< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ الأحكام الوضعية / التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل
 الكلام ليس من بداية الدرس
 فاستصحب عدمه وقال: بما أن الموضوع هو عرفي ولا ينظر إليه بالدقة العقلية فيفترض بنا استصحاب الحرمة فقط دون عدم الجعل.
 لكننا نقول حتى ولو كان الموضوع واحدا بحسب العرف فإن التعارض قائم بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل، ولذلك علينا النظر في الإشكالات المطروحة في المقام.
 الإشكال الأول:
  هو للنراقي نفسه وحاصله: أن المعتبر في الاستصحاب اتصال زمن الشك بزمن اليقين لأن الرواية تقول : " ... لأنك كنت على يقين من ... فشككت..." والفاء للتعقيب والترتيب باتصال، وهنا زمن الشك غير متصل بزمن اليقين، لأنه كان عندنا يقين بعدم الحرمة قبل الإسلام ثم أصبح عندنا يقين بالحرمة، ثم شككنا في الحرمة فإذا أصبح لدينا فاصل بين الشك واليقين وعليه فالاستصحاب لا يجري.
 وقد رد النراقي نفسه على هذا الإشكال بأن الاتصال بين زمن الشك وزمن اليقين متحقق في المقام، لأن اليقين بالحرمة الذي حصل عندنا إنما حصل في مورد عدم انقطاع الدم، وهذا ليس محل كلامنا لأن اليقين هنا باق على حاله وليس أمرا مشكوكا عندنا، أما الشك في حرمة الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل فلم يفصل بينه وبين اليقين بعدم الحرمة المستمر منذ ما قبل الإسلام يقين بالحرمة.
 تقريب آخر للإشكال
 لكن الشيخ النائيني رحمه الله صور الإشكال بنحو آخر حيث يقول: إن المعتبر في الاستصحاب ليس اتصال زمن الشك بزمن اليقين وإنما اتصال زمن المشكوك فيه بزمن المتيقن.
  مثلا: أنت متيقن بالطهارة ثم شككت بالحدث، فالمتيقن هو الطهارة والمشكوك هو بقاؤها، وهذا المشكوك متصل بالمتيقن فتستصحب الطهارة.
 أما لو كنت متيقنا بالطهارة ثم تيقنت الحدث ثم شككت في الطهارة، فهنا لا يصح التمسك بالاستصحاب للحكم بالطهارة لأنه فصل بين زمن المتيقن وزمن المشكوك يقين بالحدث.
 إذا فالمعتبر في الاستصحاب عند الشيخ النائيني هو اتصال زمن المتيقن بزمن المشكوك لا زمن اليقين بزمن الشك، لذا منع رحمه الله من جريان استصحاب عدم الجعل في المقام مع أنه من القائلين بجريان الاستصحاب في الحكم الكلي - لأنه فصل بين زمن المشكوك وزمن المتيقن الأول متيقن ثان وهو الحرمة.
 نقول: نحن نقبل بالكبرى وهي أن المعتبر في الاستصحاب هو اتصال زمن المشكوك بزمن المتيقن، لا اتصال زمن الشك بزمن اليقين لأن الأخيرين قد يجتمعان، كما قد يحصل الشك بعد غفلة تفصل ما بين زمن الشك وزمن اليقين ومع ذلك نجري الاستصحاب في هذه الحالات .
 هذا بالنسبة للكبرى أما في الصغرى فنقول: كان لدينا قبل الإسلام يقين بعدم حرمة الوطء حال استمرار الدم كما كان لدينا يقين بعدم حرمة الوطء حال الانقطاع وقبل الاغتسال، ثم حصل لدينا يقين بحرمة الوطء في الحالة الأولى بينما بقي اليقين في الحالة الثانية على حاله أي اليقين بعدم حرمة الوطء قبل الإسلام بعد الانقطاع وقبل الغسل ولم ينتقض بيقين آخر.
  وعليه فزمن المشكوك أي حرمة الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل وكما هو متصل باليقين الثاني في المقام كذلك هو متصل باليقين الثاني، بالتالي ولما لم يفصل بينه وبين زمن المتيقن الأول شيء صح أن نجري استصحاب عدم الجعل في هذا المورد.
 الإشكال الثاني:
 قالوا: إن استصحاب عدم جعل الحرمة لا يتعارض مع استصحاب المجعول وإنما يتعارض مع استصحاب عدم جعل الحلية، وعند تعارضهما يتساقطان فنرجع إلى استصحاب المجعول.
 وبعبارة أخرى: كما كان لدينا قبل الإسلام عدم جعل للحرمة كان لدينا عدم جعل للحلية والتعارض إنما يكون بين استصحاب الأول والثاني لا بين استصحاب الأول واستصحاب المجعول.
 ويرد على هذا الإشكال
 أولا: إنما جاءت الشريعة الإسلامية بالإلزاميات والتكاليف الواجبات والمحرمات -، أما الإباحات التي لم يتعلق بها إلزام شرعي فبقيت على حالها ولم تحتج إلى جعل خاص، نعم الذي يحتاج إلى جعل هو الإلزاميات لذلك ترى الإسلام جاء بما يقرب من ثلاثة ألاف محرم وواجب بالعنوان الأولي سوى ما هو بالعنوان الثانوي -.وعليه فلا يوجد عندنا جعل في المباحات كما في الإلزاميات حتى نقول أنه قبل الإسلام لم يكن عندنا جعل للحلية كما لم يكن عندنا جعل للحرمة فيعارض استصحاب الأول استصحاب الثاني، فنرجع بعد التساقط إلى استصحاب المجعول.
 ثانيا: حتى لو سلمنا جدلا بوجود جعل في المباحات، فليس هناك من تعارض أصلا بين عدم جعل الحرمة وعدم جعل الحلية وذلك لأن جريان أصل ما لا يعارضه جريان أصل آخر إلا في إحدى صورتين:
 الأولى: أن يلزم من جريان الأصلين معا اجتماع نقيضين أو ضدين أو ما أشبه ذلك، كاستصحاب الإباحة والحرمة معا فإنهما ضدان ولا يمكن لأمر واحد أن يكون مباحا ومحرما شرعا في آن واحد.
 والثانية: أن يلزم من ذلك المخالفة القطعية العملية، فلا يمكن مثلا استصحاب طهارة كلا الإناءين الذين علمت بنجاسة أحدهما، لأن ذلك يؤدي إلى المخالفة العملية القطعية.
 ففي هاتين الصورتين يحصل التعارض بين الأصلين ولا يمكن إجراءهما معا.
 أما إذا لم يلزم شيء مما ذكر فلا محذور من جريان كلا الأصلين كما هو الحال هنا فلا مانع من جريان الأصلين.
 صحيح أن الحرمة والحلية ضدان لكن الضدين يرتفعان فلا يتعارض استصحاب عدم جعل الحرمة مع استصحاب عدم جعل الحرية وإنما يحصل التعارض فيما لو كان لدينا استصحاب لجعل الحرية ولجعل الحرمة لا لعدمهما كما لا يوجد لدينا مخالفة قطعية هنا، نعم لدينا مخالفة التزامية لأننا نعلم أن الشارع جعل أحدهما إما الحرمة وإما الحلية.

 فإذا لا تعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة وعدم جعل الحلية، وكل ما في الأمر أنه يحصل لدينا مخالفة التزامية.
 فإن قلت: إذا صح جريان الاستصحابين كيف نفتي في المسألة
 قلت: نعود إلى أصالة البراءة ونحكم بجواز الوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل.
 ثالثا: افرض أنه تنزلنا وقلنا بالتعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة وعدم جعل الحلية، فلماذا لا نقول أنهم يتعارضان وفي رتبة واحدة مع استصحاب الحرمة فيتساقط الجميع ونرجع إلى أصل البراءة؟ ولماذا ذهبت إلى عدم معارضتهما لاستصحاب المجعول وقلت بجريانه في المقام؟
 هذا ما سنجيب عنه في الدرس الآتي إن شاء الله.
 
 
 
 
 
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo