< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

وقال في المهذَّب: «للمِيل تقديران مشهوران:شرعي: وهو أربعة آلاف ذراع باليد، وفي بعض الروايات ثلاثة آلاف وخمسمائة، وهي متروكة.ووضعي: وهو قدر مدِّ البصر في الأرض المستوية لمستوي البصر». (انتهى كلامه).

وذكر بعض الأعلام (رحمه الله): «أنَّ الأذرِعة أربعة: ذراع القدماء وهي اثنان وثلاثون إصبعاً، عبارة عن ثمان قبضات، وذراع المُحْدَثِين وهي ستُّ قبضاتٍ، أربعة وعشرون إصبعاً، وذراع بعض الأكاسرة، وهي سبع قبضات، ثمانية وعشرون إصبعاً، والذِّراع الأسود الذي حدث في الدَّولة العباسيَّة أو هي والأموية سبع وعشرون إصبعاً». (انتهى كلامه).

أقول: إنَّ الصَّحيح في المقام هو ما استقرَّ عليه رأي المُحدَثين، إذ هو المطابق لِما هو المشاهد المحسوس، إذ الذِّراع بحسب المتعارف حدُّه ستُّ قبضات، مع أنَّه قد تقدَّم من كلام الأزهري لفظيَّة هذا النِّزاع. وعليه، فلا ينبغي الاستشكال في معروفيَّة هذا التحديد للمِيْل في العرف واللغة، فيتعيَّن حينئذٍ حَمْل إطلاق المِيْل في الرِّوايات عليه. وأمَّا حمل المِيْل على مدِّ النَّظر الذي هو المعنى الآخر له، فلا ينبغي ذلك؛ لِعدم انطباقه.

ومن هنا، تعرف أنَّ ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله)، - حيث قال: «وضُبِط مدُّ البصر في الأرض بأنَّه ما يتميَّز به الفارس من الرَّاجِل، للمُبْصِر المتوسِّط في الأرض المستوية...» - في غير محلِّه.

وأمَّا تقدير المِيْل بحسب الشَّرع، ففي مرسلة مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَزَّازِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) «قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ، وَأَبِي عِنْدَ وَالٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، إِذْ جَاءَ أَبِي، فَجَلَسَ، فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ هذَا قُبَيْلُ، فَسَأَلَهُمْ عَنِ التَّقْصِيرِ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: فِي ثَلَاثٍ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: رَوْحَةٍ، فَسَأَلَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله) لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) بِالتَّقْصِيرِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله): فِي كَمْ ذَاكَ؟ فَقَالَ: فِي بَرِيدٍ، قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ الْبَرِيدُ؟ فقَالَ: مَا بَيْنَ ظِلِّ عَيْرٍ إِلى فَيْءِ وُعَيْرٍ...».[1] وهي ضعيفة بالإرسال، مع إعراض كلِّ الأعلام عنها، وهذا يزيدها ضَعْفاً؛ وأمَّا عَيْر ووُعَيْر فهما جبلان بالمدينة.

وفي مرسلة الفقيه قال: وقال الصادق (عليه السلام): «إِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله) لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ بِالتَّقْصِيرِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله): فِي كَمْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: فِي بَرِيدٍ، فقَالَ: وَكَمِ الْبَرِيدُ؟ قَالَ: مَا بَيْنَ ظِلِّ عَيْرٍ إِلَى فَيْءِ وُعَيْرٍ، فَذَرَعَتْهُ بَنُو أُمَيَّةَ، ثُمَّ جَزَّءُوهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً، فَكَانَ كُلُّ مِيلٍ أَلْفاً وَخَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ».[2] وهي -مضافاً لِضعفها بالإرسال، وإعراض الكلِّ عنها- لا يمكن تصديقها؛ لِما هو المحسوس من البُعْدِ ما بين الجَبَلَيْن، فإنَّه أزيد من أربعة فراسخ بكثير.والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه المشهور هو المتعيِّن، والله العالم.

ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على بعض الأمور:الأمر الأوَّل: لا فرق في ثبوت المسافة بين قطعها في يوم أو أقلّ أو أكثر، إلاَّ أن يتمادى به السَّير، فيخرجه عن صِدْق اسم المسافر، كما لو كان هناك مكان خارج بلده، يبعد عن بلده مقدار عشرين فرسخاً، وهذا المكان مشتمل على أشجار وأنهار، فقصد التنزُّه في ذلك المكان مُدَّة شهر أو شهرين، مستقصياً في سَيْره وتنزُّهه جميع حدود ذلك المكان، فإنَّ هذا الشَّخص وإن كان مَنْ بدأ سيره قاصداً لِأَنْ يسير عشرين فرسخاً، إلاَّ أنَّه لا يصدق عليه أنَّه مسافر، بل متنزِّه في طول المكان في هذه المدَّة، فيجب عليه التَّمام.

نعم، لو لم يخرجه ذلك عن اسم المسافر، بأن كان ذلك لصعوبة المسير مثلاً، كما إذا كان السَّيْر في الماء على خلاف مجراه فيقصِّر حينئذٍ.

ومن هنا، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «لو قصَد مسافةً في زمانٍ يخرج به عن اسم المسافر، كالسنة فالأقرب عدم القَصْر لزوال التسمية؛ ومِنْ هذا الباب لو قارب المسافر بلدَه فتعمَّد ترْك الدُّخُول إليه؛ للترخُّص، ولبِث في قرى تقاربه مُدَّةً يخرج بها عن اسم المسافر، ولم أقف في هذين الموضعين على كلامٍ للأصحاب، وظاهر النَّظر يقتضي عدم الترخُّص». (انتهى كلامه). وهو جيِّد.

ولكنَّ صاحب المدارك (رحمه الله) أشكل على الصُّورة الثانية حيث قال: ‌ بعد نقل كلام الشهيد في الذكرى ‌ «ويمكن المناقشة في عدم الترخيص في الصورة الثانية بأنَّ السَّفر بعد استمراره إلى انتهاء المسافة فإنَّما ينقطع بأحد القواطع المقرَّرة من نيَّة الإقامة، أو التردُّد ثلاثين (يوماً، أو الوصول إلى الوطن، وبدونه يجب البقاء على حكم القصر...». (انتهى كلامه). ويرد عليه: أنَّ ما ذكره ‌مِنْ أنَّ السَّفر بعد استمراره إلى انتهاء المسافة ينقطع بأحد القواطع المذكورة‌ إنَّما يتمُّ بالنسبة إلى السَّفر المتعارف. وأمَّا بالنسبة إلى هذا الفرد ‌وهو أنَّه بعد قُرْبه من البلد ترَك الدُّخول فيه؛ لقصد بقائه على التقصير‌ فإنَّ دخوله تحت حكم المسافر الذي ذكره بعيد، فإنَّه وإن وجب عليه التقصير في مُدَّة سفره، إلاَّ أنَّه بعد أن قصَد هذا القَصْد الآخر بتأخُّره عن الدُّخول، وتردُّده في تلك القرى، على وجه يخرج عن كونه مسافراً عرفاً.فالإنصاف: أنَّ حكمه التَّمام كما ذكره المصنِّف (رحمه الله). ويكون هذا من قبيل القواطع الثلاثة المذكورة، والله العالم.

 

[1] وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب صلاة المسافر ح13.

[2] وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب صلاة المسافر ح16.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo