< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ الأحكام الوضعية / أقسام الحكم الوضعي
 قبل الانتقال إلى التفصيل الأخير في الاستصحاب من حيث الحكم الكلي وغيره بقي عندنا أمر في الأحكام الوضعية لا بد من التعرض له وحاصله:
 قسم بعض العلماء الأحكام إلى الحكم التكليفي والحكم والوضعي وإلى جعل الماهيات وأردت بيان مرادهم من جعل الماهيات وأنها مجعولة شرعا.
 مثلا الشهيد رحمه الله يقول: ( أما الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم ونحوهما لا تطلق على الفاسد منه إلا على الحج لوجوب المضي) [1] .
 فأولا: ماذا يقصد الشهيد من كون الماهيات مجعولة؟
 ثانيا: لماذا لا تطلق على الفاسد إلا على الحج فقد قلنا في مبحث الصحيح والأعم أن الألفاظ في العبادات والمعاملات تطلق على الأعم أما استثنى الحج بالخصوص فلوجود روايات عندنا تفيد أن الإنسان إذا أفسد الحج يجب عليه المضي به كصحيحة زرارة قال: ( سألته عن محرم غشى امرأته وهي محرمة فقال إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شئ ) [2]
 إذا يجب المضي، من هنا قالوا: إن الماهية الفاسدة لا تطلق إلى على الحج فيجب المضي به، نحن قلنا في مبحث الصحيح والأعم أنها تطلق على الحج وغيره.
 ثالثا: ما مراده من جعل الماهية وكيف يجعل المولى الماهية؟ فجعل الحكم للماهية صحيح أما جعل الماهية فكيف يكون ذلك؟ إن كان المراد أنه يجعلها تكوينا فهذا نقبله؟ لكن شرعا كيف يجعلها؟
 نحن لم نتصور جعل الماهية إلا في الوجود الذهني أو في الوجود الخارجي، مثلا نتصور ماهية الأجزاء المركبة منها الصلاة لكن تصورنا هذا هو إيجاد لها في الذهن في مقابل الوجود الخارجي والعيني.
 إذا وجود الماهية إما في الذهن أو في الخارج ووجودها في الخارج لا يقال عنه أن المولى جعل الماهية شرعا وكذلك تصورنا لها في الذهن لا يقال له أن المولى جعل الماهية شرعا، نعم المولى جعل الحكم للماهية، وعليه لا يمكن تصور جعل الماهية شرعا إلا أن يراد أن المولى جعل التكليف لها.
 إذا هذا بالنسبة للأحكام الشرعية، وقد قلنا سابقا أن الأحكام الشرعية وردت على نحو القضايا الحقيقية ومن النادر جدا أن تجد حكما على نحو القضية الخارجية كما لو كلف الرسول مثلا شخصا بعينه بالجهاد مثلا، كما يقال مثلا بأن الرسول صلى الله عليه وآله أمر الشيخين بالخروج في جيش أسامة.
 يبقى الكلام في الاستصحاب وأنه هل يجري في الأحكام الوضعية أو لا يجري (ولأجل الجواب على هذا السؤال ذكرنا ما ذكرنا حول الأحكام الوضعية)؟
 نقول: لا فرق في الواقع بين جريان الاستصحاب في الحكم الكلي بين كون الحكم تكليفيا أو وضعيا.
 مثلا لو أن زيدا باع أو اشترى بالمعاطاة ثم رجع أحد المتبايعين عن البيع فهل ينفسخ البيع وتنتفي الملكية أو لا هنا نستصحب البقاء إذا جرى الاستصحاب في الأحكام الكلية.
 وأما بالنسبة للشبهات الموضوعية والأحكام الجزئية فحتما يجري الاستصحاب فيها. وعلى العموم الاستصحاب يجري في الأحكام الوضعية، سواء هذا الحكم كان مستقلا أو كان منتزع من التكليف كالشرطية والمانعية السببية
 إذا الاستصحاب يجري إلا إذا قلنا أنه لا فائدة من جريانه كما لو شك زيد في بقاء شرطية الاستقبال في الصلاة أو شرطية الطاهرة، فهنا لا مانع من استصحاب الشرطية هنا لوجود شك بعد يقين سابق، لكن قد يقال بأننا نستغني عن هذا الاستصحاب من خلال جريان الاستصحاب في منشأ الانتزاع بحيث تشك مثلا في أنك هل لا زلت مأمورا بالصلاة مع الطهارة بعد أن كنت متيقنا بذلك، فتسصحب الأمر مع الطهارة.
 وإذا كان الأمر كذلك فنحن ليس عندنا فرق بين جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية وجريانه في الأحكام الوضعية وهو سيان فيهما. هذا تمام الكلام في هذه الجهة.
 جريان الاستصحاب في الحكم الكلي وعدمه
 بقي عندنا من تقسيمات الاستصحاب التي نوقش في شمول أدلة الاستصحاب لها من عدمه استصحاب الحكم الكلي، فهل الاستصحاب يجري في الحكم الكلي كما يجري في الموضوعات والأحكام الجزئية.
 أولا: لا إشكال ولا ريب أن أدلة الاستصحاب بذاتها تشمل الاستصحاب في الحكم الكلي ، نعم هناك موانع تمنع من جريان الاستصحاب كما سنذكر لاحقا، والحال هنا كما كان الحال في البراءة، ففي البراءة قلنا أن أدلتها تشمل الشبهة الحكمية قبل الفحص وأن أدلة البراءة بذاتها تشمل هذا المورد أيضا لكن منع من جريان البراءة فيه أدلة أخرى.
 إذا الكلام ليس في أصل شمول الأدلة لهذا المورد ولكن في ما منع من جريان الاستصحاب أدلة أخرى.
 ثانيا: قبل بيان ما إذا كان الاستصحاب يجري في الحكم الكلي أو لا يجري نذكر أننا قلنا في ما سبق أن الحكم تارة يلحظ من حيث الجعل وأخرى من حيث المجعول، إذا شككنا في الحكم من حيث الجعل فلا إشكال ولا ريب في جريان الاستصحاب ولو كان حكما كليا.
 مثلا إذا أتينا إلى كثير من الأحكام في زماننا هذا (كالحدود والقصاص والديات والقضاء و...) نجد أنها معطلة في أغلب البلدان الإسلامية أو في كثير منها كي لا نعمم لكنها لم ترتفع ولا زالت موجودة في الشريعة الإسلامية، فلو شككنا فرضا في بقاء الحكم وهل أن المولى نسخ هذه الأحكام أم لا؟ قالوا يجري الاستصحاب هنا ونستصحب بقاءها وعدم النسخ، فهذا النوع من الشك شك في الجعل بغض النظر عن كون الحكم فعلي أو غير فعلي.
 طبعا هذا على فرض الشك في الجعل وإلا فواقع الحال أنه لا يمكن أن يحصل الشك عندنا أساسا حتى يصل الأمر إلى الاستصحاب، فعندنا صحيحة زرارة التي يقول فيها: ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحلال والحرام فقال: حلال محمد حلال أبد إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيء غيره، لذا قال علي عليه السلام: ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سدة) [3] والسبب في ذلك أن الواقع عندنا ممتلء بالأحكام فإذا حصلت البدعة ذهب في قبالها حكم من الأحكام.
 إذا فالشك في بقاء الحكم في مرحلة الجعل خارج عن محل النزاع، ومحل الكلام والإشكال في استصحاب الحكم الكلي المعارض بعدم الجعل هو الحكم المجعول أي أن النزاع هو في الحكم المجعول أي بعدما أصبح الحكم فعليا وشككنا في بقائه هل نستصحب أو لا؟ طبعا الشك في بقاء الحكم المجعول على قسمين:
 القسم الأول: تارة يكون الشك في السعة والضيق فتكون الشبهة حكمية
 القسم الثاني: وتارة يكون الشك في الموضوع فتكون الشبهة موضوعية.
 أما مثال الأول

حرمة وطء الحائض حيث نشك في أن هذه الحرمة هل تقتصر على حال استمرار الدم أو تشمل حال انقطاع الدم وقبل الغسل؟ وكذلك انفعال الماء القليل بالنجاسة فهل انفعال الماء القليل بالنجاسة يكون حال كون الماء قليلا فقط أو أن الماء المتمم كرا ينفعل بالنجاسة أيضا؟ أيضا لو قال المولى أكرم العلماء فهل وجوب إكرام العالم حكم لمن كان متلبسا بالملكة فقط أم يشمل من انقضى عنه التلبس؟ هذه الأمثلة ونظائرها هي من باب الشك في السعة والضيق.
 أما مثال الثاني

فهو كما لو كان زيد متوضئا ثم شك في أنه أحدث أو لم يحدث؟ فهذه شبهة في الموضوع.
 فهنا نقول إن كان الشك في الشبهة الموضوعية فلا إشكال ولا ريب في جريان الاستصحاب ولم يختلف في ذلك اثنانلكن الكلام هو في ما لو كان الشك في السعة والضيق فهل الاستصحاب يجري أو لا يجري؟ وقبل ذكر الجواب نشير إلى أمر هنا من باب تتميم الفائدة:
 فائدة
 يقول بعضهم أن الزمن إما أن يكون مفردا للموضوع أي يكون الموضوع متعددا وليس واحدا ويكون الحكم انحلاليا أي لكل موضوع حكمه إما أن يكون الزمن غير مفردا وعندنا موضوع واحد وحكم واحد.
 فإذا كان الزمن مفردا للموضوع ويكون عندنا موضوعات متعددة ولكل موضوع حكمه ينقطع النزاع ولا يبقى محل لجريان الاستصحاب، مثال ذلك وطء الحائض حيث قالوا يحرم وطء الحائض من حين رؤية الدم إلى آخره فإن كان الزمان مفردا وكان لكل قطعة من الزمن موضوعها وحكمها لم يبقى معنى للاستصحاب حين انقطاع الدم حتى قبل الغسل لأن الموضوع ينتفي من أساسه.
 أما إذا لم يكن الزمان مفردا ومقسما للموضوع وكان الموضوع واحد وحكمه واحد كالماء القليل المتنجس مثلا، فنحن نعلم أن الماء القليل قبل الإسلام لم يكن محكوما بالنجاسة (وكذلك أحكام الصلاة أو الصوم أو الميت أو...) ثم جاءت الشريعة الإسلامية وحكمت بانفعال الماء القليل بالنجاسة لكن هل هذا الحكم يشمل مورد تتميم الماء كرا أو لا يشمل فقد يقال أننا نستصحب النجاسة، لكن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم جعل النجاسة للماء المتمم كرا، لأن الماء المتمم كرا لم يكن نجسا قبل الإسلام والذي حكم بنجاسته حين الملاقاة هو الماء القليل الغير متمم كرا، إذا استصحاب المجعول الذي هو النجاسة معارض باستصحاب عدم جعل النجاسة وعند التعارض يتساقطان فنرجع إلى قاعدة الطهارة.
 هذا أصل المطلب وهناك إشكالات على استصحاب عدم الجعل أحدها للنراقي سيأتي الكلام فيها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 


[1] - القواعد والفوائد 1 : 158 قاعدة 42 فائدة|2
[2] وسائل الشيعة ج9 ص254
[3] - الكافي ج 1 ص 58

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo