< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ مُسَافِراً، ثُمَّ يَقْدَمُ فَيَدْخُلُ بُيُوتَ الْكُوفَةِ، أَيُتِمُّ الصَّلَاةَ أَمْ يَكُونُ مُقَصِّراً حَتَّى يَدْخُلَ أَهْلَهُ؟ قَالَ: بَلْ يَكُونُ مُقَصِّراً حَتَّى يَدْخُلَ أَهْلَهُ».[1]

ومنها: صحيحة علي بن رئاب «أنّه سمِع بعض الواردين يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرَّجل يكون بالبصرة، وهو من أهل الكوفة، وله بالكوفة دار وعيال، فيخرج فيمرُّ بالكوفة يريد مكَّة؛ ليتجهَّز منها، وليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين؟ قال: يقيم في جانب الكوفة، ويقصِّر حتَّى يفرغ من جهازه، وإن هو دخل منزله فليتمَّ الصَّلاة». [2]

قال صاحب الرياض: «ولولا الشُّهرة العظيمة المرجِّحة للأدلَّة الأوَّلة لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوَّة، لاستفاضة نصوصه، وصحَّة أكثرها، وظهور دلالتها جملة، بل صراحة كثير منها، بل ما عدا الصَّحيحة الأولى، لبُعْد ما يقال في توجيهها جدّاً، وهو أنَّ المراد من البيت فيها والمنزل ما بحكهما، وهو ما دون التَّرخُّص، لأنَّ سياقها يأبى هذا ظاهراً وإن أمكن بعيداً، سيَّما في الموثَّق الأوَّل، المتضمن لدخول البلد، والحكم فيه مع ذلك القصر إلى دخول الأهل، وحَمْله على أنَّ الحكم به معه إنَّما هو لِسَعة الكوفة يومئذٍ، فلعلَّ البيوت التي دخلها لم يبلغ حدّ التَّرخُّص المعتبر في مثلها وهو آخر محلَّته كما مضى يدفعه عموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال». (انتهى كلامه).

قال صاحب الوسائل بعد ذكر هذه الرِّوايات: «جمَع الشَّيخ بين هذه الأحاديث، وأحاديث الباب السَّابق، بأنَّ المراد بدخول الأهل الوصولُ إلى محلِّ رؤية الجدران وسماع الأذان، وهو جيد، لِوضوح الدَّلالة هناك، وعدم التصريح هنا بما ينافيها، فهذا ظاهر وذلك نصٌّ صريح، ويمكن الجمع بحمل هذه الأحاديث على مَنْ لا يريد الوصول إلى منزله، وحمل الأحاديث السَّابقة على مَنْ قصد الوصول إلى أهله، ودخول منزله، كما يظهر من بعضها، ويمكن الحمل على التقيَّة؛ لموافقتها للعامّة، وممَّن وافق الشَّيخ (رحمه الله) في هذا الجمع الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) والعلاَّمة (رحمه الله) في المختلف، حيث قال بعد أن أورد صحيحة العِيص وموثقة إسحاق بن عمَّار : «المراد بهما الوصول الى موضع يسمع الأذان ويرى الجدران، فإنَّ مَنْ وصَل الى هذا الموضع يخرج عن حكم المسافر، فيكون بمنزلة مَنْ يصِل الى منزِله». (انتهى كلامه).

أقول: ما ذكره صاحب الرِّياض (رحمه الله) وغيره، من بُعْد ارتكاب التأويل في بعض هذه الرِّوايات، بل أغلبها، فهو حق، بل كاد يكون التأويل متعذرا في بعضها.

ولكن مع ذلك لا يمكن العمل بهذه الرِّوايات، لا لأنَّ المشهور أعرض عنها، وإعراض المشهور يوجب الوهن؛ إذ قد عرفت أنَّ إعراض المشهور لا يوجب الوهن، بل لأنَّه لا يمكن التصديق بها؛ لِما عرفت من أنَّ التقصير موضوعه المسافر وغير الحاضر، وموضوع التَّمام هو الحاضر. وعليه، فمَنْ يصلِّ إلى بلده ووطنه ومنزله لا يصدق عليه عنوان المسافر، بل هذا العنوان ينقطع جزماً بالوصول إلى البلد، فكيف يقصِّر وهو حاضر غير مسافر؟!

فهذه الرِّوايات: إمَّا يرد علمها إلى أهلها، وهم أدرى بها، أو تُحْمل على التقيَّة، كما أشار إليه صاحب الوسائل (رحمه الله) وغيره من الأعلام، ولعلَّه الأقرب.

أو تحمل على ما ذكره صاحب الرياض: «من أنَّها فيما عدا الموثَّقة منها واردة مورد الغالب، من أنَّ المسافر إذا بلغ إلى حدِّ التَّرخُّص يُسَارِع إلى أهله من غير مكث للصلاة، كما هو المشاهد غالباً فلا يُطمأنُّ بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل؛ لِمحلِّ البحث...». (انتهى كلامه).

هذا، وقد ذكر بعض الأعلام أنَّ عمدة ما في تلك الأخبار ‌ وهي صحيحة علي بن رئاب ‌ والتي هي آبية عن التأويل ‌ قد وردت فيمن يمر بوطنه في أثناء السفر الذي قصده لا في انتهائه فيمكن الالتزام بعدم قاطعية المرور بالوطن ما لم يدخل أهله ومنزله إذا وقع في أثناء طريقه». ولكنَّ الإنصاف ‌ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ‌: أنَّ المرور بالوطن قاطع للسَّفر، فلا يمكن الأخذ بظاهرها، كما سيتضح لديك في محلِّه.والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذكره المشهور من اعتبار حدِّ التَّرخُّص في الإياب هو الصَّحيح.

وأمَّا الأمر الثاني: وهو أنَّ حدَّ التَّرخُّص المعتبر فيه هو نفسه المعتبر في الذَّهاب، أم لا؟

المشهور بين الأعلام أنَّه هو نفسه المعتبر في الذَّهاب، فالحدُّ هو سماع الأذان في مِصْره، أو رُؤْية الجدران.

وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في الرِّياض شهرةً عظيمةً، بل عن الذِّكرى أنَّها كادت تكون إجماعاً...». (انتهى كلامه).

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه بناءً على ما ذهب إليه المشهور من الاكتفاء بأحد الأمرين في الذَّهاب، وأنَّ أحدهما كافٍ في وجوب القصر، فلا بدَّ من رفعهما معاً في الإياب؛ إذ لا يرتفع القصر إلاَّ برفع موجبه، فإذا كان موجبه أحدهما فلا يرتفع إلاَّ بارتفاعهما معاً في الإياب؛ إذ لا يرتفع القصر إلاَّ برفع موجبه، فإذا كان موجبه أحدهما، فلا يرتفع إلاَّ بارتفاعهما معاً.

نعم، يحصل الارتفاع برفع أحدهما على القول الآخر ‌ وهو أنَّ الشَّرط في التقصير خفاؤهما معاً عليه ‌ لارتفاع المركَّب بارتفاع أحد جُزْئَيْه.

ومهما يكن، فإنَّه بناءً على رجوع الحدَّيْن إلى حدٍّ واحد، فالأمر سهل، وكذا على القول بكونهما متلازمين، فإنَّه متى تحقَّق أحدهما تحقَّق الآخر.

ولعلَّه هذا هو مراد كلِّ مَنِ اكتفى بأحدهما في الذَّهاب والإياب. وكذا الأمر ظاهر بناءً على ما ذكرناه سابقاً واخترناه، وهو أنَّ الحدَّ خفاءُ الأذان، وأنَّ التَّواري عن البيوت طريق إليه.

ووجه الظُّهور: هو أنَّه لا طريقيَّة في الإياب كما لا يخفى، فالمعتبر في الإياب هو خفاء الأذان فقط، وهذا هو الإنصاف عندنا.

ثمَّ إنَّه يشكل أيضاً على مبنى المشهور ‌ مِنَ الاكتفاء بأحدهما أو القول الآخر من اعتبارهما معاً ‌: بأنَّه لا دليل عليه في الرِّوايات؛ لاختصاص رواية التَّواري عن البُيُوت ‌ وهي صحيحة ابن مسلم المتقدِّمة ‌ بالذَّهاب فقط.

ومن هنا كان ظاهر المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع الاعتبار في الإياب بخفاء الأذان فقط.

والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه المشهور مِنَ الاكتفاء بأحدهما في الإياب، كالذَّهاب، غير تامٍّ، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo