< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

33/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الثانية \ الوضع \ أقسام الوضع
 لا زال الكلام في المعنى الحرفي وبعد أن ذكرنا الأقوال الواردة في المقام فنقول: إن المعنى الحرفي وضع للربط الخاص والنسبة المتحققة بين المفهومين، التي هي سنخ وجود متقوِّمة بالطرفين، فكان لفظ (في) في قولك: (الماء في الكوز) مثلا موضوعا للربط الخاص الذي كان بين مفهوم (الماء) ومفهوم (الكوز)، وهكذا لفظ (من) في قولك: (سرت من البصرة)، ولفظ (إلى) و(على) ونحوها من الحروف، فإن الجميع موضوع للروابط الخاصة الذهنية بين المفهومين، لكن لا مفهوم الربط الذي هو معنى اسمي، بل ما هو واقع الربط الذهني ومصداقه بالحمل الشايع، ولولا ذلك لبقيت المعاني الاسمية مجرد مفاهيم بسيطة لا ربط بينها، ولا فائدة من وضعها في مركَّب واحد.
 وعليه فمن الغريب ما ذهب إليه المحقق الإيراواني: وجماعة من أن المعنى الحرفي لم يوضع لمعنى؛ ذلك أنه إذا نظرنا إلى مثل (زيد في الدار)، لما وجدنا في الخارج إلا (زيد) و(الدار)، وأما الروابط والنسب الخارجية، فليس بحذائها شيء، ولا وجود لها إلا بوجود طرفيها؛ كالرابطة التي بين (السير) و(البصرة)، وهكذا باقي الأحرف. ومما يؤكد أن المعنى الحرفي لم يوضع لمعنى، هو أن الملحوظ باللحاظ التبعي الذي يكون غير ملتفت إليه باستقلاله، وحاصلا في الذهن بتبع حصول ما هو ملحوظ بالاستقلال، لا يكون موردا للوضع؛ لأن الوضع نوع من الحكم، ولا يتوجه الحكم من النفس إلى ما لم تتوجه له النفس توجها تاما استقلاليا؛ فإن التوجه التبعي بما أنه في حكم عدم التوجه، لا يصحح الوضع.
 وبالجملة، فإن الحروف لا وضع لها أصلا، وإنما الوضع للهيئات التركيبية الدالة على أنحاء الروابط الخاصة.
 وجوابه: إن الوضع إذا كان للهيئة التركيبية الدالة على أنحاء الروابط الخاصة، فهل التفتت إليه النفس حين الوضع تفصيلا أو ضمنا؟ لا إشكال في عدم التوجه التفصيلي بالنسبة للربط الخاص بين الطرفين الذي هو ربط بالحمل الشايع. وعليه، فإذا كان ذلك بحكم عدم التوجه، فما الذي صحّح الوضع؟ ثم من قال أنه يشترط التوجه التفصيلي في الحكم، بل يكفي التوجه الإجمالي.
 وأما ما ذهب إليه السيد الخوئي: من أن المعنى الحرفي والنسب بين المفاهيم، لا وجود لها في الخارج وإن أصر الفلاسفة على ذلك؛ فإن وجود الرابط سنخ وجود لا ماهية له، فلا هو جوهر ولا عرض، والحال أن الموجودات الخارجية يدور أمرها بينهما.
 فجوابه: إن الموجودات قد قسّمها الأعلام على أنحاء أربعة:
 - وجود في نفسه؛ أي مستقل بالتصوّر، لنفسه؛ أي موجود لا في موضوع، وبنفسه؛ أي لا يحتاج إلى علة توجده، وهو الباري لا سواه.
 - وجود في نفسه، لنفسه، وبغيره، وهي الجواهر.
 - وجود في نفسه، لغيره، وبغيره، وهي الأعراض.
 - وجود في غيره، لغيره، وبغيره، وهو الوجود الحرفي، وهو أضعف الوجودات.
 وبناء عليه، لا ينبغي إنكار المعنى الحرفي. فلو لم يكن المعنى الحرفي موجودا، فمن أين جاء الربط الخاص بين المفاهيم المستقلة؟ بعدما لم تكن هي بنفسها دالة عليه كما عرفت.
 ثم إن عدم كون المعنى الحرفي من سنخ الجواهر والأعراض، لا يلزم منه عدم ثبوته في الواقع، وإلا فالملازمات العقلية ثابتة في الواقع مع أنها ليست من سنخ الجواهر ولا الأعراض؛ ففي قوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ( [1] )، استلزام فساد السماوات والأرض في حال كان فيهما آلة غير الله موجود في نفس الأمر، وإن لم يكن الفساد واقعا في الخارج، وكذا تعدد الآلهة.
 وقد اتضح مما تقدم أن الموضوع له في الحروف خاص، وذلك لعدم إمكان عمومية الموضوع له فيها؛ لعدم جامع ذاتي بين الارتباطات الخاصة التي هي المعاني الحرفية؛ بحيث ينطبق عليها انطباق الكلي الطبيعي على مصاديقه، إلا مفهوم الربط، فهو معنى اسمي خلافا لجماعة من الأعلام منهم الآغا ضياء الدين العراقي ؛ حيث ذهبوا إلى إمكان كون الموضوع له فيها عاما كالوضع؛ بدعوى أن الموضوع له فيها في كل صنف منها من الروابط الابتدائية والروابط الانتهائية عبارة عن الجامع بين أشخاص تلك الروابط الذي به تمتاز الروابط الخاصة من كل صنف عن أشخاص الروابط الخاصة من صنف آخر. فإن مثل هذا الجامع المحفوظ، وإن لم يكن له وجود مستقل في الذهن؛ حيث كان وجوده دائما في ضمن الفرد والخصوصية، ولكنه في مقام الوضع أمكن وضع اللفظ بإزائه لتكون الخصوصيات طرًّا خارجة عن دائرة الموضوع له.
 وفيه: إن الجامع بين أشخاص تلك الروابط الذي هو عبارة عن النسبة الابتدائية مثلا، يصلح أن يكون معنى اسميا للفظ (الابتداء)؛ لما عرفت من أن المعنى الحرفي عبارة عن مصاديق النسبة؛ أي ما كان نسبة وربطا بالحمل الشايع، ولا يمكن تصور جامع ذاتي غير مستقل بالوجود في الذهن بين أفراد النسب غير المتناهية كي يوضع الحرف بإزائه. والخلاصة إلى هنا أن الموضوع له في الحروف خاص، والله العالم.


[1] () سورة الأنبياء، الآية 22.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo