< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الحادي عشر \ الاشتراك اللفظي \إمكان الاشتراك
 الأمر الحادي عشر: الاشتراك اللفظي
 قال صاحب الكفاية: ( الحادي عشر: الحق وقوع الاشتراك؛ للنقل، والتبادر، وعدم صحة السلب، بالنسبة إلى معنيَين أو أكثر للفظ واحد. وإن أحاله بعض، لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن؛ لمنع الإخلال أولا؛ لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة، ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا؛ لتعلق الغرض بالإجمال أحيانا، كما أن استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال كما توُهم؛ لأجل لزوم التطويل بلا طائل، مع الاتكال على القرائن والإجمال في المقال، لولا الاتكال عليها، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى جل شأنه ... ).
 خصّص صاحب الكفاية الأمر الحادي عشر من مقدمات كتابه بالاشتراك اللفظي، وهو: "وضع لفظ لمعانٍ متعددة بأوضاع متعددة"؛ كوضع لفظ (العين) لمعنى الباصرة، والنابعة، والجاسوسية وغيرها، ويلحقه الوضع العام والموضوع له الخاص، ويقابله الاشتراك المعنوي، وهو: "وضع لفظ لمعنى كلي"؛ كوضع لفظ الإنسان لمعنى الإنسان.
 وقد اختلف الأعلام في إمكانية الاشتراك اللفظي، فمن قائل بإمكانه، وقائل باستحالته، وقائل بوجوبه. وليس المراد من ذلك الإمكان الذاتي؛ إذ لا خلاف في إمكانه ذاتا؛ حيث لا مانع عقلي من وقوعه، ولا الاستحالة الذاتية؛ إذ لا يلزم منه التضاد أو التناقض المحالان، ولا الوجوب الذاتي؛ لأنه مختص بالذات الإلهية المقدسة، وإنما المراد هو الإمكان والاستحالة والوجوب الوقوعي.
 المبحث الأول: أدلة إمكان الاشتراك ووقوعه
 ذهب صاحب الكفاية إلى إمكان الوقوع مستدلا على ما ذهب إليه بثلاثة أدلة:
 الأول: النقل
 فإن أهل اللغة قد نقلوا لنا الكثير من الاشتراكات اللفظية التي استعمِل فيها لفظ واحد في معان متعددة استعمالا حقيقيا؛ كاستعمال (العين) في النابعة والباصرة والجاسوسية، واستعمال (القُرء) في الحيض والطهر، واستعمال (المولى) في السيد والعبد ... والوقوع أكبر شاهد على الإمكان.
 الثاني: التبادر
 فإن المتبادَر من سماع أي لفظ من الألفاظ المتقدمة معان متعددة، نحتاج في تعيين أحدها إلى قرينة، والتبادر أمارة على أن استعمال هذه الألفاظ في معانيها المتعددة استعمال حقيقي؛ فإن التبادر أمارة على الحقيقة.
 الثالث: عدم صحة السلب
 فمما يدل على أن لفظ (القُرء) مثلا موضوع للحيض والطهر معا، أننا لا نستطيع أن نسلب أحدهما عنه، فلا يصح أن يقال: (الحيض ليس قُرءًا)، أو (الطهر ليس قُرءًا).
 المبحث الثاني: أدلة استحالة الاشتراك مطلقا وفي القرآن الكريم
 استدل القائلون بالاستحالة، ومنهم تلميذ صاحب الكفاية المحقق الإيرواني ، بأنه لما كانت الغاية من الوضع التفهيم، وكان الاشتراك عبارة عن أوضاع متعددة لمعان متعددة، لزم وقوع الإجمال حين استعمل اللفظ المشترك؛ إذ لا قرينة على تعيين أحد المعاني، فتنتفي غاية التفهيم من الوضع، فيلغو، وهو محال على الحكيم.
 يجيب صاحب الكفاية بأن المعيِّن لأحد المعاني هي القرينة المقالية أو المقامية، فإن قيل: إن القرائن خفية غالبا مما يوجب الإجمال، قلنا: لا ضير من وقوع الإجمال؛ حيث يكون غرضا للمتكلم، وهذا واقع حتى في القرآن الكريم، وهو ما سنوضحه - إن شاء الله تعالى - في المجمل والمبيَّن.
 يجيب الإيرواني بأن الكلام في اللفظ نفسه لا في القرائن، كما أن القرينة إن كانت مقامية، فلا تنفع في مثل المراسلات، وإن كانت مقالية، وهي لفظ، فتكون جزءا من اللفظ نفسه.
 والإنصاف أن في كلام الإيرواني مغالطة؛ لبداهة أن لفظًا قد يكون قرينة على تعيين لفظ آخر دون أن يكون جزءا منه. ثم إن الاشتراك اللفظي قليل في اللغة، ولكنه على قلته لا تنعدم قرينته.
 ثم إن البعض فصَّل في استحالة الاشتراك: حيث جعله ممكنا في غير كلام الله ومستحيلا فيه؛ للزوم الإجمال إن لم يأتِ بقرينة على تعيين المراد، أو التطويل بلا طائل؛ إذ بإمكان الحكيم أن يبيِّن مراده مباشره بلا توسّط قرينة، فحينئذ يكون اختياره المشترَكات المحوِجة إلى قرينة تطويلا بلا طائل، وهو كما الإجمال محال عليه سبحانه.
 وجوابه:
 أولا: إن كانت القرينة المعيِّنة مقامية، فينتفي التطويل المدعى، وإن كانت مقالية، فنسلّم بحصول التطويل، ولكننا لا نسلم بأنه بلا طائل، بل قد تدل القرينة بالمطابقة على معنى، وبالالتزام على المراد من اللفظ المشترَك، فتنتفي اللغوية حينئذ.
 ثانيا: من قال أن التطويل لا يليق بساحته المقدسة؟ فإن الذي لا يليق به هو الذي لا طائل منه؛ لانتفاء الغرض معه، وهو قبيح، إلا أننا قد نجد في التطويل ما يجعله حسنا ولائقا؛ كما هو الحال مع الحبيب.
 ثالثا: أما الإجمال، فلا نسلم أيضا أنه محال عليه سبحانه؛ لأنه قد يتعلّق الغرض به نفسه، وقد نص القرآن الكريم على وقوع المجملات فيه؛ حيث قال: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... } [1]


[1] - سورة آل عمران، الآية 7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo