< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(59)

 

قوله: (وهما بعد التسليم، وقال ابن الجنيد للنقيصة قبله؛ لِرواية صفوان، وحَمَلها الصَّدوق على التقيَّة)

المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً أنَّ محلَّ السَّجدتين بعد التسليم، سواء كانت لزيادة أو نقصان.

ونقل المحقِّق(رحمه الله) في الشَّرائع قولاً بأنَّ محلَّهما قبل التسليم مطلقاً.

قال صاحب المدارك(رحمه الله): (والقول بأنَّهما قبل التسليم منقول عن بعض علمائنا، ولم نظفر بقائله...).

ونقل العلَّامة(رحمه الله) في المختلف عن ابن الجنيد، وكذا المصنِّف(رحمه الله)، هنا أنَّهما إن كانتا للزِّيادة فمحلّهما بعد التسليم وإن كانتا للنقيصة فمحلهما قبله، ونسبه في المعتبر إلى قوم من أصحابنا.

ولكن المصنِّف(رحمه الله) في الذِّكرى بعد أن نقل كلام ابن الجنيد قال: (وليس في هذا كلِّه تصريح بما يرويه بعض الأصحاب أنَّ ابن الجنيد قائل بالتفصيل؛ نعم، هو مذهب أبي حنيفة من العامَّة).

ومهما يكن، فإنَّ كونهما بعد التسليم مطلقاً هو الذي استقرَّ عليه الرَّأي عند الأعلام، وفي الجواهر: (بل هو المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل عليه عامَّة المتأخِّرين كما في الرياض، بل هو خيرة المقنع وما تأخر عنه في مفتاح الكرامة، بل هو مذهب الأصحاب عن كشف الرموز، وعلمائنا عن نهاية الأحكام، بل عليه الإجماع في الخلاف...).

أقول: مَنْ تتبَّع كلام الأعلام في المسألة يجد أنَّ هناك تسالماً بين الأعلام المتقدِّمِين والمتأخِّرِين على أنَّ محلَّهما بعد التسليم؛ إذ مَنْ نُسِب إليه القول بكونهما قبل التسليم مطلقاً لم يعرف مَنْ هو، كما أنَّ ابن الجنيد المنسوب إليه القول بالتفصيل قد عرفت ما فيه.

وعلى فرض صحَّة النِّسبة إليه فمخالفته لا تضرُّ بالتسالم.

ومن هنا، يمكن القول: بأنَّ المسألة قد خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت من الواضحات.

ومع ذلك، فقدِ استُدلَّ للمشهور بجملة من الرِّوايات، بلغت حدَّ الاستفاضة، نذكر بعضها، ولسنا بحاجة لنقل جميعها:

منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي عبد الله ’ -في حدث - (قال: قلتُ له: سَجْدَتَا السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هُمَا أَوْ بَعْدُ؟ قَالَ: بَعْدُ)[1] .

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ’ (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ خَمْساً صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً، فَاسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ تَسْلِيمِكَ وَأَنْتَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلِّمْ بَعْدَهُمَا)[2] .

ومنها: صحيحة ابن أبي يعفور (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عليه السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي[3] الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَكْتُوبَةِن فَلَا يَجْلِسُ فِيهِمَا حَتَّى يَرْكَعَ؟ فَقَالَ: يُتِمُّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ‌)3، وكذا غيرها.

وقدِ استدلَّ لما نُسِب إليه القول بأنَّ محلهما قبل التسليم برواية أبي الجارود (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ(عليه السَّلام): مَتَى أَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؟ قَالَ: قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِنَّكَ إِذَا سَلَّمْتَ بَعْدُ ذَهَبَتْ حُرْمَةُ صَلَاتِكَ)[4] .

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

وأمَّا أبو الجارود فهو عندنا ثقة.

وثانياً:لم يعرف القائل بها، فيمكن القول بأنَّه أعرض عنها جميع المتقدِّمِين.

وعليه، فلو فرضنا أنَّ الرِّواية صحيحة إلَّا أنَّ إعراض جميع المتقدِّمِين عنها يوجب وَهْنها.

وثالثاً: أنَّها معارِضة للرِّوايات المستفيضة المعمول بها عند الأعلام، والتي تقدَّم بعضها، ولا إشكال في رجحانها عليها.

وأمَّا التفصيل المنسوب إلى ابن الجنيد، فقدِ استُدلَّ له بصحيحتين:

الأولى: صحيحة سعد بن سعد الأشعري (قَالَ: قَالَ الرِّضَا (عليه السَّلام) فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: إِذَا نَقَصْتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا زِدْتَ فَبَعْدَهُ)[5] .

الثانية: صحيحة صفوان بن مهران الجمَّال عن أبي عبد الله ’ (قَالَ‌: وَسَأَلْتُهُ عَنْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؟ فَقَالَ: إِذَا نَقَصْتَ فَقَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا زِدْتَ فَبَعْدَهُ‌)([6] ، وهما معارضتان للرِّوايات المتقدِّمة.

وقد حملهما الأعلام* على التقيَّة؛ لِموافقة ذلك لكثير من العامَّة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لم يعرف قائل بهما، إذ لم يتضح أنَّ ابن الجنيد(رحمه الله) قائل بذلك، وعلى فرض صحَّة النسبة إليه إلَّا أنَّ مخالفته لا تضرُّ بالتَّسالم بين الأعلام.

وعليه، فإنَّ إعراض مشهور المتقدِّمِين عن رواية صحيحة وإن لم يوجب وهنها إلَّا أنَّ إعراض جميعهم يوجب الوَهْن، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، بل ما تضمنتهما هاتان الصَّحيحتان مخالِف للسُّنة القطعيَّة، وقد ذكرنا في مبحث حجيَّة خبر الواحد أنَّ الخبر المخالِف للسّنة القطعيَّة ليس بحجَّة، والله العالم.

قوله: (ويجب فيهما النَّيَّة)

كما هو المعروف بين الأعلام، وفي الجواهر: (أمَّا النيَّة فقد صرَّح بوجوبها الفاضل وغيره، بل نُسِب إلى السَّرائر وأكثر ما تأخَّر عنها، بل في المفاتيح أنَّه المشهور، بل لا أجد فيه خلافاً، كما اعترف به في الرِّياض...).

أقول: لا إشكال في اعتبار النَّية في سجدتي السَّهو؛ لأنَّهما عبادة كالصَّلاة، ويشملهما أيضاً عموم أدلَّة النَّية.

وبالجملة، لا بدَّ من قصد عنوان سجدتي السَّهو؛ لأنَّ السُّجود لله تعالى يقع على وجوه متعدِّدة؛ إذ قد يكون السُّجود للشُّكر، وقد يكون للتلاوة، ونحو ذلك، فلا بدَّ من قَصْد عنوان سجود السَّهو، كما أنَّه لا بدَّ من قصد التقرُّب؛ لِما عرفت من كونهما عبادة.

نعم، لا يجب فيهما تعيين السَّبب لإطلاق الأدلَّة وصدق الامتثال؛ خلافاً لبعض الأعلام منهم المصنِّف(رحمه الله) في الذِّكرى، والعلَّامة(رحمه الله) في النَّهاية، والمحقِّق الكركي(رحمه الله) في تعليقته على الإرشاد، حيث ذهبوا إلى الوجوب، ولا دليل لهم، إلَّا ما يتوهَّم من توقُّف صِدْق الامتثال على التعيين.

وفيه: ما لا يخفى، وأيضاً لا يجب (*) قال الصَّدوق(رحمه الله) في الفقيه: (فَإِنِّي أُفْتِي بِهِ فِي حَالِ التَّقِيَّةِ).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo