< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

الأمر الثالث: قال في المستند: «المُكرَه في السَّفر، كالتَّابع، إذا لم يسلِب الإكراه الاختيار، ولو سلبه كأن تُشدّ يداه ورجلاه، وحمل إلى السَّفر، وعَلِم حمله إلى المسافة، فقد يختلج بالبال فيه الإشكال؛ إذ القصد إنَّما يكون على العمل، ولا يصدر عنه عمل حتَّى يكون قاصداً له؛ ولِعدم شمول كثير من أخبار القصر لمثله؛ وعدم تبادره من شي ء من أخباره؛ وإجمال نحو قوله «التقصير في بريدين» لاحتمال إرادة قصد بريدين أو سيره، ومثل ذلك لا يقصد ولا يسير؛ إلاَّ أنَّ الظَّاهر الإجماع على وجوب القصر عليه، ويمكن الاستدلال له أيضاً بقوله سبحانه: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فإنَّ ذلك كائن في السَّفر وإن لم يكن مقصوداً له، ولا معارض له، فيجب عليه التقصير أيضاً». (انتهى كلامه).والإنصاف: هو ما ذكره من وجوب التقصير عليه. وقدِ استُدلَّ له بأربعة أدلَّة:

الدليل الأوَّل: الإجماع المُدَّعى. وفيه: أنَّ الإجماع إذا لم يصل إلى مرتبة التَّسالم، فلا يكون حجَّةً.مضافاً إلى أنَّه لُبِّي يُقتَصر فيه على القدر المتيقَّن، وهو صورة اعتبار القصد. وفيه: أنَّ هذا الإشكال غير وارد؛ لأنَّ المراد من القصد هنا ما يشمل مجرد العِلْم، وهو حاصل هنا.

الدليل الثاني: قوله تعالى: «وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، فإنَّ الآية الشَّريفة تشمل مَنْ كان في السَّفر، وإن لم يكن السَّفر مقصوداً له،كما فيما نحن فيه.

الدليل الثالث: رواية إسحاق بن عمَّار الواردة في قومٍ خرجوا في سَفَرٍ، وتخلَّفَ منهم واحد قال (عليه السلام): «بلى، إنَّما قصَّروا في ذلك الموضعِ لأنَّهم لم يشكّوا في مسيرهم، وإنَّ السَّير يجدُّ بهم».[1] فإنَّها تدلُّ على أنَّ تمام موضوع التقصير هو العلم بالسَّفر ثمانية فراسخ.وهذه الرِّواية رُوِيت في الكافي، وفي العِلَل، وفي المحاسن:وأمَّا رواية الكافي، فهي أوَّلاً: غير مشتملة على هذا المقطع المستشهد به. وثانياً: أنَّها ضعيفة؛ لأنَّ محمَّد بن أسلم غير موثَّق، ووجوده في كامل الزَّيارات غير نافع؛ لِعدم كونه من المشايخ المباشرين.

وأمَّا رواية العِلل والمحاسن، فهي وإن كانت مشتملة على المقطع المستشهد به، إلاَّ أنَّهما ضعيفتان بمحمَّد بن عليِّ الكوفي، والظَّاهر أنَّه أبو سمينة المشتهر بالكذب، لا سيَّما مع التَّصريح به في طريق البرقي، وبمحمَّد بن أسلم، فإنَّه غير موثَّق، كما عرفت.

الدليل الرَّابع: الرِّوايات الدَّالة على أنَّ صلاة الفريضة في السَّفر ركعتان، إلاَّ المغرب، فإنَّها ثلاث ركعات، المقتصر في تقييدها على كونه جازماً بقطع المسافة حال تلبُّسه بالسَّير، ولو من غير اختياره. وما دلَّ على اعتبار القصد لا ينافيه؛ إذِ المراد منه ما يشمل مجرد العِلْم، والله العالم.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يقدح عروض الجنون في الأثناء، وكذا الإغماء*لأنَّ الجنون لا يعدُّ نقضاً للعزم، وكذا الإغماء.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو منع من السفر، فكمنتظر الرفقة، وكذا لو ردَّته الريح*وقدِ اتضح وجههما ممَّا تقدَّم، فلا حاجة للإعادة.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثاني: كون المقصود مسافة*في المدارك: «أجمع العلماء كافَّةً على أنَّ المسافة شرط في القصر، وإنَّما اختلفوا في تقديرها...». (انتهى كلامه).

وفي الجواهر تعليقاً على قول المحقِّق «الأوَّل اعتبار المسافة» : «بلا خلاف فيه بيننا، بل وبين سائر المسلمين، بل هو، إن لم يكن ضروريّاً عندهم، فهو مجمع عليه بينهم، وكتابهم ناطق به، كما أنَّ سنَّتهم متواترة فيه، وداود الظَّاهري، وإن لم يعتبر مقداراً مخصوصاً في المسافة، لكنِ اعتبر الضَّرب في الأرض قليلاً كان أو كثيراً...». (انتهى كلامه). أي اكتفى بحصول مسمَّى السَّفر، قليلاً كان أو كثيراً.

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فصاعداً، وهي ثمانية فراسخ*في المدارك: «فذهب علماؤنا أجمع إلى أنَّ القصر إنَّما يجب في مسيرةِ يومٍ تامٍّ، بريدين، أربعة وعشرين ميلاً، حكى ذلك جماعة منهم المصنِّف في المعتبر...». (انتهى كلامه).

أقول: يدلُّ على ما ذكره الأعلام مضافاً للتَّسالم بيننا قديماً وحديثاً جملة من الرِّوايات المستفيضة، بل لا يبعد تواترها:

منها: صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم المتقدِّمة حيث قال (عليه السلام) في ذيلها: «وَقَدْ سَافَرَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله) إِلَى ذِي خُشُبٍ، وَهِيَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، يَكُونُ إِلَيْهَا بَرِيدَانِ، أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلاً فقصّر وأفطر فصارت سُنّة».[2]

ومنها: صحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ التَّقْصِيرِ؟ قَالَ: فَقَالَ: فِي بَرِيدَيْنِ، أَوْ بَيَاضِ يَوْمٍ».[3]

ومنها: موثَّقة سماعة «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُسَافِر،ِ فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ، وذلك بريدان وهما ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ...».[4] ومضمرات سماعة مقبولة، كما عرفت.

ومنها: صحيحة أبي بصير «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): فِي كَمْ يَقْصُرُ الرَّجُلُ؟ قال: فِي بَيَاضِ يَوْمٍ أَوْ بَرِيدَيْنِ».[5]

ومنها: موثَّقة عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) في حديث «قَالَ فِي التَّقْصِيرِ: حَدُّهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلاً».[6]

ومنها: صحيحة عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ فِي سَفَرِهِ، وَهُوَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْصِيرُ إِذَا كَانَ (في مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ يَدُورُ فِي عَمَلِهِ».[7]

[1] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب صلاة المسافر ح11.

[2] الفقيه ج1 ص278 رقم 1266.

[3] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة المسافر ح7.

[4] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة المسافر ح8.

[5] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة المسافر ح11.

[6] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة المسافر ح14.

[7] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب صلاة المسافر ح16.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo