< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

33/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الثانية \ الوضع \ أقسام الوضع
 الجهة الثالثة: أقسام الوضع الواقعة
 قال صاحب الكفاية: ( ثم إنه لا ريب في ثبوت الوضع الخاص والموضوع له الخاص؛ كوضع الأعلام، وكذا الوضع العام والموضوع له العام؛ كوضع أسماء الأجناس، وأما الوضع العام والموضوع له الخاص، فقد تُوُهِّم أنه وضع الحروف، وما أُلحق بها من الأسماء، كما تُوُهِّم أيضا أن المستعمل فيها خاص مع كون الموضوع له كالوضع عاما. والتحقيق - حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق - أن حال المستعمل فيه والموضوع له فيها حالهما في الأسماء ...).
 ذكرنا في الجهة السابقة أن أقسام الوضع الممكنة ثلاثة: الوضع الخاص والموضوع له خاص، والوضع العام والموضوع له عام، والوضع العام والموضوع له خاص، فأي من هذه الأقسام الممكنة واقع؟
 أما القسم الأول: فلا إشكال في وقوعه؛ كما في أسماء الأعلام؛ فإني أتصور معنى زيد مثلا، وأضع لفظا بإزائه.
 وأما القسم الثاني: كأسماء الأجناس؛ فإني أتصور معنى الحيوان الكلي مثلا، وأضع لفظا يدل على هذا المعنى الكلي. وأما القسم الثالث: إنما الكلام فيه والذي مثَّل له بعضهم بالمعنى الحرفي وما أشبهه من اسم الموصول، واسم الإشارة، ونحوهما
 وفيه أقوال أربعة:
 الأول: أن المعنى الحرفي وما أشبهه من الوضع العام والموضوع له الخاص، كما عن السيد الشريف وجماعة من الأعلام.
 الثاني: أنه من الوضع العام والموضوع له العام، كما عن صاحب الحاشية، وصاحب الكفاية.
 الثالث: أنه من الوضع العام، والموضوع له العام، ولكن المستعمل فيه خاص، كما عن الأديب المعروف سعد الدين التفتازاني.
 الرابع: أنه ليس شيئا من ذلك، بل الحرف لم يوضع لمعنى أصلا، كما ذهب إليه الشيخ الرضي، وإنما هو علامة على خصوصية في المدخول، كما دل حرف (من) في (سرت من البصرة) على أن البصرة مبتدأة بها، ودل حرف (في) في (زيد في الدار) على أن الدار ظرف لزيد ...؛ نظير علامات الإعراب، فهي لا تدل على معنى، وإنما هي مجرد علامة على أن مدخولها فاعل، أو مفعول به ...
 هذا القول لم يكتب له التوفيق؛ لأمور ثلاثة:
 - أولا: صحيح أنه من الممكن عقلا أن لا يوضع الحرف لمعنى، ولكن لا دليل على ذلك.
 - ثانيا: إن لم يكن للحرف معنى، فما الدال على الربط الخاص بين طرفي الإسناد في مثل قولنا: (سرت من البصرة إلى الكوفة)؟ فإن السير موضوع للماهية المهملة المعرّاة عن كل خصوصية، وكذلك لفظ البصرة موضوع لمعناها المعروف، فخصوصية الابتداء من البصرة إنما جاءت من معنى الحرف، وإلا فما هو الدال عليها، كما لا يخفى، وبذلك يتضح حال المقيس عليه، وهو علامات الإعراب.
 - ثالثا: المعروف بين الأعلام أن أقسام الكلمة ثلاثة: الاسم، والفعل، والحرف، فإن لم يكن للحرف معنى، لما كان قسيما للاسم والفعل.
 وأما ما ذهب إليه الأديب سعد الدين التفتازاني: من أن المعنى الحرفي من قسم الوضع العام والموضوع له عام، ولكن المستعمل فيه خاص، فلا يمكن القبول به أيضا؛ لعلمنا أن الغايةَ من الوضع الاستعمالُ، من هنا ذهبنا إلى أن الوضع حصل تدريجيا على حسب حاجة الناس لإرادة معان، فاستعملوا لها ألفاظا. وعليه، لا معنى لنضع لفظا لمعنى كلي، ثم لا نستعمله فيه، وإنما نستعمله في معنى خاص، يكون الاستعمال فيه مجازا دائما.
 وأما ما ذهب إليه صاحب الكفاية: من أن المعنى الحرفي من قسم الوضع العام والموضوع له العام، والمستعمل فيه عام، فحاصل ما ذكره من عدم كون الموضوع له فيها خاصا، هو أن الخصوصية المتوهمة في المقام لا تخلو: إما أن تكون خارجية أو ذهنية.
 أما الخارجية، فغير منتجة للخصوصية الحقيقية، وتوضيحه:
 حينما نقول: (سرت من البصرة)، نجد أن النسبة الابتدائية كلية؛ لانطباقها على الابتداء سيرا من الشرق، ومن الغرب، ومن الشمال، ومن الجنوب، ولا يمكن للخصوصية الخارجية التي وقعت من السائر خارجا، أن تكون منتجة لخصوصية حقيقية تجعل من المعنى الحرفي وضعا عاما وموضوعا له خاصا، بل تبقى النسبة كلية. وهكذا إذا قلنا: (الإنسان في الدار)؛ فالخصوصية الظرفية كلية لكلية طرفيها؛ إذ أفراد الإنسان كثيرة، كما أن مصاديق الدار كثيرة أيضا، فالخلاصة أن الخصوصية الخارجية لا تجعل الموضوع له في الحروف خاصا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo