< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/11/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ الأحكام الوضعية / التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل
 ذكرنا سابقا عدة أقسام للاستصحاب وبينا الحكم والمراد.
 ومن جملة الأمور التي ينبغي التنبيه عليها في مسألة الاستصحاب أنه: يوجد عندنا استصحاب يكون المستصحب فيه متيقنا فعلا ومشكوكا مستقبلا وهذه الحالة على غير المتعارف في الاستصحاب، فالاستصحاب المتعارف عليه عادة يكون المستصحب فيه متيقنا سابقا ومشكوك فعلا كما لو تيقن زيد من كونه على طهارة صباحا ثم شك في بقائها إلى الظهر مثلا؟ لكن هذا المورد من الاستصحاب موجود ومشمول بالأخبار التي دلت على الاستصحاب مطلقا.
 مثل قوله عليه السلام: لا تنقض اليقين بالشك. فإنها تشمل ما إذا كان المتيقن سابقا والمشكوك فعليا، وما إذا كان المتيقن فعليا والمشكوك استقباليا.
 مثلا: عندي يقين فعلي بعدالة زيد ثم أشك في بقائها إلى الغد فقالوا: هنا أيضا نستصحب عدالة زيد إلى الغد إذا " لا تنقض اليقين بالشك " تشمل هذا المورد أيضا لكن لا بد من أن يكون لهذا الاستصحاب أثر وإلا فلا يمكن إجراء الاستصحاب الاستقبالي.
 وفي بعض الأحيان يكون للاستصحاب الاستقبال أثر وإليك مثال فقهي موجود على الساحة الإسلامية، حاصله:
 عندما زالت الشمس لم يكن زيد قادرا على الإتيان بالصلاة المتسوفية لكامل شروطها وأجزائها لعذر من مرض أو نجاسة أو ....، فهنا إن علم باستمرار العذر إلى آخر الوقت جاز له باتفاق الأعلام البدار إلى الصلاة، وإن علم بزوال العذر قبل ذهاب الوقت لم يجز له البدار وعليه الانتظار إلى أن يرتفع العذر أما إذا شك في ارتفاع العذر: هنا يقول الفقهاء أنه لا يجوز له البدار لأنه لا يعلم في هذه الحالة أنه مأمور بالبدل.
 لكننا نقول أنه يجوز له البدار باستصحاب بقاء العذر لكن إذا بدر إلى الصلاة ثم ارتفع العذر وجبت عليه إعادة الصلاة لأنه ينكشف حينها أنه لم يكن مأمورا في الواقع بالبدل.
 وبعضهم يقول أن مرجع هذا الأمر هو إجزاء الأمر الظاهري وعدمه، فإن قلنا بالإجراء كما يقول السيد الخوئي - أجزأته الصلاة التي أتى بها ولا يعيد، وإن قلنا بعدم الإجزاء فعليه الإعادة. وبما أن الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري لا يجزي عندنا عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي فنقول أنه يجب عليه إعادة الصلاة. لا كما يقول السيد الخوئي ( وعلي أكبري )، كما إن بعضهم ادعى الإجماع على أنه لا يعيد.
 فالمسألة خلافية وعلى مبنانا المسألة واضحة فهو لم يكن مأمورا بالبدل وإنما تخيل ذلك، فالواجب علي ليس الصلاة أول الوقت وإنما الواجب علي الجامع بين المبدأ والمنتهى، والجامع موجود فكيف انتقل إلى البدل حينئذ؟.
 الشاهد: قالوا هنا لدينا استصحاب استقبالي يقين فعلي ومشكوك استصحابي -.
 أيضا هذا يجري في الحيض عند المرأة فإذا رأت المرأة الدم وكان بصفات الحيض في غير أيام حيضها أولم يكن لديها عادة وقتية أصلا بحيث لا يمكن الاستدلال بصحيحة ابن مسلم " إذا رأت الدم في أيام عادتها... تبطل الصلاة فهي تستصحب استمراره إلى ثلاثة أيام تتحيض من بداية رؤية الدم - حتى ولو لم تكن ذات عادة وقتية فهنا تجري " لا تنقض اليقين بالشك ".
 يبقى مسألة ناسب ذكرها هنا وإن كان محلها في الفقه.
 قالوا: إذا كان المكلف معذورا في أول الوقت وشك في بقاء العذر إلى آخر الوقت، فحكمه يختلف تبعا لكون العذر هو عدم وجدان الماء أو كان شيئا آخر.
 ففي خصوص الطهارة المائية يقول الفقهاء أن لدينا بدل هو الطهارة الترابية.
 إذا في هذه الصورة لو كان العذر عدم وجدان الماء فهل يجوز البدار إلى الصلاة بتيمم أم لا يجوز؟
 قد يقال هنا أنه لا يجوز البدار حتى في حال الشك وجريان استصحاب بقاء العذر من ناحية أصولية، وذلك لوجود رواية عندنا يستفاد منها ذلك أي عدم جواز البدار حتى مع احتمال بقاء العذر-.
 إذا في هذه الصورة منعت هذه الرواية من جريان الاستصحاب.
 لكنني وجدت رواية تجيز البدار إلى الصلاة، ففي صحيحة الحلبي غير التي مرت - عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء؟ قال عليه السلام: ( يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة ) [1] .
 طبعا هذه الرواية لا تحمل على صورة القطع بزوال العذر، ولكنها تحمل إما على القطع ببقاء العذر أو احتمال بقائه لأن الرواية مطلقة.
 أما بالنسبة إلى عدم جواز البدار فيوجد عندنا صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( سمعته يقول: إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض ) [2] .
 وهذه الرواية تشمل صورتين: صورة ما لو قطع بارتفاع العذر، وصورة ما لو احتمله.
 إذا يفهم من هذه الرواية أنه لا يجوز له البدار عند الشك في بقاء العذر، لأنه لا يخلو الأمر إما أن يقطع بزوال العذر فلا يجوز البدار، وإما أن يقطع ببقاء العذر فيجوز البدار، فالمراد هنا حال الرجاء واحتمال بقاء العذر، فلا يجوز له البدار في هذه الحالة.
 مقتضى الصناعة العلمية
 صحيحة الحلبي هناك تشمل صورتين: صورة القطع ببقاء العذر وصورة احتماله.
 وفي هذه الرواية تشمل صورة ما لو قطع بارتفاع العذر وصورة احتماله.
 فعند القطع ببقائه يجوز البدار، وعند القطع بارتفاعه لا يجوز، فتبقى صورة الشك في بقاء العذر أو ارتفاعه.
 هناك الاحتمال واليأس فتحمل صحيحة الحلبي على صورة اليأس وأنه لا يجوز البدار إلا في حالة اليأس طبعا بمقتضى الرواية وإلا فيعمل بالاستصحاب -.
 ولذا أفتى جماعة من الفقهاء أفتوا بذلك، وقالوا بجواز البدار في باقي الأعذار، ومنعوه في حالة فقدان الماء.
 صاحب العروة رحمه الله قال: يجوز البدار في التيمم ولا يجوز في باقي الأعذار، مع أن مقتضى القاعدة غير ذلك.
 خلاصة المطلب: إن الاستصحاب وكما يجري فيما إذا كان المتيقن سابقا والمشكوك فعليا، كذلك يجري في ما إذا كان المتيقن فعليا والمشكوك مستقبليا إلا في التيمم لوجود رواية في ذلك -.
 هناك بحث آخر في الاستصحاب

ذكره الميرزا النائيني والشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية وجميع الأصوليين تقريبا وهو عندما يقال أنه لا بد في الاستصحاب من يقين سابق وشك لاحق، فالمراد من اليقين هنا اليقين الفعلي ولو من خلال الأمارة فلا بد من إثباته -، والمراد من الشك الشك الفعلي ولا يقتصر الأمر على اليقين والشك في الاستصحاب، بل إن العناوين في الأحكام الشرعية بشكل عام تؤخذ على نحو الفعلية، مثلا حينما تقول صلي خلف العادل. فالمراد من هو عادل فعلا لا أنه سيصبح عادلا بعد شهر مثلا أي أنه لديه استعداد للعدالة أو تقول قلد المجتهد أو يحرم شرب الخمر أو ...، فجميع العناوين في الأحكام الشرعية تأخذ على نحو الفعلية -.
 إذا الشك المراد هنا الشك الفعلي وليس التقديري والشك التقديري لا أثر له.
 وهنا يتفرع عن هذه المسألة فرعان فرعهما الشيخ الأنصاري رحمه الله وتبعه صاحب الكفاية عليه الرحمة ثم باقي الأعلام.
 فقد فرعوا على اشتراط الشك الفعلي أمران:

 الأول: وهو مسألة تفيد في الفقه وفي الأصول هنا وفي غير الاستصحاب - : لو أحدث زيد قبل الصلاة ثم غفل عن حدثه أصلا فصلى غافلا ثم التفت بعد الصلاة إلى أنه كان محدثا ولم يدري هل جاء بالطهارة بعد ذلك أم لا؟ فإن صلاته صحيحة.
 قالوا: إن الاستصحاب هنا لا يجري لأنه لم يكن لديه شك فعلي حين الصلاة. إذا استصحاب الحدث بالنسبة للصلاة السابقة لا يجري وإنما يجري بالنسبة لما يأتي من الصلاة فإذا صليت الظهر وأردت الآن أن أصلي العصر نعم استصحب العدم وينبغي الإتيان بالطهارة للصلاة.
 أما الصلاة السابقة فصحيحة، تصححها قاعدة الفراغ.
 إن قلت: أنه لماذا يجري الاستصحاب في الأعمال الآتية ولا يجري في الأعمال الماضية؟ وأنه عندما التفت واستصحب الحدث الآن للصلاة الآتية فأنا على يقين بأن صلاتي الماضية لم تكن على طهارة؟
 قالوا: إن هذا الاستصحاب بالنسبة للصلاة الماضية محكوم بقاعدة الفراغ أو مخصص بها.
 أما لو جرى الاستصحاب التقديري فقلنا أنه لا يشترط الشك الفعلي لكانت الصلاة باطلة حينئذ.
 هذا الكلام فيه ما فيه: صحيح أن الاستصحاب لا يجري وأن الصلاة صحيحة لكن عندنا تفصيل هنا:
 نحن جئنا سابقا على ذكر قاعدة الفراغ في مبحث الوضوء، وقلنا أن قاعدة الفراغ لها ثلاث صور أن تكون عالما بالغفلة، وأن تكون عالما بعدم الغفلة وأن تكون شاكا في الغفلة وقلنا أن قاعدة الفراغ تجري في الصورة الثانية والثالثة دون الأولى.
 يقول السيد الخوئي وجماعة من طلابه: أن قاعدة الفراغ لا تجري في صورة العلم بالغفلة لأن قاعدة الفراغ أمارة عقلائية وليست أصل عمليا، فالإنسان حينما يأتي بعمل مؤلف من أجزاء وشرائط يقتضي طبعة الإتيان بها جميعا ولا يتركها عامدا عادة فإذا كانت قاعدة الفراغ لا تجري حال العلم بالغفلة فصلاته باطلة.
 لكننا قلنا سابقا أن قاعدة الفراغ أصل محرز وليست أمارة، صحيح أن فيها حيثية الكشف والاستصحاب أيضا فيه هذه الحيثية لكن الشارع لم يعتبرها من هذه الجهة، نعم لو اعتبرها من هذه الجهة لكانت أمارة لكن لم يثبت اعتباره لها من هذه الجهة ولذلك قلنا أنها أصل محرز، أصل شرعي وعليه فحتى في حال الغفلة فإن قاعدة الفراغ تجري في هذه الحالة أي في حالة القطع بالغفلة - أيضا وكذلك قاعدة التجاوز.
 فبناء عليه إنصافا قاعدة الفراغ تجري هنا حتى مع القطع بالغفلة، وهي ليست أمارة وإنما أصل شرعي ولكن أصل شرعي محرز.
 وحينئذ: إذا جرت قاعدة الفراغ تكون حاكمة على الاستصحاب وتكون صلاته صحيحة.
 هذا تمام الكلام في الفرع الأول أما الفرع الثاني فيأتي إن شاء الله.


[1] - وسائل الشيعة ج 2 ص981
[2] - وسائل الشيعة ج 2 ص 994

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo