< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث الثامن
 الدليل الثالث: برهان التضاد
 قال صاحب الكفاية: ( كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه؛ ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود، بعد انقضاء تلبسه بالقيام، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى، كما لا يخفى. وقد يقرر هذا وجها على حدة )
 برهان التضاد من أقوى البراهين على صحة الوضع لخصوص المتلبس بالمبدأ فعلا،
 ومفاده: لو كان المشتق موضوعا للأعم، لصدق على زيد أنه قائم حال قعوده وانقضاء مبدأ القيام عنه؛ حيث يطلق عليه حينئذ أنه قائم وقاعد في آن واحد، وهو باطل؛ لأنه اجتماع للضدين. وعليه، فالقول بالأعم يلزمه اجتماع الضدين، واللازم باطل، فالملزوم مثله، فيتعين القول بالأخص.
 وبعبارة أخرى: نحن نعلم أن بين المبادئ تضاد؛ فبين العلم والجهل تضاد، وبين البياض والسواد تضاد، وبين القيام والقعود تضاد، وكما أنه بين المبادئ تضاد، فكذلك بين المشتقات، وعليه لا يمكن اجتماع مشتقين متضادين على ذات واحدة في وقت واحد. نعم يمكن اجتماع مبدأين متخالفين وبالتالي مشتقين متخالفين ولكن غير متضادين، كاجتماع السواد والحلاوة في الدبس.
 وإن قيل: إن معنى المشتق لا يخلو، إما هو بسيط أو مركب، فإن كان بسيطا؛ أي معناه (المبدأ لا بشرط)؛ أي لا بشرط الحمل؛ حيث يكون معنى (القائم) هو القيام لا بشرط، ومعنى (القاعد) هو القعود لا بشرط، هنا يكونان متضادين بلا إشكال، وبالتالي يلزم من القول بالأعم اجتماع الضدين، واللازم باطل، فالملزوم مثله، فيتعين القول بالأخص.
 أما على القول بأن معنى المشتق مركب من الذات المتلبسة بالمبدأ في زمن ما، فهنا لا يلزم التضاد؛ لأن ضد (القائم)؛ أي الذات المتلبسة بالقيام في زمن ما، هو القاعد الدائمي، لا القاعد في الجملة؛ أي في زمن ما. وعليه، لا يلزم من القول بالأعم اجتماع الضدين المحال.
 وفيه: سبق أن قلنا بعدم دخالة الزمن في مدلول المشتق، وبإخراج الزمن عن المدلول، تكون وظيفة هيئة المشتق نسبة المبدأ إلى الذات، ومع عدم التصرف بالمبدأ يكون القيام والقعود متضادين، فيلزم الإشكال المعيِّن للقول بالأخص.
 هذا تمام ما ذكره صاحب الكفاية: من أدلة على القول بالأخص، ونضيف بعض المؤيدات الشرعية على هذا القول، وهي كثيرة،
 منها: لو كان زيد فقيرا، ثم اغتنى، فبناء على القول بالأعم يبقى استحقاقه للصدقات؛ عملا بقوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } [1] والحق خلافه.
 وكذلك لو طلق زيد زوجته، فبناء على القول بالأعم يجوز له النظر إليها بعد خروجها من العدة، ويبقى استحقاقها للنفقة؛ لأنه بناء على الأعم يصدق عليهما أنهما زوجان حقيقة، وهو باطل اتفاقا.
 إشكال صاحب البدائع:
 ثم ذكر صاحب الكفاية إشكالا لصاحب البدائع الرشتي على برهان التضاد؛ حيث قال: ( ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعض الأجلة من المعاصرين، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط، لما عرفت من ارتكازه بينها، كما في مبادئها )
 حاصل الإشكال: في برهان التضاد يتوقف القول بالأخص على التضاد، ويتوقف التضاد على القول بالأخص، فيلزم الدور، وهو محال.
 توضيح الملازمة: حتى يقع التضاد، فلا بد من بقاء المبدأ، وإلا لو أن زيدا تلبس بالقيام، ولم نشترط بقاء المبدأ فيه، ثم عرض عليه القعود، فلا يقع التضاد؛ لأن المبدأ الباقي هو القعود. وعليه، فالقول بالتضاد متوقف على بقاء المبدأ، وبقاء المبدأ متوقف على القول بأن المشتق موضوع لخصوص المتلبس فعلا؛ أي على القول بالأخص، فيكون التضاد متوقفا على القول بالأخص، فإذا كان القول بالأخص متوقفا على التضاد، فيلزم الدور، وهو محال.
 جوابه: ليس التضاد متوقفا على بقاء المبدأ، بل ليس متوقفا على شيء؛ فهو أمر بديهي مرتكز في الوجدان، والوجدانيات لا تتوقف على شيء، بل كل أدلة العلوم ترجع إليها، وإلا لو كانت الوجدانيات متوقفة على شيء، للزم التسلسل، وهو باطل.
 المبحث التاسع: أدلة القول بالأعم
 الدليل الأول: التبادر
 قال صاحب الكفاية: ( حجة القول بعدم الاشتراط وجوه: الأول: التبادر، وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس )
 مما ادعي دليلا على القول بالأعم، أن المتبادر إلى الذهن من سماع مثل (زيد نائم) كونه نائما وإن استيقظ وانقضى عنه مبدأ النوم.
 وفيه: إن الوجدان كاف في دحض هذه الدعوى؛ بل التبادر وجدانا إلى المتلبس بالمبدأ فعلا.
 الدليل الثاني: عدم صحة السلب
 قال صاحب الكفاية: ( الثاني: عدم صحة السلب في مضروب ومقتول، عمن انقضى عنه المبدأ. وفيه: إن عدم صحته في مثلهما، إنما هو لاجل أنه أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا في الحال، ولو مجازا )
 الدليل الثاني على القول بالأعم، هو عدم صحة سلب المشتق عمن انقضى عنه المبدأ؛ ففي قولك: (زيد مضروب عمرو)، يبقى صدق المضروبية على زيد حتى بعد انقضاء المبدأ وتوقف عمرو عن ضربه. وكذا في قولك: (زيد مقتول عمرو)؛ حيث يبقى صدق المقتولية على زيد حتى بعد انتهاء فعل القتل.
 وقد أجاب صاحب الكفاية بأن صدق المشتق عمن انقضى عنه الضرب والقتل، إنما منشؤه تفسير المبدأ بمعنى مجازي طويل وباق، فبتفسير الضرب بالإيلام، صح إطلاق المضروب على زيد بعد توقف عمرو عن ضربه؛ لأنه بعد ذلك يبقى متألما. وبتفسير القتل بإزهاق الروح وحصول الموت، صح إطلاق المقتول على زيد؛ لأنه بعد انقضاء القتل يبقى ميتا.
 هذا ما أجاب به صاحب الكفاية مقحما المبدأ في محل البحث، وقد كان بإمكانه الاتكاء على ما قدمه في المبحث الرابع من أن اختلاف المبادئ لا يوجب اختلافا في الهيئة مدار البحث؛ فإن الكلام في كون الهيئة هل هي موضوعة للأخص أم للأعم؟
 أما جوابنا فهو: إن صحة السلب المقيَّد بالآنية؛ أي بحال انقضاء المبدأ عن الذات؛ كما في قولك: (زيد ليس مضروب عمرو الآن)، و(زيد ليس مقتول عمرو الآن)، كاف في دعوى عدم صحة السلب.
 وأما قولنا بعد الانقضاء: (زيد مضروب عمرو)، و(زيد مقتول عمرو)، فهو بلحاظ حال التلبس والاتصاف بالجري؛ وذلك بالقرينة المتقدمة، وهي صحة السلب حال التقيُّد بالفعلية.
 
 


[1] - سورة التوبة، الآية 60.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo