< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/01/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الرابعة \ إطلاق اللفظ وإرادة نوعه
 الأمر الرابع: إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه
 قال صاحب الكفاية: ( لا شبهة في صحة إطلاق اللفظ، وإرادة نوعه به؛ كما إذا قيل: ضرب - مثلا - فعل ماضٍ، أو صنفه؛ كما إذا قيل: (زيد) في (ضرب زيد) فاعل، إذا لم يقصد به شخص القول أو مثله ﮐ(ضرب) في المثال فيما إذا قصد.
 وقد أشرنا إلى أن صحة الإطلاق كذلك وحسنه، إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك، لصحة الإطلاق كذلك فيها، والالتزام بوضعها كذلك كما ترى.
 وأما إطلاقه وإرادة شخصه؛ كما إذا قيل: (زيد لفظ) وأريد منه شخص نفسه، ففي صحته بدون تأويل نظر؛ لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول، أو تركُّب القضية من جزءين كما في الفصول )
 توضيحه: قلنا فيما سبق أن الإنسان بحاجة إلى إبراز مقاصده ومراداته الكثيرة للآخرين، وهذا لا يمكن أن يكون دائما عن طريق الإشارة، خصوصا في غير المحسوسات، ومن هنا لجأ إلى عملية الوضع؛ حيث وضع ألفاظا مخصوصة للمعاني، فشكّل الوضع بذلك مقدمة لعملية الاستعمال؛ أي استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له.
 كما قلنا أن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي لا يحتاج إلى مناسبة، وإن وجدنا أحيانا مناسبة بين اللفظ ومعناه الحقيقي؛ كما في تسمية طائر (القطا)؛ حيث قيل أنه سمي بذلك لأنه يصيح "قطا قطا". أما المعنى المجازي، فالمشهور على لا بدية أن تكون ثمة علاقة أو مناسبة بينه وبين المعنى الحقيقي، وقد نفينا ذلك مكتفين باستحسان الطبع له.
 إذًا، الاستعمال ما هو إلا استعمال اللفظ وإرادة معناه سواء الحقيقي أم المجازي.
 أما إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه: فقد ذهب صاحب الكفاية إلى أن صحة الإطلاق المذكور وحسنه، إنما هو بالطبع لا بالوضع، وإلا لزم منه الالتزام بوضع المهملات للنوع أو الصنف؛ لصحة قولنا: (ديز) مقلوب زيد، إذا أريد منه المثل ونحوه، مع أنه من المعلوم عدم الوضع للمهملات. وقد أشرنا سابقا إلى أن دلالة اللفظ على نوعه أو صنفه أو مثله دلالة عقلية لا تحتاج إلى عملية الوضع؛ لأنه في الواقع لا يوجد عندنا في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه ونحو ذلك استعمال، كما سيتضح لك، وقد عرفت أن الوضع مقدمة للاستعمال.
 وأما إشكاله بأن المجاز لو لم يكن بالطبع وكان بالوضع للزم منه الوضع للمهملات؛ لصحة الإطلاق فيها، ففيه: إن هذا الإشكال غير وارد؛ لأن المراد من عدم وضع للمهملات، إنما هو بالنسبة للمعاني، فهي ليست موضوعة، وهذا لا ينافي أن تكون موضوعة بالوضع النوعي؛ أي لنوع اللفظ أو صنفه أو مثله.
 ومهما يكن، فقد استشكل صاحب الكفاية في إطلاق اللفظ وإرادة شخصه؛ كما إذا قيل: (زيد لفظ)، وأريد منه شخص نفسه؛ نظرا لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول، أو تركّب القضية المعقولة من جزءين؛ لأنه إن اعتبر دلالته على نفسه، لزم الاتحاد، وهو واضح. وإن لم يعتبر دلالته على نفسه، لزم تركبها من جزءين. وتوضيحه:
 إذا قلت: (زيد قائم)، فيكون لدي ثلاث قضايا:
 - قضية خارجية: متمثلة بوجود زيد قائم في الخارج.
 - قضية معقولة: متمثلة بتصور أجزاء القضية الثلاثة، وهي: زيد الموضوع، وقائم المحمول، والنسبة بينهما.
 - قضية لفظية: متمثلة بألفاظ القضية التي جرت على لساني.
 أما إذا قلت: (زيد ثلاثي)؛ حيث أطلقت لفظ (زيد) وأردت شخصه، فهنا القضية الخارجية موجودة؛ لأن مادة (زيد) المركبة من ثلاثة حروف قائمة في الخارج، وكذا القضية اللفظية موجودة؛ لنطقي بألفاظ القضية، أما القضية المعقولة، فالمتصور منها هو المحمول دون الموضوع؛ لأن الفرض أنني لم أرد تصور شيء من لفظ (زيد)؛ حيث أردت لفظه فقط. وبالتالي فالمتوفر من أجزاء القضية المعقولة هو المحمول والنسبة على حد تعبير صاحب الكفاية، والحق أن المتوفر منها جزء واحد وهو المحمول؛ لأن النسبة متقومة بمنتسبين؛ أي موضوع ومحمول، وأولهما غير موجود.
 وبناء عليه، لم يصح هذا الإطلاق المدعى؛ أي إطلاق اللفظ وإرادة شخصه، بلا تأويل؛ لأن إطلاقه وإرادة شخصه يلزم منه اتحاد الدال والمدلول، وهو باطل؛ لأن الدلالة تقتضي أن يدل شيء على شيء آخر غيره؛ بحيث يكون الدال علة للمدلول، وذلك يقتضي التعدد والاثنينية، فلا يعقل علية الشيء لنفسه.
 أما إطلاق اللفظ وعدم إرادة شيء، فيلزم منه تركّب القضية المعقولة من جزء واحد، وهو باطل أيضا؛ لأن القضية لا تتقوّم إلا بأجزائها الثلاثة.
 ومن هنا التجأ صاحب الكفاية إلى التأويل. أما بالنسبة لإشكال اتحاد الدال والمدلول، فذكر أن التغاير الاعتباري بينهما كاف، وإن كانا متحدين بالذات. وعليه، ففي المثال المتقدم (زيد ثلاثي)، نقول: إن للفظ (زيد) حيثيتين؛ إحداهما حيثية صدوره من المتكلم، فهو من هذه الحيثية دال، والثانية حيثية خطوره في ذهن السامع، وهو من هذه الحيثية مدلول، وعليه فالتغاير الاعتباري بينهما كاف.
 وقد أيّد البعض هذا التأويل بما ورد في دعاء الصباح لأمير المؤمنين؛ حيث قال: "... يا من دل على ذاته بذاته".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo