< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة المسافر

أمَّا الأمر الأوَّل: في الحرمين مكَّة والمدينة.فالمشهور: على أنَّ التخيير في البلد، أي مكة والمدينة.وذهب ابن إدريس (رحمه الله): إلى أنَّه في المسجدين خاصَّة. واختاره المصنِّف (رحمه الله) في اللمعة والشَّهيد الثاني (رحمه الله) في شرحها وفي الرَّوض، والعلاَّمة (رحمه الله) في المختلف.

وقال صاحب الجواهر: «إلاَّ أنَّه لما كان القصر هو الأصل في المسافر ‌ إلى أن قال: ‌ وقد قيل: إن المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه، بل على الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة، كما أنَّ الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة وقبر الحسين (عليه السلام) ‌ إلى أن قال: ‌ وجب الاقتصار في الخروج منه على المتيقَّن، وهو ذلك لا البلدان الثلاثة والحائر. (إلى أن قال): ولقد أجاد في السرَّائر...». (انتهى كلامه).

والإنصاف: هو ما ذهب إليه المشهور، وهو كون المدار على البلدين مكَّة والمدينة. وذلك لأنَّ الرِّوايات، وإنِ اختلفت في التعبير عن ذلك، حيث ورد في جملة منها: التعبير بلفظ (الحرم) في الأربعة، مع الإضافة إلى الله تعالى رسوله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام). وبعضها: مشتمل على التعبير بلفظ (المسجد) في الثلاثة، و(حرم الحسين (عليه السلام)). وبعضها: مشتمل على التعبير بــــ (الحرمين مكَّة والمدينة). إلاَّ أنَّه في الواقع لا منافاة بينها؛ لأنَّ الرِّوايات المشتملة على ذِكْر المسجد أو المسجدين هي أربع كلُّها ضعيفة السَّند، وقد تقدَّمت، وهي رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، ورواية حذيفة بن منصور، ورواية أبي بصير، ورواية إبراهيم بن أبي البلاد.ثمَّ إنَّه لو قطعنا النَّظر عن ضعف السَّند إلاَّ أنَّها لا تنافي الرِّوايات المشتملة على لفظ الحرم أو الحرمين، أو مكة والمدينة؛ لكون الطَّائفتين مثبتتين لا يوجد فيهما إيجاب وسلب حتَّى يقع التنافي بينهما. وعليه، فيكون ذكر المسجد بالخصوص لكون الصَّلاة غالباً تكون فيه.

إن قلتَ: إنَّ ذِكْر الحرم في الرِّوايات لا يعني أنَّه مكة والمدينة؛ إذ يحتمل كونه المسجد فيهما، فيكون مجملاً، ويُؤخَذ بالقدر المتيقَّن منه، وهو المسجد. قلتُ: إنَّ صحيحة ابن مَهْزيار المتقدِّمة فسَّرت الحرمين بمكَّة والمدينة، فلا إشكال من هذه الجهة، حيث ورد في ذَيْلها «فقلت: أيُّ شيءٍ تعني بالحرمين؟ فقال: مكَّة والمدينة».[1]والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه المشهور ‌ من كون التخيير في البلدين، لا خصوص المسجدين ‌ هو المتعيِّن، والله العالم.

وأمَّا الأمر الثاني: في الكوفة.فقدِ اختلفتِ الرِّواية في التعبير عن ذلك:فبعضها: دلَّ على جواز الإتمام في الكوفة، وهي رواية واحدة، وهي رواية زياد القندي «قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): يَا زِيَادُ، أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي، وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُهُ لِنَفْسِي، أَتِمَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَرَمَيْنِ وَبِالْكُوفَةِ وَعِنْدَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)».[2] ولكنَّها ضعيفة بجعفر بن محمَّد بن مالك، وبجهالة محمَّد بن حمدان، ووقوعه في إسناد كامل الزِّيارات وتفسير علي بن إبراهيم لا ينفع، لِعدم كونه من مشايخهما المباشرين.وبعضها: اشتمل على التعبير بحرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، كصحيحة حمَّاد بن عيسى المتقدِّمة.[3] ومرسلة الشَّيخ في المصباح «قال: وفي خبر آخر: في حرم الله، وحرم رسوله (صلّى الله عليه وآله)، وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحرم الحسين (عليه السلام)».[4] ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.وفي بعضها: اشتمل على التعبير بمسجد الكوفة، وهي أربع روايات كلّها ضعيفة، وقد تقدَّمت، وهي مرسلة حذيفة ومرسلة الفقيه ورواية أبي بصير ومرسلة حمَّاد.وهذه الرِّوايات الأخيرة -مضافاً لِضعفها سنداً- لا تنافي صحيحة حمَّاد بن عيسى، وكذا رواية زياد القندي لا تنافي الصَّحيحة؛ لِكون لسان هذه الرِّوايات مثبتات، والتنافي إنَّما يكون بين الإيجاب والسَّلْب. وعليه، فلا يوجد معارض لصحيحة حمَّاد، فيتعيَّن الإفتاء على طبقها، أي الإتمام في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام).

ولكن قد يشكل: بأنَّ لفظ (الحرم) مجمل؛ إذ يحتمل أن يكون المراد منه البلد، أي الكوفة؛ ويحتمل أن يكون المراد خصوص المسجد، أي مسجد الكوفة. وعليه، فيتعيَّن الاقتصار على المتيقَّن، وهو خصوص المسجد.ولكنَّ الإنصاف: أنَّ المراد بحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) نفس البلدة لا خصوص المسجد، وذلك لِروايتَيْن فسَّرتا حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة:الرواية الأُولى: صحيحة حسَّان بن مهران أخ صفوان -وقد وثَّقه النجاشي صريحاً، بل قال: أصحّ من صفوان وأوجه- «قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): مَكَّةُ حَرَمُ الله، وَالْمَدِينَةُ حَرَمُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله)، وَالْكُوفَةُ حَرَمِي؛ لَا يُرِيدُهَا جَبَّارٌ بِحَادِثَةٍ إِلاَّ قَصَمَهُ الله».[5] ولا يخفى أنَّ الصَّحيحة في مقام الشَّرح والتفسير للحرم.الرِّواية الثانية: حسنة خالد القلانسي عن الصَّادق (عليه السلام) «قَالَ: مَكَّةُ حَرَمُ الله وَحَرَمُ رَسُولِهِ وَحَرَمُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، الصَّلَاةُ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَالدِّرْهَمُ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْمَدِينَةُ حَرَمُ الله وَحَرَمُ رَسُولِهِ وَحَرَمُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، الصَّلَاةُ فِيهَا بِعَشَرَةِ آلَافِ صَلَاةٍ، وَالدِّرْهَمُ فِيهَا بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالْكُوفَةُ حَرَمُ الله تَعَالَى وَحَرَمُ رَسُولِهِ وَحَرَمُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، الصَّلَاةُ فِيهَا بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وسَكَتَ عَنْ الدِّرْهَم (وَالدِّرْهَمُ فِيهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ خ ل».[6] وهي وإن كانت ضعيفة بطريق الشَّيخ الطُّوسي، والشَّيخ الصَّدوق (رحمهما الله)، بالنَّضر بن شعيب، فإنَّه غير موثَّق. كما أنَّها ضعيفة بطريق ابن قولويه، بمحمَّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار، وبأبيه الحسن بن عليِّ بن مهزيار، فإنَّهما غير موثقَيْن. ولكنَّ الإنصاف: أنَّ محمَّد بن الحسن بن عليّ بن مَهْزيار، وإن لم يوثَّق بالخصوص إلاَّ أنَّه موجود في كتاب كامل الزِّيارات، وهو من مشايخه المباشرين. نعم أبوه الحسن بن علي، وإن كان موجوداً أيضاً في كتاب كامل الزِّيارات، إلاَّ أنَّه ليس من المشايخ المباشرين، فوجوده غير نافع. ولكنها حسنة بطريق الكليني.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الأقوى كون المكلَّف مخيَّر بين التَّمام والقصر في بلدة الكوفة، لا خصوص مسجدها. ومن المعلوم أنَّ الكوفة سابقاً كانت تشمل مسجد السَّهْلة. وعليه، فالحكم في مسجد السَّهْلة، كالحكم في الكوفة ومسجدها من هذه الجهة. وأمَّا النَّجف الأشرف، فهو خارج عن البلدة.

 

[1] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر ح4.

[2] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر ح13.

[3] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر ح1.

[4] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب صلاة المسافر ح24.

[5] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب المزار ح1.

[6] وسائل الشيعة: باب 44 من أبواب احكام المساجد ح12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo