< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

وأمَّا الاكتفاء بخبر العدل الواحد، فعن المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى والشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الرَّوض، احتمال الاكتفاء بالعدل الواحد.وفي الجواهر: «مال إليه بعض علماء العصر؛ لإطلاق أدلَّته». (انتهى كلامه).أقول: مقتضى الإنصاف هو قبول خبر العدل الواحد، بل مطلق الثقة للسِّيرة العقلائيَّة القائمة على العمل بخبر الثقة في الموضوعات، كما في الأحكام الممضاة من الشَّارع المقدَّس.نعم، ثبت في بعض المواضع عدم كفاية خبر العدل الواحد، فضلاً عن الثقة، كما في إثبات الزِّنا واللواط، ونحوهما.

إن قلت: إنَّ رواية مسعدة بن صدقة حصرت الأشياء بالعلم أو البينة، حيث ورد فيها «وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلى هذَا حَتّى يَسْتَبِينَ لَكَ غَيْرُ ذلِكَ، أَوْ تَقُومَ بِهِ الْبَيِّنَةُ». فتكون هذه الرِّواية رادعة عن سيرة العقلاء القائمة على اعتبار خبر الثقة في الموضوعات.ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذه الرِّواية ضعيفة السَّند بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة، فلا تصلح للرادعيَّة.

ولو تعارضت البينتان، فهل تقدَّم بينة الإثبات، أو بينة النفي، أو التخيير بينهما، أو التساقط والرُّجوع إلى أصالة التَّمام ‌ لأنَّ مرجع أصالة التَّمام إلى عموم ما دلَّ على وجوب التمام على كلِّ مكلَّف المقتصر في الخروج عنه على المسافر ‌؟ذهب المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى والمحقِّق في المعتبر إلى تقديم بينة الإثبات؛ لأنَّ شهادة النَّفي غير مسموعة. ويرد عليهما أوَّلاً: أنَّ عموم حجيَّة البينة لا يفرق فيها بين الإثبات والنفي. وثانياً: أنَّ بيّنة النَّفي مخبرة عن اطِّلاعها بكون المسافة أقلّ من ثمانية، كسبعة أو ستَّة، ونحوهما، فتكون مثبتة للدَّعوى.والإنصاف: هو التساقط، كما ذكرنا في محلِّه، والرُّجوع إلى أصالة التَّمام. نعم، لو كان مستند بيّنة النَّفي هو الأصل العملي فلا إشكال حينئذٍ في تقديم بيّنة الإثبات؛ لأنَّها حاكمة، وينتفي موضوع الأصل بقيام الأمارة. وبالجملة، فقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ الأمارات حاكمة على الأصول العمليَّة الشَّرعيَّة.

الأمر الرَّابع: قد عرفت أنَّ الأصل عند تساقط البينتَيْن هو التَّمام، وكذا إذا لم يكن هناك ما يصحُّ الاعتماد عليه في معرفة المسافة من بيَّنة، أو خبر ثقة، أو مسيرة يوم معتدل من السَّير، والوقت، والمكان. والوجه في ذلك: هو أصالة عدم تحقُّق المُوجِب للقصر.

ولكن قد يُشكل في المقام: بأنَّ هذا الأصل غاية ما يثبته هو أنَّه لا تقصير عليه؛ وأمَّا أنَّه يجب الإتمام فهو مبني على أن لا يكون المقصد ثمانية فراسخ، وإثباته بأصالة عدم تحقُّق الموجب للقصر يكون من الأصل المثبت. وفيه: أنَّ هذا الكلام لا يصمد أمام التحقيق؛ لأنَّ الإتمام مستفاد من عمومات أدلَّة التكاليف، فإنَّ مقتضاها وجوب الإتيان بصلاة الظُّهر مثلاً رباعيَّةً على كلِّ مكلَّف ما لم يسافر، فيكون السَّفر رافعاً للتكليف الثَّابت بالعمومات، فمتى شُكَّ في تحقُّقه، سواء كان شكُّه ناشئاً من أصل وجود الرَّافع، أو رافعيَّة الموجود، كما فيما نحن فيه، يبني على عدمه بحكم الأصل، فيكون الأصل مُحرِزاً لموضوع العام. ونظيره: ما تقدم في مبحث العام والخاصّ في الأصول، حيث ذكر الأعلام أنَّ استصحاب عدم قرشيَّة المرأة، مُوجِب لإدخال الموضوع تحت العام، وهو كلُّ امرأة تحيض إلى الخمسين إلاَّ القُرشيَّة.

وقدِ اتَّضح ممَّا تقدَّم أنَّ إثبات الأحكام الثَّابتة بالعمومات في مثل المقام، ونظائره من الشُّبهات الموضوعيَّة، ليس من باب التمسُّك بالعام في الشُّبهات المصداقيَّة، بل من باب إحراز موضوع العام بالأصل، والله العالم.

الأمر الخامس: هل يجب الفحص مع الإمكان أم لا؟

المشهور بين الأعلام: عدم وجوب الفحص في الشُّبهات الموضوعيَّة.

وفي الجواهر: «نعم، في وجوب الاعتبار عليه وجهان، من أصل البراءة، ومن توقُّف الامتثال عليه، ولعلَّ الأقوى وجوب ما لا عسر ولا حرج فيه وضرر ‌ كالسُّؤال وغيره ‌ عليه». (انتهى كلامه).

ولكنَّ الإنصاف ‌ كما ذكرنا في علم الأصول ‌: هو عدم وجوب الفحص في الشُّبهات الموضوعيَّة مطلقاً.

نعم، قد يقال: بوجوب الفحص في خصوص مسألتنا هذه؛ إذ يلزم من عدم الفحص المخالفة القطعيَّة الكثيرة المعلوم عدم جوازها شرعاً، كما في الفحص عن الاستطاعة في الحجِّ، وعن بلوغ المال حدَّ النِّصاب في الزَّكاة. وفيه: أنَّه لا يلزم من عدم الفحص المخالفة القطعيَّة الكثيرة، بل هو ممنوع جدّاً لقلَّة الابتلاء بموارد الشَّكّ.

ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا ذلك، إلاَّ أنَّه لا يصلح لاستكشاف وجوب الفحص، وإنَّما يقتضي وجوب الاحتياط، مع عدم الفحص.

والخلاصة: أنَّه لا فرق في عدم وجوب الفحص في الشُّبهات الموضوعيَّة بين مواردها، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo