< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/02/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر العاشر \ الصحيح والأعم \ اسماء المعاملات
 لا زال الكلام في ألفاظ المعاملات هل يجري فيها النزاع ام لا وقلنا إذا كانت اسماء المعاملات موضوعة للمسبب والذي هو أمر بسيط يدور أمره بين الوجود والعدم فإن النزاع لا يجري
 ثم إنه مضافا إلى كون النزاع غير جار لو كانت أسماء المعاملات موضوعة للمسبَّبات؛ لأنها بسيطة لا تتصف بالصحة والفساد، وإنما تتصف بالوجود وعدمه، فإنه يشكل الأمر من جهة أخرى، وهو أن أدلة إمضاء المعاملات؛ مثل قوله : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( ( [1] )، وقوله: ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )( [2] وقوله: ( تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ )( [3] ونحوها، تكون حينئذ ناظرة إلى المسبَّبات، فلا يمكن التمسك بإطلاقاتها لإمضاء الأسباب حين الشك في كون شيء جزءا لها أو شرطا؛ إذ لا يلزم من إمضاء المسبَّب إمضاءُ السبب.
 وعليه، فثمرة البحث المهمة في المقام تنتفي؛ إذ لو شككنا في حصول الملكية من سبب خاص؛ كالمعاطاة مثلا، أو العقد بالفارسية، أو بالكتابة، فلا دليل على إمضاء تلك المعاملة، ويكون الأصل حينئذ عدم النقل والانتقال.
 وإنما لا يلزم من إمضاء المسبَّب إمضاءُ السبب، لو كان للمسبَّب أسبابٌ متعددة، وبعضها متيقَّن الإرادة، فيكون إمضاء المسبَّب إمضاءً للسبب في الجملة؛ فيؤخذ بالقدر المتيقَّن، ويكون الأصل في غيره الفساد وعدم النقل والانتقال.
 نعم، لو كانت الأسباب متساوية الأقدام، أو كان السبب وحدا، فهنا إمضاء المسبَّب يلازم إمضاء السبب حتما، فلا يختلف الأمر حينئذ بين أن تكون أسماء المعاملات موضوعة للأسباب أو للمسبَّبات؛ حيث يمكن التمسك بإطلاقات الأدلة على كلا القولين.
 جواب النائيني:
 أجاب الميرزا النائيني على الإشكال المتقدم، بأن منشأ هذا الإشكال دعوى أن المعاملات عبارة عن أسباب ومسبَّبات، فهما متغايران في الخارج تغاير الاحتراق والإلقاء في النار، فلا إشكال أن السبب وهو الإلقاء في النار مغاير للمسبَّب وهو الاحتراق، ولا إشكال أيضا أن الإرادة إنما تتعلق بالسبب أولا وبالذات، ولا يمكن أن تتعلق بالمسبَّب كذلك، وإنما تتعلَّق به ثانيا وبالعرض.
 وعليه، إن صح أن المعاملات عبارة عن أسباب ومسبَّبات، وأحدهما مغاير للآخر، فالإشكال واقع، ولكن الحق أنها ليست كذلك، وإنما المعاملات عبارة عن آلة وذي الآلة، وهما شيء واحد في الخارج؛ نظير الكتابة وتحريك القلم باليد على القرطاس، فإنا نجد بالوجدان أن ذا الآلة وهي الكتابة، نفس الآلة وهي التحريك في الخارج. وكذا المعاملات؛ فالعقود آلة، وما يحصل في الخارج من الملكية والزوجية ونحوهما ذو الآلة، وهما شيء واحد خارجا، فيكون إمضاء أحدهما إمضاءً للآخر، وعليه، فلا يبقى محل للإشكال.
 وفيه: إن ما فعله الميرزا ليس سوى تغييرا للأسماء؛ حيث سمى السبب بالآلة، والمسبَّب بذي الآلة، ولا مشاحة في التسميات، وإنما الكلام في التغاير وعدمه، وما يصدِّقه الوجدان أن العقد شيء، وما يترتب عليه شيء آخر، فليست الملكية عين صيغة (بعتُ)، وإنما هي مترتبة عليها، بل على أمور أخرى غيرها من البلوغ والقصد والاختيار وغيرها.
 نعم، يمكن دفع الإشكال بنحو آخر، وذلك بإثبات أن لكل مسبَّب سببا واحدا سبَّبه خارجا، وعليه يكون إمضاء المسبَّب إمضاء لهذا السبب الواحد. ويمكننا إثبات ذلك بلا تجشّم؛ فإذا قال زيد مثلا: (بعت حماري)، ثم قال: (بعت داري)، ثم قال: (بعت عباءتي)، فيتحقق بكل واحد من هذه الصيغ والأسباب مسبَّبٌ بعددها، ولا يمكن أن يكون مسبَّبٌ واحد لكل هذه الأسباب؛ إذ معنى ذلك انفكاك المسبَّب عن سببه، وهو غير معقول.
 وعليه، فكل ذلك بيوع صدرت من أهلها ووقعت في محلها، وقد أمضى الشارع هذه المسبَّبات، فأمضى معها أسبابها الواحدة؛ إذ لا يعقل أن يمضي مسببا بلا إمضاء سببه الواحد.
 أما منشأ الشبهة من أن للمسبَّب أسبابا متعددة، فهو النظر إلى كلّيه الذي له مصاديق. ولكن لا معنى لإمضاء الشارع كلي المسبَّب؛ أي ماهيته المهملة المعراة عن جميع الخصوصيات، وإنما الإمضاء للمسبَّبات الخارجية التي لكل منها سبب واحد، يلزم من إمضاء مسبَّبه إمضاؤه.
 ومن هنا يتضح لك بطلان ما ذهب إليه السيد البروجردي من أن ألفاظ المعاملات موضوعة للماهية المهملة المعرّاة عن جميع الخصوصيات حتى الوجود والعدم، وأن السببية والمسبَّبية من لوازم الوجود لا الماهية، وما جُعل فارقا من السببية والمسبَّبية خارج عن معاني الألفاظ الموضوعة للمعاملات. وبالتالي لا يتأتى الخلاف في أسامي المعاملات مطلقا من غير تفصيل.
 وبالجملة، إن ما ذهب إليه السيد البروجردي من أن أسامي المعاملات موضوعة بإزاء الماهيات المعراة عن حيثية الوجود والعدم، وإن كان صحيحا، إلا أن أدلة الإمضاء؛ كقوله تعالى: ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )، ونحوها من الآيات الشريفة، ناظرة إلى مصاديق الماهية؛ إذ لا معنى لإمضاء ماهية البيع. وعليه، فيعود البحث السابق من أن أدلة الإمضاء هل هي إمضاء للأسباب أم للمسبَّبات. والله العالم.


[1] () سورة المائدة، الآية 1.
[2] () سورة البقرة، الآية 275.
[3] () سورة النساء، الآية 29.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo