< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

ومقتضى ظاهر هذه الرِّوايات، وإطلاق معاقد الاجماعات المحكيَّة، بل صريح بعض الرِّوايات، كالكثير من الفتاوى: عدم الفرق في وجوب التَّمام بين كون السَّفر بنفسه محرَّماً، كالفرار من الزَّحف، وإباق العبد، وسفر الزَّوجة بدون إذن الزَّوج في غير الواجب، وتارك وقوف عرفة أو الجمعة مع وجوبه عليه، وكما إذا كان السَّفر مُوجِباً للهلكة، لا مجرد الضَّرر على البدن، وبين كونه لغاية محرَّمة، كالسَّفر لقطع الطَّريق، أو لإعانة ظالم، أو لقتل نفس محترمة، أو لأخذ مال النَّاس ظلماً، ونحو ذلك.

وأمَّا ما يدلُّ بظاهره على وجوب التَّمام في كلٍّ من القسمين جملة من الرِّوايات المتقدِّمة:

منها: صحيحة عمَّار بن مروان، فإنَّ قوله (عليه السلام): «أو في معصيةِ الله» ظاهر في إرادة السَّفر المحرَّم مطلقاً، سواء أكانت حرمته لذاته، أم للغاية التي قُصِد به التَّوصُّل إليها.

وأمَّا المناقشة في دلالة هذه الصَّحيحة، باحتمال أن تكون كلمة (في) بمعنى (إلى)، أو (اللام)، أو (السَّببية)، حتَّى يكون المقصود بها ما كان لغاية محرَّمة، فلا يشمل القسم الأوَّل حينئذٍ، ففي غير محلِّها؛ لأنَّ هذا الاحتمال مخالف للظَّاهر، بل قد يستشعر من مقابلتها بسائر الفقرات اللاحقة لها التي هي بظاهرها من أمثلة القسم الثاني، كون هذا القسم أي ما كان السَّفر بنفسه معصيةً مراداً بخصوصه من هذه الفقرة.

إن قلتُ: إنَّ مقدِّمة الحرام ليس بحرام، فكون الغاية محرَّمةً غير موجبة لحرمة نفس السَّفر، كي يصدق عليه أنَّه سفر في معصية الله تعالى.

قلتُ: ذكرنا في علم الأصول أنَّ مقدَّمة الحرام حرام، كما أنَّ مقدِّمة الواجب واجبة، هذا أوَّلاً.

وثانياً: أنَّ القول بعدم كون السَّفر الذي غايته المعصية محرَّماً هو اجتهاد في مقابل هذه النُّصوص، بل هذه النُّصوص تكون شاهدةً على حرمة مقدِّمة الحرام.

وثالثاً: أنَّ الإتمام معلَّق على كون السَّفر للمعصية، سواء كان هو معصية أو لا، كما لا يخفى.

ومن جملة ما يدلُّ بظاهره على وجوب التَّمام في كلٍّ من القسمين: مفهوم التعليل الوارد في موثَّقة عبيد بن زرارة المتقدِّمة بأنَّه «ليس بمسيرِ حقٍّ».

ومنها: رواية ابن بكير المتقدِّمة، حيث ورد فيها: «فإنَّ التصيُّدَ مسيرُ باطلٍ...»، فإنَّ مقتضى العلَّة المنصوصة اطِّراد الحكم، أو وجوب الإتمام في كلِّ سفر محرَّم بذاته أو لغايته، فإنَّ صِدْق هذه العلَّة على ما كان محرَّماً بذاته، أو لغاية محرَّمة، أوضح من صِدْقه على ما كان بقصد الصَّيد الذي يناقش في حرمته، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. ولكنَّك عرفت أنَّ الرِّواية ضعيفة بسهل، وبالطَّريق الثَّاني بالإرسال.

ومنها: مفهوم الحصر الوارد في مرسلة ابن ابي عمير المتقدِّمة: «لا يُفطِر الرَّجلُ في شهرِ رمضانَ إلاَّ في سبيلِ حقٍّ»، فإذا كان في سبيل باطل لا يفطر، سواء كان نفس السَّفر باطلاً أو كان السَّفر للباطل، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

وممَّا يدلُّ على التَّمام في خصوص القسم الأوَّل: قوله (عليه السلام) في موثَّقة سماعة: «إلاَّ أنْ يكونَ رجلاً مُشيِّعاً لِسُلْطانٍ جائرٍ...»؛ لأنَّ التشييع يتحقَّق بنفس السَّفر، فيكون السَّفر بهذا القصد كالسَّفر بقصد الفرار من الزَّحف، بنفسه محرَّماً. واحتمالُ حرمة التشييع بلحاظ ما يترتَّب عليها من ترويج الجَوْر والإعانة عليه، لا من حيث أنَّها حركة بعنوان التشييع، فيكون حينئذٍ من القسم الثاني، فهو مُخالِف للظَّاهر، كما لا يخفى.

وأمَّا ما يدلُّ بظاهره على وجوب التَّمام في خصوص القسم الثاني: فهو سائر الرِّوايات التي وقع فيها التَّصريح بحكم قاطع الطريق، والمحارب، وقاصد السُّلطان، وغير ذلك، ممَّا هو مندرج في هذا القسم، وما ذُكِر من الأمثلة في هذه الرِّوايات إنَّما هو من باب التمثيل لا لخصوصها.

بقي شيء لا بدَّ من التنبيه عليه، وهو: أنَّه في المدارك -بعد أنَّ مثَّل للسَّفر الذي هو بنفسه معصية بالفار من الزَّحف، والهارب من غريمه مع قدرته على وفاء الحقِّ، وتارك الجمعة بعد وجوبها- قال ما لفظه: «قال جدِّي قُدِّسَ سرّه في روض الجنان: «وإدخال هذه الأفراد يقتضي المنع من ترخُّص كلِّ تاركٍ للواجب بسفره، لاشتراكهما في العلَّة الموجبة لعدم التَّرخُّص؛ إذِ الغاية مباحة فإنَّه المفروض، وإنَّما عرض العصيان بسبب ترك الواجب، فلا فرق حينئذٍ بين استلزام سفر التِّجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها، وبين استلزامه ترك غيرها، كتعلُّم العلم الواجب عَيْناً أو كفايةً، بل الأمر في هذا الوجوب أقوى، وهذا يقتضي عدم التَّرخُّص إلاَّ لأوحديِّ النَّاس، لكنَّ الموجود من النُّصوص في ذلك لا يدلُّ على إدخالِ هذا القسم، ولا على مطلق المعاصي، وإنَّما دلَّ على السَّفر الذي غايته المعصية» هذا كلامه (رحمه الله)، ويشكل: بأنَّ رواية عمَّار بن مروان التي هي الأصل في هذا الباب تتناول مطلق العاصي، وكذا التَّعليل المستفاد من رواية عبيد بن زرارة، والإجماع المنقول من جماعة، لكن لا يخفى أنَّ تارك الواجب، كالتعلُّم ونحوه، إنَّما يكون عاصياً بنفس التَّرك لا بالسَّفر، إلاَّ إذا كان مضاداً للواجب، وقلنا: باقتضاء الأمر بالشَّي ء النَّهي عن ضده الخاصّ، وقد تقدَّم الكلام في ذلك مراراً، وأنَّ الظَّاهر عدم الاقتضاء كما هو اختياره قُدِّسَ سرّه، مع أنَّ التَّضاد بين التَّعلُّم والسَّفر غير متحقِّق في أكثر الأوقات، فما ذكره قُدِّسَ سرّه من أنَّ إدخال هذا القسم يقتضي عدم التَّرخُّص إلاَّ لأوحديّ النَّاس غير جيِّد». (انتهى كلام صاحب المدارك). وهو جيِّد.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo