< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \أسماء الزمان
 إزاحة شبهة:
 ثم قال صاحب الكفاية: ( إزاحة شبهة: قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان، حتى أخذوا الاقتران بها في تعريفه، وهو اشتباه؛ ضرورة عدم دلالة الأمر ولا النهي عليه، بل على إنشاء طلب الفعل أو الترك، غاية الأمر نفس الإنشاء بهما في الحال، كما هو الحال في الإخبار بالماضي أو المستقبل أو بغيرهما، كما لا يخفى )
 لما كان الكلام في الأفعال، وعلى قاعدة (الشيء بالشيء يذكر)، استطرد صاحب الكفاية في هذه المسألة عن مبحث المشتق، ليتطرق إلى ما هو معروف بين النحاة من أن الزمان جزء من الفعل وأحد مدلوليه، على حد تعبير ابن مالك؛ حيث قال في البيت السادس والثمانين بعد المائتين:
 "المَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ……مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ"
 إذًا، ما هو معروف بين النحاة أن الفعل موضوع لمعنى مركب من الحدث والزمان، وعليه فإن الزمان داخل قيدا في ماهية الفعل.
 هذا ما عليه مشهور النحاة، والحق خلافه:
 أولا: إن وضع الأفعال وضعا نوعيا؛ أي إن المادة فيها موضوعة لمعنى، والهيئة موضوعة لمعنى آخر؛ مثلا: الفعل (أَكَلَ) ينضوي على وضعين: وضع لمادة (الأكل)؛ أي للماهية المهملة المعراة عن جميع الخصوصيات، ومنها خصوصية الزمان والمكان، ووضع لهيئة (فَعَلَ) الموضوعة لنسبة الحدث إلى ذات ما تلبست بالمبدأ وقد انقضى عنها. كما إن الهيئة معنى حرفي، والزمان معنى اسمي، فلا يمكن أن تدل الهيئة على الزمان. وعليه، ليس للزمان دخالة لا في مادة الفعل ولا في هيئته.
 ثانيا: إن صحة إسناد الفعل إلى الزمان؛ كما في قولك: (مضى الزمان)، دال على أن الزمان ليس جزءا من الفعل، وإلا لزم أن يكون للزمان زمان، أو أن الزمان واقع في الزمان. وعليه، لا يمكن هذا الإسناد - بناء على أن الزمان جزء من الفعل - إلا بتجريد الفعل من الزمان، فيكون الإسناد حينها مجازيا، والحال أن العرف يراه إسنادا حقيقيا بلا إشكال.
 وكذلك بالنسبة لإسناد الفعل إلى الذات المقدسة؛ كما في قولك: (أراد الله)، فإن هذا الإسناد دال على نفي جزئية الزمان للفعل أيضا؛ ذلك أنه لما كانت أفعال الحق  غير محدودة بزمان ومكان، كانت دعوى جزئية الزمان للفعل تحديدا لأفعاله وهو باطل، إلا أن يكون الإسناد مجازيا، وهذا ما هو مخالف لما يراه العرف، فإنه يرى إسناد (مضى) إلى (زيد) في (مضى زيد)، لا يختلف عن إسناد (أراد) إلى (الله) في (أراد الله).
 ثالثا: ومما يدل على أن الزمان ليس جزءا من الفعل، الاشتراك المعنوي في الفعل المضارع؛ فإنه يدل على الحال والاستقبال، والمراد منهما مصداقهما لا مفهومهما، وعليه إن كانا جزءا من الفعل، فما الجامع بينهما والحال أنهما متباينان؟
 وإن قيل: إنه موضوع لأحد الزمانين حقيقة، واستعماله في الآخر مجازا، قلنا: هذا مخالف للاستعمال العرفي من جهة، ولما عليه النحاة من جهة أخرى.
 وإن قيل: إن المضارع موضوع للحال والاستقبال على نحو الاشتراك اللفظي لا المعنوي؛ حيث يكون لدينا وضعان: وضع للحال ووضع للاستقبال،
 قلنا: إن الكلام في الوضع الواحد.
 رابعا: في قولنا: (يجيء زيد بعد عام وقد ضرب قبله بأيام)، لو كان الزمان جزءا من الفعل، وبالتالي كان الفعل (ضرب) ماضيا حقيقيا؛ أي يدل على الماضي - والحال أن دلالته استقبالية، وإنما هو ماض إضافي؛ أي بالإضافة إلى المجيء الحاصل بعد عام- للزم تجريده من الزمان، ليكون الاستعمال حينئذ مجازي، وهذا مخالف لما يراه العرف.
 وكذا في قولنا: (جاء زيد في شهر رمضان وهو يضرب)، فلو كان الزمان جزءا من الفعل، وبالتالي كان الفعل (يضرب) مضارعا حقيقيا؛ أي يدل على الحال والاستقبال، - والحال أن دلالته ماضوية ، وإنما هو مضارع إضافي؛ أي بالإضافة إلى مجيء زيد في شهر رمضان- للزم تجريده من الزمان أيضا، ليكون الاستعمال حينئذ مجازي، وهذا مخالف لما يراه العرف.
 وبناء على ما تقدم، فالخلاصة إلى هنا أن الفعل لا يدل على الزمان بالدلالة التضمنية، فليس الزمان جزءا منه. نعم لما كان الفعل من الزمانيات التي لا تنفك عن الزمان، فإن دلالته على الزمان دلالة التزامية؛ حيث دلت هيئة (فَعَلَ) مثلا على الحدوث والانقضاء، ودلت هيئة (يَفْعَلُ) على الحدوث والاستمرار.
 وأما كيف ذهب النحاة إلى خلاف ما خلصنا إليه؟ فلاحتمال أن لا يكون مرادهم الجزئية الحقيقية، ثم إنه حتى لو كان مرادهم كذلك، فإن إجماعهم ليس حجة علينا.
 كما لا يرد أن المتبادر من الأفعال الدلالة على الزمان، والتبادر علامة الحقيقة؛ لأنه لم يثبت أن هذا التبادر من حاق اللفظ، بل إن منشأه الدلالة الالتزامية التي أثبتناها، والله العالم.
 ثم إن البعض ذكر أنه إن لم يمكن للزمان أن يكون داخلا قيدا في الأفعال، فيكون داخلا تقيدا.
 وفيه: إن هذا الكلام لا دليل عليه من جهة، ثم إن كان دخول الزمان تقيدا في الأفعال من باب أنها لا تقوم إلا به، فلمَ لا يدخل المكان كذلك، والحال أن الأفعال لا تتحقق بدونهما.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo