< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

الرواية الثالثة: موثَّقة عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) «فِي الرَّجُلِ يُسَافِرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَيُفْطِرُ فِي مَنْزِلِهِ؟ قَالَ: إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِاللَّيْلِ بِالسَّفَرِ أَفْطَرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ». [1] ولكن قد يُقال: إنَّ المراد من الخروج من المنزل هو الوصول إلى حدِّ التَّرخُّص. ولا يبعد أن ينزَّل كلام عليِّ بن بابويه (رحمه الله) على ذلك أيضاً، كما يشير إلى ذلك تعبيره بفِقه الرِّضا (رحمه الله)، وقد عبَّر فيه تارةً بذلك، وأخرى بما إن غاب عنه أذان المِصر، حيث قال فيه: «وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب، إذا غاب عنك أذان مِصْرك، وإن كنت في شهر رمضان، فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر إلى السَّفر أفطرت، إذا غاب عنك أذان مِصْرك...».[2]

وعليه، فهو كالكاشف حينئذٍ عن إرادته بالمنزل هو الوصول إلى حدِّ التَّرخُّص، فكلامه منزَّل عليه، وإلا فكيف يقصِّر مع عدم صِدْق المسافر عليه فعلاً بمجرد الخروج من المنزل، مع أنَّ موضوع التقصير هو المسافر.

على أنَّ هذه الرِّوايات لو تمَّت فهي معارَضة بالرِّوايات الصِّحاح ‌ التي سنذكرها إن شاء الله تعالى ‌ الدَّالَّة على اشتراط حدِّ التَّرخُّص في التقصير، والمعمول بها عند الأعلام قديماً وحديثاً.

والخلاصة: أنَّ الرِّوايات التي ذكرت مستنداً لابن بابويه (رحمه الله) إمَّا أن تؤوَّل بما يناسب المشهور، أو يردّ علمها إلى أهلها، وهم أدرى بها.

إذا عرفت ذلك، فنقول: يقع الكلام: تارةً في الذَّهاب، وأخرى في العود من السَّفر.أمَّا بالنسبة للذَّهاب: فقدِ اختلف الأعلام في بيان المراد من حدِّ التَّرخُّص، فقيل: هو عبارة عن خفاء جدران البلد أو خفاء الأذان، فأيُّهما حصل كفى في وجوب القصر.

وفي المدارك: «هو مذهب أكثر الأصحاب». (انتهى كلامه).وفي الرِّياض هو المشهور بين القدماء، بل عن شرح التهذيب للمجلسي (رحمه الله) حكاية الشُّهرة عليه من غير تقييد بالمتقدِّمِين، واختار هذا القول أيضاً جماعة من المتأخِّرِين ومتأخِّريهم.

وقيل: بخفائهما معاً، حُكِي ذلك عن السّيِّد المرتضى (رحمه الله) والشيخ (رحمه الله) في الخلاف، ونسبه الشَّهيد الثاني (رحمه الله) إلى المشهور بين المتأخِّرين.

وحُكي عن الشَّيخ المفيد وسلاَّر (رحمهما الله) اعتبار الأذان خاصَّة.

وقال ابن إدريس (رحمه الله): «الاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران». (انتهى كلامه).

وعن الصَّدوق (رحمه الله) في المقنع أنَّه اعتبر خفاء الحيطان.

ومنشأ الخلاف اختلاف الرِّوايات وأنظار الأعلام فيما يقتضيه الجمع بينها.

وأمَّا الرِّوايات الواردة في المقام فهي:صحيحة محمَّد بن مسلم «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): الرَّجُلُ يُرِيدُ السَّفَرَ مَتى يُقَصِّرُ؟ قَالَ: إِذَا تَوَارى مِنَ الْبُيُوتِ...».[3] وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ التَّقْصِيرِ؟ قَالَ: إِذَا كُنْتَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَسْمَعُ فِيهِ الْأَذَانَ فَأَتِمَّ، وَإِذَا كُنْتَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَسْمَعُ فِيهِ الْأَذَانَ فَقَصِّرْ، وَإِذَا قَدِمْتَ مِنْ سَفَرٍ فَمِثْلُ ذَلِكَ».[4]

ورواية حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: إذا سَمِعَ الأَذانَ أتمَّ المُسَافرُ».[5]

ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، لأنَّ الموجود في المصدر ‌ وهو كتاب المحاسن ‌ أنَّ حمَّاداً يرويها عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)، كما في الحدائق. وعليه، فما في الوسائل من حذف كلمة (عَنْ رَجْلٍ) هو سهو منه أو من النّسَّاخ.

ورواية إسحاق بن عمَّار المذكورة في العِلل «قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن قومٍ خرجوا في سَفَرٍ إلى أن قال: قلت: أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مِصْرهم الذي خرجوا منه؟ قال: بلى، إنَّما قصَّروا في ذلك الموضع؛ لأنَّهم لم يشكُّوا في مسيرهم».[6]

وهي ضعيفة بمحمَّد بن عليِّ الكوفي الملقَّب بأبي سمينة، المشتهر بالكذب. وبعدم وثاقة محمَّد بن أسلم، ووجوده في كامل الزِّيارات غير نافع؛ لأنَّه ليس من المشايخ المباشرين.

ورواية الفقه الرِّضوي «وإن كان أكثر من بريد، فالتقصير واجب، إذا غاب عنك أذانُ مِصْرِك، وإن كنت في شهر رمضان، فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر إلى السَّفر أفطرت، إذا غاب عنك أذان مِصْرك».[7]

ولكنَّك عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الفِقه الرَّضوي هو فتاوى لابن بابويه (رحمه الله)، وليس هو رواية إلاَّ ما كان فيه بعنوان (رُوِي) ونحو ذلك. وهذه هي الرِّوايات الواردة في المقام.

وقدِ اتِّضح من هذه الرِّوايات أنَّ عنوان خفاء الجدران المذكور في لسان الفقهاء غير مذكور في الرِّوايات، وإنَّما الموجود في صحيحة بن مسلم عنوان التواري من البيوت.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo