع".
 وفيه:
 أولا: إن هذا الحديث ضعيف.
 ثانيا: إن استفادة الأمر جاءت عن طريق القرينة.
 ثالثا: مع التسليم بأن استعمال الأمر في هذا الحديث دال على الوجوب بنفسه، إلا أنه يبقى استعمالا أعم من الحقيقة والمجاز.
 المؤيد الرابع: قوله تعالى: { مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ }؛ فإن توبيخ العبد على مخالفة الأمر دال على أن الأمر حقيقة في الوجوب؛ لأن التوبيخ إنما يكون على ترك الواجب.
 وفيه: لو سلمنا بأن استعمال الأمر في هذه الآية المباركة دال على الوجوب، فلا يخرج عن كونها استعمالا، وهو أعم من الحقيقة والمجاز.
 فالخلاصة إلى حد الآن أن ما ذكره صاحب الكفاية من مؤيدات، لا يصلح دليلا على كون الأمر حقيقة في الوجوب، ومن هنا عبر عنها بالمؤيدات.
 
 


[1] - سورة النور، الآية 63.
[2] - وسائل الشيعة باب 3 من أبواب الطهارة، ج2، ص14، ح4.
[3] - المعجم الكبير ج11، ص273.
[4] - سورة الأعراف، الآية 12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo