< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \اختلاف المبادئ لا يوجب اختلاف في الهيئة
 المبحث الرابع: اختلاف المبادئ لا يوجب اختلافا في الهيئة
 قال صاحب الكفاية: ( رابعها: إن اختلاف المشتقات في المبادئ، وكون المبدأ في بعضها حرفة وصناعة، وفي بعضها قوة وملكة، وفي بعضها فعليا، لا يوجب اختلافا في دلالتها بحسب الهيئة أصلا، ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها، كما لا يخفى، غاية الأمر إنه يختلف التلبس به في المضي أو الحال ).
 كان ينبغي ذكر هذا المبحث في بداية هذا الأمر، ولكننا ذكرناه هنا تبعا لترتيب صاحب الكفاية ، وحاصله: ذهب كل من الفاضل التوني وصاحب الفصول والميرزا النائيني إلى خروج كل من اسم الآلة واسم المفعول عن محل البحث؛ لأن إطلاقهما على الذات حقيقة دائما وإن انقضى عنهما المبدأ، فالمفتاح مفتاح حقيقة حتى بعد فتح الباب به، بل قبل ذلك أيضا، وزيد مضروب حقيقة حتى بعد توقف الضارب عن ضربه.
 وجوابه: إن المبادئ مختلفة فيما بينها؛ فهناك المبادئ الفعلية؛ كالأكل والقعود، فإن من طبيعتها أن تنقضي عن الذات بمجرد أن تنتهي منها، فالأكل ينقضي عن الآكل بمجرد أن يتوقف عنه، والقعود ينقضي عن القاعد بمجرد أن ينتقل إلى حال أخرى كالقيام مثلا، وهكذا.
 كما نجد بعض المبادئ حرفة وصناعة؛ كالنجارة والخياطة، فهي أطول من المبادئ الفعلية؛ إذ من طبيعتها أن لا تنقضي عن الذات بمجرد الانتهاء منها، وإنما تنتهي بالإعراض عنها؛ فالنجار نجار حقيقة حتى حال نومه وعدم انشغاله بالنجارة؛ لأن تلبسه بهذا المبدأ تلبس شأني، فلا ينسلخ عنه إلا بعد إعراضه عن ممارسة النجارة.
 وكذا نجد بعض المبادئ قوة وملكة؛ كالاجتهاد، فهي أطول من المبادئ الفعلية والحرفية؛ لأنها لا تنتهي بمجرد الانتهاء منها كالفعلية، ولا بمجرد الإعراض عنها والتوقف عن ممارستها كالحرفية، وإنما تنتهي بطرو النسيان على المجتهد؛ فالمجتهد مجتهد حقيقة حتى بعد فراغه من عملية الاستنباط، بل حتى بعد توقفه عن ممارسة الفقه برمته طالما ما زال ذاكرا لقواعد الاستنباط وقادرا على تطبيقها على صغرياتها، فإذا نسي؛ بحيث لم يعد بعد قادرا على استنباط الأحكام الشرعية، لم يصدق عليه أنه مجتهد.
 وكذا اسم الآلة؛ كالمفتاح؛ فطالما لديه قابلية الفتح فيصدق عليه حقيقة أنه مفتاح، فإذا انكسر سنٌّ منه؛ وفقد بالتالي قابليته على الفتح، هنا ينقضي عنه المبدأ، ولا يعد إطلاق المفتاح عليه حقيقة.
 إذا عرفت ذلك، فنقول:
 أما بالنسبة لاسم الآلة، فإن إخراجها عن محل البحث في غير محله؛ لأن الكلام دائما في خصوص الهيئة؛ فهل هيئة (مِفعال) موضوعة لخصوص المتلبس بالمبدأ أو الأعم، ولا نظر لنا إلى المبادئ التي تختلف فيما بينها طولا وقصرا كما تبين.
 أما اسم المفعول، فقد ادعي أنه خارج أيضا عن محل البحث؛ لأن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه، وبالتالي إن تلبست ذاتٌ بمبدأ الضرب على نحو اسم المفعول، فقيل: (فلان مضروب)، لا يمكن بعد سلب الضرب عنه.
 وفيه: أولا: ينقض على هذا الكلام باسم الفاعل، فإن كان المناط بدوامية التلبس وبالتالي الخروج عن محل البحث، أن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه، فإن مثله يقال في حق اسم الفاعل، فزيد إن صدر منه الضرب، فصار ضاربا، لا يمكن سلب مبدأ الضرب عنه.
 ثانيا: ذكرنا في جوابنا على اسم الآلة أن النزاع في الهيئات لا في المبادئ، فالكلام في هيئة (مفعول) عين الكلام في هيئة (فاعل) و(مِفعال) وغيرها، فهل هي موضوعة لخصوص المتلبس بالمبدأ أم الأعم؟ فمن حيث الهيئة لا فرق بين اسم الفاعل واسم المفعول وغيرهما من جهة دخولهما في حريم النزاع طالما مناط المشتق موجود، وهو بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ.
 المبحث الخامس: المراد بالحال في العنوان
 قال صاحب الكفاية: ( خامسها: إن المراد بالحال في عنوان المسألة، هو حال التلبس لا حال النطق؛ ضرورة أن مثل (كان زيد ضاربا أمس)، أو (سيكون غدا ضاربا) حقيقة إذا كان متلبسا بالضرب في الأمس في المثال الأول، ومتلبسا به في الغد في الثاني، فجري المشتق حيث كان بلحاط حال التلبس، وإن مضى زمانه في أحدهما، ولم يأت بعد في آخر، كان حقيقة بلا خلاف )
 أشار صاحب الكفاية في هذا المبحث إلى أمر لا بد منه، وهو المراد من (الحال) في عنوان أصل المسألة؛ حيث قال في بداية هذا الأمر: "الثالث عشر: إنه اختلفوا في أن المشتق حقيقة في خصوص ما تلبس بالمبدأ في الحال، أو فيما يعمه وما انقضى عنه على أقوال".
 أقول: الحال على ثلاثة معاني:
 - الحال بمعنى حال النطق بالكلام.
 - الحال بمعنى حال تلبس الذات بالمبدأ؛ أي زمن اتصافها به من بداية التلبس إلى حين الانقضاء.
 - الحال بمعنى حال الجري؛ أي حمل وإطلاق المشتق على الذات.
 إذا عرفت ذلك، فهناك صور متعددة لاجتماع هذه الأحوال وافتراقها:
 الصورة الأولى:
 فيما لو اجتمعت الأحوال الثلاثة؛ كما في قولك: (زيد ضارب الآن)؛ حيث اجتمع كل من حال التلبس والجري في آن واحد، وهو حال النطق. في هذه الصورة لا خلاف على كون إطلاق المشتق على الذات حقيقيا.
 الصورة الثانية:
 فيما لو اجتمع حال التلبس والجري دون حال النطق؛ كما في قولك: (كان زيد ضاربا أمس)؛ حيث اجتمع حال التلبس والجري في الماضي دون حال النطق.
 وكما في قولك: (زيد سيكون ضاربا غدا)؛ حيث اجتمع حال التلبس والجري في المستقبل دون حال النطق.
 وفي هذه الصورة لا خلاف على كون إطلاق المشتق على الذات حقيقيا أيضا.
 الصورة الثالثة:
 فيما لو افترق حال التلبس عن حال الجري، فإن كان حال التلبس استقباليا وحال الجري فعليا؛ كما في قولك: (زيد سيكون غدا ضاربا)، ففي هذه الصورة لا خلاف على كون إطلاق المشتق على الذات مجازيا.
 وإن كان حال التلبس ماضويا وحال الجري فعليا؛ كما في قولك: (كان زيد ضاربا بالأمس)، فقد وقع الخلاف، فبناء على كون المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ، فالإطلاق مجازي، وإن كان موضوعا للأعم فالإطلاق حقيقي.
 هذا بالنسبة إلى المراد من الحال في المسألة، وما لها من صور. يبقى أن نشير إلى مسألة تتعلق باسم الفاعل، وحاصلها: لما كان اسم الفاعل يعمل عمل فعل المضارع؛ أي إذا كان للحال أو الاستقبال، كما قال ابن مالك في البيت الثامن والعشرين بعد الأربعمائة من ألفيته:
 "كَفِعْلِهِ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْعَمَلِ ... إِنْ كَانَ عَنْ مُضِِيَّهِ بِمَعْزِلِ"
 فكيف يتم ذلك والفرض أن الزمان ليس جزءا من مدلول اسم الفاعل؟
 جوابه: إن المراد من الحال حال تلبس الذات بالمبدأ، ومن المستقبل تلبسها به في المستقبل، وليس المراد من الحال زمن النطق، ومن الاستقبال ما يليه.
 كما لو سلمنا أن المراد منهما ما يناسب زمن النطق، إلا أنه لا يلزم من ذلك أن يكون الزمان جزءا من مدلول اسم الفاعل، بل دلالته مستفادة من القرائن الخارجية.
 وإن قيل: ولكن بمعزل عن القرينة تنصرف الدلالة إلى الحال
 قلنا: بما تقدم في الفعل من أدلة ومؤيدات على أن الزمان ليس جزءا منه، فالكلام فيه هو الكلام في اسم الفاعل، بل في اسم الفاعل أولى، فتأمل.
 
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo