< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الرابعة \ علامات الحقيقة \صحة الحمل وعدم صحة السلب
 ما زال الكلام في علامات الحقيقة وقلنا أن هناك ثلاثة علامات ذكرها صاحب الكفاية وقلنا أن علامة التبادر عليها إشكالات ثلاثة ذكرنا اثنين
 الإشكال الثالث:
 إن تبادر المعنى من اللفظ إنما يكون أمارة على الحقيقة إذا كان منشؤه حاق اللفظ، لا من خلال قرينة مقالية أو مقامية. فإذا احتملت أن انسباق المعنى إلى الذهن ناشئٌ من قرينة ما، فلا يصح التمسك بالتبادر أمارةً على الحقيقة.
 أجيب على هذا الإشكال: بأنه لما كنا قبل الكلام على يقين بعدم القرينة، ثم شككنا بها بعد الكلام وحصول التبادر، فيمكن الركون إلى استصحاب عدمها.
 وفيه: هذا الكلام في غير محله؛ لأنه يشترط في جريان الأصول العملية أن يكون لها أثر شرعي، والحال أن المترتب على استصحاب عدم القرينة لازم عقلي؛ لأننا نريد من وراء هذا الاستصحاب إثبات أن انسباق المعنى من اللفظ ناشئ من حاق اللفظ لا غير.
 ومن هنا عُدِل عن الاستصحاب إلى الأصل العقلائي، وهو أصالة عدم القرينة حين الشك بها.
 وفيه: إنا لا ننكر هذا الأصل العقلائي، إلا أن مورده الشك في المراد؛ أي مراد المتكلم، لا الشك في كيفية الإرادة. وتوضيحه:
 لو قيل: (أطعم كل أسد)، فمرة نشك في أن مراد المتكلم كل الأسود، أم خصوص الإفريقية منها؟ أي نشك في المراد، هنا يجري العقلاء أصالة الإطلاق وعدم القرينة ليثبتوا أن المراد عموم الأسود، لا خصوص فصيلة منها.
 وأخرى نعلم أنه يريد من (الأسد) الحيوان المفترس، ولكننا نشك في أن استعمال (الأسد) في الحيوان المفترس استعمال حقيقي أم مجازي؟ أي نشك في كيفية الاستعمال، فإنه لو كان استعمالا حقيقيا لما احتيج إلى قرينة، وإن كان مجازيا لاحتيج إليها. هنا لا أصل عقلائي بعدم القرينة خلافا للإيراواني - فلا بد من إحراز عدم القرينة لإثبات الاستعمال الحقيقي.
 العلامة الرابعة: صحة الحمل وعدم صحة السلب
 قال صاحب الكفاية: ( ثم إن عدم صحة سلب اللفظ - بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن إجمالا كذلك - عن معنى تكون علامة كونه حقيقة فيه، كما أن صحة سلبه عنه علامة كونه مجازا في الجملة ).
 من العلائم المدعاة أنها أمارة على الحقيقة صحة الحمل وعدم صحة السلب؛ ففي قولك: (رأيت أسدا يحمل سيفا)، إن صح حمل الأسد على الرجل الشجاع؛ بأن يصح قولك: (الرجل الشجاع أسد)، ولم يصح سلب حمل الأسد عنه؛ بأن لم يصح قولك: (الرجل الشجاع ليس أسدا)، كان ذلك أمارة على أن استعمال الأسد في الرجل الشجاع استعمال حقيقي. وإن لم يصح الحمل وصح السلب، كان ذلك أمارة على أن الاستعمال مجازي.
 وقبل ذكر الإنصاف في المسألة نتعرض لبيان نوعي الحمل. فنقول: الحمل على صورتين:
 الحمل الذاتي الأولي: وسمي ذاتيا باعتبار أن المحمول من ذاتيات الموضوع، وسمي أوليا باعتبار أنه أول الحمل. ويشترط في هذا الحمل اتحاد الموضوع والمحمول في الحقيقة والوجود، وتغايرهما بالاعتبار. وإنما وجب في الحمل الاتحاد من جهة والتغاير من أخرى؛ لأن الاتحاد من كل الجهات يلزم منه حمل الشيء على نفسه، وهو باطل، بينما التغاير من كل الجهات يلزم منه حمل المباين على المباين، وهو باطل أيضا. ومثاله: (الإنسان حيوان ناطق)؛ فالإنسان والحيوان الناطق متحدان في الحقيقة والوجود، ومتغايران إجمالا وتفصيلا؛ فالإنسان لفظ مجمل، بينما الحيوان الناطق مفصَّل، وهذا تغاير اعتباري.
 الحمل الشايع الصناعي: وسمي شايعا باعتبار شيوعه بين الناس، وسمي صناعيا باعتبار أنه أكثر ما يقع في صناعة العلوم. ويشترط في هذا الحمل اتحاد الموضوع والمحمول في الوجود خارجا، وتغايرهما مفهوما. ومثاله: (زيد كاتب)؛ فزيد والكاتب متحدان في الخارج؛ لأن الكلي موجود في الخارج بوجود أفراده، ومتغايران مفهوما؛ ذلك أن مفهوم (زيد) غير مفهوم (الكاتب).
 إذا عرفت ذلك، فنقول: ذهبت جماعة ومنهم صاحب الكفاية إلى أن الحمل الذي اعتبرت صحته وعدم صحة سلبه أمارة على الحقيقة، هو الحمل الذاتي الأولي؛ لأن في هذا الحمل يستدل على الاتحاد المفهومي الذي يعرف منه الاستعمال الحقيقي.
 والإنصاف: صحة الحمل الذاتي الأولي، وعدم صحة سلبه لا يدلان على الحقيقة مطلقا، وإن دلا أحيانا؛ لأن المشروط فيه الاتحاد في الحقيقة؛ أي في الماهية، لا الاتحاد في المفهوم، بينما المناط في الحقيقة والمجاز الاتحاد المفهومي. فتأمل.
 أما الحمل الشايع الصناعي، فقد نسب السيد الخوئي إلى بعض الأعاظم قولهم بأن الحمل الشايع الصناعي أمارة على الحقيقة؛ باعتبار أنك لو قلت: (زيد أسد)، صح الحمل، مما يدل على أن (الأسد) موضوع لطبيعي المعنى، وزيد من أفراده.
 وفيه: إن الحمل الشايع الصناعي لا دلالة له على الحقيقة؛ لبداهة تقومه بالتغاير المفهومي بين الموضوع والمحمول، فكيف يكون المحمول معنى حقيقيا للموضوع، وهما متغايران مفهوما؟!

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo