< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والمكره على السفر إن ظن الوصول ولا مندوحة يقصر، وقَصْدُ المتبوع كافٍ عن قصد التَّابع كالزَّوجة والعبد*المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق في اعتبار قصد المسافة بين التَّابع وغيره، سواء أكانت التبعيَّة واجبةً، كما في الزَّوجة والعبد، أم غير واجبة، اختياريَّةٍ كانت كالخادم، أم اضطرارية كالأسير والمكره، ونحوهما مما أُخِذ ظُلْماً.

وقد ذكر جماعة من الأعلام: أنَّ التَّابع ليس له حكم مستقلّ ثابت بدليل خاصٍّ، بل إنَّما ذُكِر التَّابع للتنبيه على اندراج مثله فيما تقدَّم من قاصد المسافة، وإن كان قصده لها إنَّما هو لقصد متبوعه، لا لغرض متعلَّق به.

والخلاصة: أنَّ التَّابع ليس له حكم بخصوصه.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ التَّابع يقصِّر إذا علم بمقصد المتبوع، وأنَّه مسافة، وذلك لإطلاق الأدلَّة.

نعم، مع جهله بذلك يبقى على التَّمام؛ لأنَّ الاعتبار بفعليَّة القَصْد، وهو منتفٍ مع الجَهْل؛ لأنَّ تعلُّق قصده بالمسافة مربوط بقصد المتبوع، فيقصد على تقدير قصد المتبوع، وإلاَّ فلا، وبما أنَّه جاهل بقصد المتبوع فلا قصد له فعليٌّ.

ثمَّ إنَّ مراد المصنِّف (رحمه الله) هنا ‌أي في كتاب الدُّروس‌: من أنَّه يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع، أي كفاية ذلك بعد بناء التَّابع على التبعيَّة وإناطة مقصده بمقصد متبوعه ومعرفته به، فإنَّه حينئذٍ يتحقَّق قصده للمسافة بذلك. لا أنَّه يكفي وإن لم يكن التابع قاصداً له، كما لو عزم على مفارقة متبوعه؛ لِعدم الدَّليل بالخصوص، بل ظاهر الأدلَّة خلافه، حتَّى لو كان التَّابع ممَّن يجب عليه إطاعة المتبوع، كالعبد والزَّوجة، فإنَّهما لو كان من نيَّتهما الرُّجوع متى تيسَّر لهم ذلك بعتق أو طلاق أو إباق أو نشوز، واحتملوا ذلك، فقد ذكر بعض الأعلام أنَّهما لا يقصِّران.

وعن جماعة أخرى: أنَّه يجب عليهم التقصير؛ لِعدم الاعتناء بمثل هذا الاحتمال المخالف للأصل.

بل ربَّما ظهر من المحكي عن المنتهى عدم الخلاف، إلاَّ من الشَّافعي، حيث حُكِي عن العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى أنَّه قال: «لو أُخرِج مكرهاً، كالأسير، قصَّر؛ لأنَّه مسافر سفراً بعيداً غير محرَّم، فأبيح له التقصير كالمختار، والمرأة مع الزَّوج، والعبد مع السَّيِّد إذا عزما على الرُّجوع مع زوال اليد عنهما، خلافاً للشافعي». (انتهى كلامه). وهذه العبارة ظاهرة في عدم الخلاف فيه، إلاَّ من الشافعي.

مع أنَّه حُكِي عن العلاَّمة (رحمه الله) في النِّهاية أنَّه قال: «أنَّهما متى احتملا العتق والطَّلاق قبل بلوغ المسافة وعزما على الرُّجوع بحصولهما أتمَّا». (انتهى كلامه).

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «ولو جوَّز العبد العتق، والزَّوجة الطَّلاق، وعزما على الرُّجوع متى حصلا، فلا يترخَّص، قاله الفاضل، وهو قريب إن حصلت أمارة لذلك، وإلاَّ فالظَّاهر البناء على بقاء الاستيلاء، وعدم دفعه بالاحتمال البعيد...». (انتهى كلامه).

أقول: إذا اطمأنَّ العبد، وكذا الزَّوجة، بقطع المسافة، بحيث لا يكون احتمال العتق والطَّلاق منافياً للاطمئنان المزبور، فيجب عليهما التقصير، وإلاَّ فما قاله العلاَّمة (رحمه الله) من وجوب الإتمام عليهما، في محلِّه؛ لِعدم تحقُّق القَصْد إلى قطع المسافة.

ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على بعض الأمور:الأمر الأوَّل: هل يجب على التَّابع الاستخبار عن قصد المتبوع، وأنَّه قاصد للمسافة أم لا؟ وهل يجب على المتبوع إخباره بذلك بعد السُّؤال عن قصده؟

أمَّا بالنسبة للتابع: فلا يجب عليه الاستخبار؛ لعدم الدَّليل عليه، فإنَّ قصد المسافة من المقدِّمات الوجوبيَّة للتقصير، فلا يجب تحصيل مقدِّمة الوجوب، كما ذكرنا في علم الأصول.

وأمَّا من أوجب الاستخبار، فلعلَّه من باب وجوب الفحص في الشُّبهات الموضوعيَّة، فإنَّه وإن كان هناك تسالم بين الأعلام على عدم وجوب الفحص في الشُّبهات الموضوعيَّة، إلاَّ أنَّه هناك بعض الشُّبهات الموضوعيَّة التزم جماعة من الأعلام بوجوب الفحص فيها، وهي التي يؤدِّي ترك الفحص فيها إلى الوقوع بمخالفة الواقع غالباً، كما في الاستطاعة للحجّ، فإنَّه لو لم يفحص في ماله، وأنَّه بقدر الاستطاعة أم لا، لوقع في مخالفة الواقع. وكذا الحال في بلوغ النصاب في الزكاة، فإنَّه لو لم يفحص عمّا عنده من الغلاّف لوقع في مخالفة الواقع.

وكذا الحال هنا، فإنَّه لو لم يفحص، ويستخبر من المتبوع عن حال قصده لوقع في مخالفة الواقع.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا فرق بين هذه الشُّبهات الموضوعيَّة، وبين غيرها من الشُّبهات، فجميع الشُّبهات الموضوعيَّة لا يجب فيها الفحص.

وأمَّا القول: بأنَّه في بعض الشُّبهات الموضوعيَّة إذا لم يفحص فيها يلزم الوقوع في مخالفة الواقع غالباً، كالأمثلة المتقدِّمة. ففيه أوَّلاً: أنَّ المحذور هو مخالفة الحكم الإلزامي من الوجوب والحرمة. وأمَّا الوقوع في خلاف الواقع إذا لم يكن ذلك بسبب المكلَّف، بل لترخيص الشَّارع له ‌ من جريان أصالة البراءة وأصالة الحلّ والطَّهارة، ونحوها من الأصول الجارية في الموضوعات ‌ فلا محذور فيه. فلو أجرى المكلَّف أصالة البراءة في موردها، أو أصالة الحلِّ، أو الطَّهارة، ونحوها، ثمَّ تبين له أنَّه وقع في مخالفة الواقع بسببها، فلا محذور فيه، سواء أكان الوقوع في مخالفة الواقع غالباً أم لا، هذا أوَّلاً.وثانياً: إنَّنا نمنع استلزام ترك الفحص في الأمثلة المتقدِّمة للوقوع في مخالفة الواقع غالباً، هذا كلُّه بالنسبة للتَّابع.وأمَّا المتبوع: فلا يجب عليه الإخبار إذا سُئِل واستخبر؛ وذلك للأصل، والله العالم.

الأمر الثاني: المعروف بين الأعلام أنَّ مرادهم بالقصد هنا، كقصد إقامة عشرة أيام، ليس خصوص القصد الحقيقي الذي هو عبارة عن الإرادة المنبعثة عن تصوُّر الغاية المترتِّبة على قطع المسافة الدَّاعية إلى اختيار قطعها، بل ما يعمُّ الجزم بقطعها، أي مجرد العلم، وإن لم يكن عن إرادته النفسانيَّة، بل بإرادةِ قاهرٍ.

ويشهد لذلك: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على أنَّ الأسير في أيدي المشركين إذا علم مقصودهم، وأنَّهم يسيرون به المسافة لا محالة، ولا يتمكَن من الهرب من أيديهم، فإنَّه يجب عليه التقصير مع أنَّه ليس بقاصد حقيقة، أي لا يوجد عنده اختيار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo