< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

محتويات

0.1-

الموضوع: صلاة المسافر

أقول: يدلُّ على هذا الشَّرط ‌ بعد التسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً المفيد للقطع، إذِ المسألة خرجت عن الإجماع المصطلح عليه ‌ بعض الرِّوايات:

منها: موثَّقة عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ فِي حَاجَةٍ، فَيَسِيرُ خَمْسَةَ فَرَاسِخَ أَوْ سِتَّةَ فَرَاسِخَ، فَيَأْتِي قَرْيَةً فَيَنْزِلُ فِيهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَيَسِيرُ خَمْسَةَ فَرَاسِخَ أُخْرَى أو ستة فراسخ (وَسِتَّةً خ ل)، لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ مُسَافِراً حَتَّى يَسِيرَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ ثَمَانِيَةَ فَرَاسِخَ فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ».[1] وهي ظاهرة في أنَّ الاعتبار بقصد المسافة، أي حتَّى يسير بقصد ثمانية فراسخ.

ومنها: ما رواه الشَّيخ (رحمه الله) بإسناده عن الصفَّار عن إبراهيم بن هاشم عن رجل عن صفوان «قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ يُرِيدُ أَنْ يَلْحَقَ رَجُلاً عَلَى رَأْسِ مِيلٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَتْبَعُهُ حَتَّى بَلَغَ النَّهْرَوَانَ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ مِنْ بَغْدَادَ، أَيُفْطِرُ إِذَا أَرَادَ الرُّجُوعَ وَيُقَصِّرُ؟ فَقَالَ: لَا يُقَصِّرُ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَلَيْسَ يُرِيدُ السَّفَرَ ثَمَانِيَةَ فَرَاسِخَ، وَإِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ أَنْ يَلْحَقَ صَاحِبَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَتَمَادَى بِهِ السَّيْرُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَلَغَهُ، وَلَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ النَّهْرَوَانَ ذَاهِباً وَجَائِياً لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ مِنَ اللَّيْلِ سَفَراً وَالْإِفْطَارَ، فَإِنْ هُوَ أَصْبَحَ وَلَمْ يَنْوِ السَّفَرَ فَبَدَا لَهُ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ، قَصَّرَ وَلَمْ يُفْطِرْ يَوْمَهُ ذَلِكَ».[2] وهي ضعيفة بالإرسال.

وقدِ اتَّضح من ذلك أنَّ الهائم على وجهه لا يقصِّر، وكذا طالب الآبق ونحوه، وكذا لو قصد ما دون المسافة، ثمَّ تجدَّد له رأي بقصد أخرى مثلها وإن بلغ مسافات.

نعم، إن عاد، وقد كمَّل المسافة فما زاد، قصَّر بلا خلاف بين الأعلام؛ لتحقًّق القصد الذي ثبت بالنَّصِّ والتَّسالم شرطيَّتُه للتقصير، فتشمله العمومات الدَّالَّة على وجوب التقصير في بريدين أو مسيرة يوم أو ثمانية فراسخ المقتصر في تقييدها على القصد، وقد عرفت أنَّه حاصل في المقام.

ويدلًّ أيضاً على التقصير في الرُّجوع إذا كُمِّلَتِ المسافة: موثَّقة عمَّار «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ السَّفَرَ، فَيَمْضِي فِي ذَلِكَ، وَيَتَمَادَى بِهِ الْمُضِيُّ حَتَّى يَمْضِيَ بِهِ ثَمَانِيَةَ فَرَاسِخَ، كَيْفَ يَصْنَعُ فِي صَلَاتِهِ؟ قَالَ: يُقَصِّرُ، وَلَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ».[3] أي يقصِّر في الرُّجوع.

وقدِ اتَّضح أيضاً حكم ما لو خرج ينتظر رفقةً إن تيسروا سافر معهم، فإن كان ما أراد انتظارهم فيه على حدِّ مسافةٍ قصَّر في سفره، وفي موضع توقُّفه، وإن كان دونها أتمَّ حتَّى يتيسَّر له الرِّفقة ويسافر.

وبالجملة، فإنَّ منتظر الرِّفقة على حدِّ المسافة يقصِّر إلى ثلاثين يوماً، وعلى أقلِّ منها، وهو جازم بالسَّفر من دون الرِّفقة، يقصِّر أيضاً إذا تجاوز حدَّ الترخُّص.

وإن علَّق سفره عليها، وعلم أو اطمأنَّ وصولها، فكالجازم بالسَّفر من دونها؛ وإنِ انتفى العلم أو الاطمئنان أتمَّ.

وكلُّ ذلك واضح بعد ما عرفت من أنَّ المدار في التقصير على قصد المسافة.

ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على بعض الأمور:

الأمر الأوَّل: أنَّه يكفي قصد المسافة النَّوعيَّة. وأمَّا خصوص السَّفر الشَّخصيّ فلا يعتبر قصده، بل لو قصد مسافةً معيَّنةً، فسلك فرسخين مثلاً، ثمَّ بدا له أن يسير إلى موضعٍ آخر يبلغ مع مبدأ خروجه المسافة، قصَّر وإن لم يبلغ من ذلك المكان الذي بدا له السَّير إليه مسافةً.والسِّرُّ في ذلك: هو أنَّ الأدلَّة المتقدِّمة دلَّت على كون الثَّمانيةِ فراسخ التي عُلِّق عليها وجوب التقصير مقصودةً له من حيث أخذه في السِّير، مقابل ما لو سلكها بدون هذا القصد. وعليه، فانفساخ عزمه عن خصوص السَّفر الذي نواه أوَّلاً، مع بقاء عزمه على إكمال الثَّمانية في ضمن فرد آخر من المسافة، غير قادح.

فمَّا عن الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الرَّوض، منِ احتمال عدم التَّرخُّص اقتصاراً على المتيقَّن من المسافة الشَّخصيَّة، ضعيف، فإنَّ رفع اليد عن إطلاق الرِّوايات الواردة بأنَّ الصَّلاة في السفر ركعتان إلاَّ المغرب، هو الذي يحتاج إلى الدَّليل.

بل الظَّاهر الاكتفاء في التَّرخُّص ببقاء عزمه على طيِّ المسافة ولو في ضمن الملفَّقة، كما لو قصد مسافةً خاصَّةً، ثمَّ بدا له في الأثناء الرُّجوع إلى محلِّه بعد أن بلغ في مسيره بريداً فيقصِّر إن رجع.

ويدلُّ على الاكتفاء في الترخُّص ببقاء عزمه على طيِّ المسافة ولو في ضمن الملفقة مضافاً إلى ما عرفت : صحيحة أبي ولاَّد «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنِّي كُنْتُ خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ فِي سَفِينَةٍ إِلَى قَصْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ مِنَ الْكُوفَةِ عَلَى نَحْوِ عِشْرِينَ فَرْسَخاً فِي الْمَاءِ، فَسِرْتُ يَوْمِي ذَلِكَ أُقَصِّرُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ بَدَا لِي فِي اللَّيْلِ الرُّجُوعُ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمْ أَدْرِ أُصَلِّي فِي رُجُوعِي بِتَقْصِيرٍ أَمْ بِتَمَامٍ؟ وَكَيْفَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ سِرْتَ فِي يَوْمِكَ الَّذِي خَرَجْتَ فِيهِ بَرِيداً فَكَانَ عَلَيْكَ حِينَ رَجَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّكَ كُنْتَ مُسَافِراً إِلَى أَنْ تَصِيرَ إِلَى مَنْزِلِكَ، قَالَ: وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَسِرْ فِي يَوْمِكَ الَّذِي خَرَجْتَ فِيهِ بَرِيداً فَإِنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَقْضِيَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّيْتَهَا فِي يَوْمِكَ ذَلِكَ بِالتَّقْصِيرِ، بِتَمَامٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَؤم مِنْ مَكَانِكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَبْلُغِ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ التَّقْصِيرُ حَتَّى رَجَعْتَ، فَوَجَبَ عَلَيْكَ قَضَاءُ مَا قَصَّرْتَ، وَعَلَيْكَ إِذَا رَجَعْتَ أَنْ تُتِمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى تَصِيرَ إِلَى مَنْزِلِكَ».[4] وهي واضحة الدَّلالة، وكذا غيرها من الرِّوايات.

ولكن حُكِي عن السَّيِّد الكاظمي البغدادي القول: بعدم جواز التقصير لدى عدوله عن المسافة الامتدادية إلى الملفَّقة وإن رجع ليومه، فضلاً عن غيره، مستدلاًّ عليه بإطلاق الأصحاب عدم التقصير فيه وفي المتردِّد ومنتظر الرِّفقة، إلاَّ إذا كان ذلك منهم، وقد قطعوا مسافةً تامَّة ثمانية فراسخ؛ لِعدم اعتبار التَّلفيق من الإياب هنا إذا لم يكن مقصوداً من قبل، بل إنَّما تعلَّق به القصد عند إرادة الرُّجوع، بل هو في المتردِّد والمنتظر لم يتعلَّق به القصد أصلاً، وقصد الإياب ‌ ولو بعد أيام أو سنين وأعوام ‌ غير مجدٍ في تحقُّق المسافة عند الأصحاب، كي يقال: إنَّه كان للمسافة سببان: قبل رجوعه أو تردُّده، قصد الامتداديَّة والتلفيقيَّة، فلما بطل السَّبب الأوَّل بقي الثَّاني.

ويرد عليه: أنَّه لا يصحُّ رفع اليد عن محكمات النُّصوص الكثيرة الدَّالة على سببيَّة المسافة الملفَّقة للتقصير، خصوصاً فيما إذا رجع ليومه.

مضافاً لِصحيحة أبي ولاَّد المتقدِّمة المصرِّحة بالتقصير في خصوص المقام، وكذا غيرها ممَّا لم نذكره.

والخلاصة: أنَّ المتَّبع هو الدَّليل، وقد عرفت أنَّ غاية ما ثبت اعتباره في سببيَّة المسافة للتقصير مطلق قصدها، الذي لا يقدح فيه العدول من شخص إلى شخص، أو من نوعٍ إلى آخر، والله العالم.

0.1-

[1] وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب صلاة المسافر ح3.

[2] وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب صلاة المسافر ح1.

[3] وسائل الشيعة: باب 4 من أبواب صلاة المسافر ح2.

[4] وسائل الشيعة: باب 5 من أبواب صلاة المسافر ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo