< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث العاشر \ بساطة مفهوم المشتق
 المبحث العاشر: بساطة مفهوم المشتق
 قال صاحب الكفاية: ( إن مفهوم المشتق - على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه -: بسيط منتزع عن الذات - باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها به - غير مركب. وقد أفاد في وجه ذلك: أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا، وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء، انقلبت مادة الإمكان الخاص ضرورة، فإن الشيء الذي له الضحك هو الإنسان، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشريف، على ما لخصه بعض الأعاظم )
 أقول:
 أولا: إن الكلام ببساطة مفهوم المشتق وتركبه، إنما هو بحسب التحليل العقلي، وإلا فلا إشكال في بساطته بحسب اللغة والعرف.
 ثانيا: ذهبت جماعة من الفلاسفة والأصوليين إلى بساطة المشتق، منهم الميزرا النائيني والمحقق الشريف الجرجاني الحنفي، بينما ذهبت جماعة أخرى إلى تركبه، منهم صاحب شرح المطالع، والآغا ضياء الدين العراقي، والسيد الخوئي .
 وإنما نشأ هذا النـزاع نتيجة ما جاء في تعريف صاحب المطالع للنظر، ومن ثم كلام الشارح، إلى تعليق المحقق الشريف؛ فقد جاء في تعريف صاحب المطالع للنظر أنه: "ترتيب أمور حاصلة في الذهن يُتوصَّل بها إلى تحصيل غير الحاصل"؛ حيث قال الشارح: "إنما قال (أمور)؛ لأن الترتيب لا يُتصوِّر في أمر واحد، والمراد منها ما فوق الواحد".
 ثم أكمل الشارح: "... والإشكال الذي استصعبه قوم بأنه لا يشتمل تعريف النظر التعريف بالفصل وحده، أو بالخاصة وحدها، حتى غيروا التعريف إلى (ترتيب أمر أو أمور)، فليس من تلك الصعوبة في شيء؛ وذلك لأن التعريف بالمفردات، إنما يكون بالمشتقات، والمشتق وإن كان في اللفظ مفردا، إلا أن معناه شيء له المشتق منه، فيكون من حيث المعنى مركبا".
 هذا هو كلام كل من صاحب المطالع والشارح، ثم علق المحقق الشريف على كلامهما، بأنه ما المراد من الشيء؟ فهل المراد مفهومه أم مصداقه؟
 فإن كان المراد من الشيء مفهومه، فيلزم دخول العرض العام، وهو (الشيء)، في الفصل ﮐ(الناطق). وتوضيحه: إذا عرفنا الإنسان بالحد الناقص؛ كما لو عرفناه بالفصل مثلا، فقلنا: (الإنسان ناطق)، و(الناطق) - بناء على أن المشتق شيء له المشتق منه - معناه شيء له النطق، فيصبح التعريف (الإنسان شيء له النطق)، إلا أن مفهوم الشيء عرض عام يعرض على كل موجود، وعليه يكون العرض العام داخلا في الفصل، وبالتالي يكون مقوِّما للذات، وهو محال.
 وإن كان المراد من الشيء مصداقه، فيلزم انقلاب القضية الممكنة بالإمكان الخاص إلى قضية ضرورية، وهذا محال؛ لأن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه. وتوضيحه: إذا عرفنا الإنسان بالرسم الناقص؛ كما لو عرفناه بالخاصة مثلا، فقلنا: (الإنسان كاتب)، و(الكاتب) - بناء على أن المشتق شيء له المشتق منه - معناه شيء له (الكتابة)، فيصبح التعريف (الإنسان شيء له الكتابة)، والفرض أن المراد من الشيء مصداقه، وهو الإنسان نفسه، فتصبح القضية (الإنسان إنسان له الكتابة)، وهذا انقلاب للقضية الممكنة بالإمكان الخاص إلى قضية ضرورية؛ لأن في قضية (الإنسان كاتب) الضرورة مسلوبة عن الجانب الموافق والمخالف؛ إذ ثبوت الكتابة للإنسان ليست ضرورية، وسلبها عنه ليست كذلك أيضا، وهذا معنى الإمكان الخاص، بينما قضية (الإنسان إنسان له الكتابة) قضية ضرورية؛ إذ حمل الشيء على نفسه ضروري.
 وعليه، فإن إرادة مصداق المشتق يلزمها انقلاب القضية الممكنة بالإمكان الخاص إلى قضية ضرورية، وهو محال.
 وبناء على ما تقدم، لا يمكن أن يكون مفهوم الشيء ولا مصداقه داخلين في تعريف المشتق، فيتعين القول ببساطة المشتق.
 كلام صاحب الفصول:
 لم يقبل صاحب الفصول بما أشكله المحقق الشريف، مما تأتى عنه القول ببساطة المشتق؛ حيث اختار إرادة مفهوم الشيء لا مصداقه، نافيا إشكال دخول العرض العام في الفصل من خلال التفريق بين معنى الفصل لدى اللغويين والمناطقة؛ فالفصل عند أهل اللغة مركب؛ حيث يقال لديهم: (الناطق شيء له النطق)، أما عند المناطقة، فالناطق عبارة عن المبدأ؛ أي (النطق) دون مدخلية الذات؛ يعني من دون مدخلية الشيئية، وعليه يرتفع الإشكال على معنى الفصل منطقيا.
 كلام صاحب الكفاية
 هكذا حاول صاحب الفصول الفرار من الإشكال، ولكن صاحب الكفاية نفى أن يكون المناطقة حين تعريفهم للفصل قد أخذوا بجزء تعريف أهل اللغة، وإنما أبقوا عليه كما هو؛ أي مع مدخلية الشيئية. وبالتالي ما أورده صاحب الفصول لم يكتب له التوفيق في دفع الإشكال.
 وإنما يرتفع إشكال الشريف، بأن الناطق ليس فصلا حقيقيا؛ ذلك أنه من المتعسر معرفة الذاتيات، بل هو فصل مشهوري. وعليه، ليست الناطقية من ذاتيات الإنسان ليرد إشكال دخول العرض العام في الذاتي؛ وذلك أن المراد من الناطقية إما التكلم، وهو كيف مسموع، أو إدراك الكليات، وهو كيف نفساني، وكلاهما أمران عرضيان، يشكلان خاصتين للإنسان، ولا يضر دخول العرض العام فيهما؛ أي لا يضر دخول العرض العام في تعريف منضوي على الخاصة، فيرتفع الإشكال.
 ومما يؤيد أن (الناطق) ليس فصلا، اجتماع لازمين في رتبة واحدة، وهذا غير ممكن؛ مثلا: (الحيوان حساس متحرك بالإرادة)، فلو كان (حساس) فصلا حقيقيا، و(متحرك بالإرادة) كذلك، للزم أن يكون لحقيقة واحدة لازمان في رتبة واحدة، وهو محال.
 كلام المحقق النائيني
 علَّق الميرزا بأن كلام صاحب الكفاية من أن (الناطق) فصل مشهوري غير حقيقي، إنما يتم إذا أخذنا النطق بمعنى إدراك الكليات؛ لأنه يكون حينئذ كيفا نفسانيا، أما إذا أخذناه بمعنى (صاحب النفس الناطقة)، فهو فصل حقيقي من ذاتيات الإنسان، وعليه يلزم إشكال دخول العرض العام في الذاتي، وهو الفصل الحقيقي.
 نعم، لما كانت ضابطة العرض العام أن يكون خارجا عن الذات، وأن يكون عروضه عليها بواسطة جنسها؛ كما في قولنا: (الإنسان حساس متحرك بالإرادة)؛ إذ الحساس خارج عن ذات الإنسان، وعروضه على الإنسان بواسطة الحيوانية، خلافا للخاصة حيث يكون عروضها على الذات بواسطة الفصل؛ كما في قولنا: (الإنسان كاتب)؛ إذ الكاتب يعرض على الإنسان بواسطة الناطقية، - إذا كانت ضابطة العرض العام كذلك، فلا يكون مفهوم الشيء عرضا عاما، لأن الضابطة الثانية غير متحققة؛ ذلك أن الشيء أعلى الأجناس، وبالتالي لا جنس فوقه ليعرض على ذاتٍ بواسطة هذا الجنس.
 ثم أشكل على نفسه فيما يخص الذات المقدسة؛ فإنه يطلق عليه لفظ (الشيء)، فإن كان الشيء جنسا، فيلزم أن تكون الذات المقدسة كذلك، وهو محال؛ إذ الجنس مركب، والتركيب عليه محال.
 أجاب بأنه صحيح أن الذات المقدسة يطلق عليها (شيء)، ولكن لا يلزم من ذلك جنسيتها؛ لأنه شيء لا كالأشياء.
 وبناء على كون الشيء جنسا لا عرضا عاما، لا يرد إشكال المحقق الشريف من أن دخول مفهوم الشيء في تعريف المشتق يلزمه دخول العرض العام في الفصل.
 نعم، يلزم إشكال آخر، وهو دخول الجنس في الفصل، وهذا غير ممكن، وإلا لانقلب الفصل نوعا، والشيء لا ينقلب عما وقع عليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo