< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(58)

>| مناقشة ما استدل من وجوب السجود لكلّ زيادة | الروايات

إلَّا أنَّه هناك روايات كثيرة منافية لها:

منها: صحيحة أبي بصير (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّنْ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَذَكَرَهَا وَهُوَ قَائِمٌ؟ قَالَ: يَسْجُدُهَا إِذَا ذَكَرَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِذَا انْصَرَفَ قَضَاهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ)(1)، وهي وإن كانت مضمرةً وضعيفةً بمحمَّد بن سنان بطريق الشَّيخ الطُّوسي (رحمه الله) إلَّا أنَّها مسندة، وصحيحة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، وهي صريحة بعدم الوجوب.

ومنها: رواية محمَّد بن منصور (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الَّذِي يَنْسَى السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ شَكَّ فِيهَا؟ فَقَالَ: إِذَا خِفْتَ أَنْ لَا تَكُونَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِذَا سَلَّمْتَ سَجَدْتَ سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَتَضَعُ وَجْهَكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَيْسَ عَلَيْكَ سَهْوٌ)(2)، ولكنَّها ضعيفة بجهالة محمَّد بن منصور، وبالإضمار.

ومنها: صحيحة زرارة عن أحدهما (عليه السلام) -في حديث- (قَاْلَ: مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مُتَعَمِّداً أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَ مَنْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ)(3).

ومنها: رواية محمَّد بن مسلم، حيث ورد في ذَيْلها: ( مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مُتَعَمِّداً أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَمَنْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ)(4)، وهي ضعيفة لجهالة محمَّد بن إسماعيل البندقي النَّيشابوري.

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَوَّلَتَيْنِ فَذَكَرَهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَ: يَقْضِي الْقِرَاءَةَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّسْبِيحَ الَّذِي فَاتَهُ فِي الْأَوَّلَتَيْنِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ‌)(5).

ومن الواضح أنَّ عموم (لَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ) يشمل سجود السَّهو، فتكون هذه الرِّوايات منافيةً للأدلَّة الدَّالَّة على الوجوب -بناءً على دلالتها عليه-.

ومن جملة الرِّوايات المنافية موثَّقة سماعة المتقدِّمة (قَالَ مَنْ حْفَظْ سَهْوَهُ فَأَتَمَّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ...)(6)، وهي ظاهرة في أنَّه لو نسي السَّجدة أو التَّشهُّد مثلاً، وذكر قبل أن يركع، فتداركهما، لم تجب سجدتا السَّهو.

وكذا رواية الحلبي (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عليه السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ يَسْهُو فِي الصَّلَاةِ، فَيَنْسَى التَّشَهُّدَ؟ فَقَالَ: يَرْجِعُ فَيَتَشَهَّدُ، قُلْتُ: أَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؟ فَقَالَ: لَا، لَيْسَ فِي هَذَا سَجْدَتَا السَّهْوِ)(7)، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

والخلاصة: أنَّه لا يجب سجود السَّهو لكلِّ زيادة ونقيصة، والله العالم.

___________________

(1) الوسائل باب14 من أبواب السُّجود ح4.

(2) الوسائل باب14 من أبواب السُّجود ح6.

(3) الوسائل باب29 من أبواب القراءة في الصَّلاة ح1.

(4) الوسائل باب27 من أبواب القرءاة في الصَّلاة ح2.

(5) الوسائل باب30 من أبواب القرءاة في الصَّلاة ح6.

(6) الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4.

(7) الوسائل باب9 من أبواب التَّشهُّد ح4.

    

قوله: (وفرّع الشَّيخ عليه وجوبهما بزيادة النفل ونقصه، وأوجبهما الحلبي للملحن سهواً، وقال ابن الجنيد: لو نسي القنوت قبل الركوع وبعده قبل أن يسلم في تشهُّدِه، وسجد سجدتي السَّهو)

قد عرفت فيما سبق أنَّه لا يجب سجود السَّهو لكلّ زيادة أو نقيصة في الواجبات فضلاً عن المستحبات.

أضف إلى ذلك: أنَّ نقيصة المستحبات ليس نقصانا حقيقة وإنَّما هو عدم كمال للمأمور به فهو نقصان عن مرتبة الكمال لا عن مرتبة الذات.

وأمَّا زيادة المستحبات ، ففي الواقع لا تسمى زيادةً؛ لأنَّ الأجزاء المنسية ليست أجزاءً حقيقةً لا من الماهية، ولا من الفرد ، وإنَّما هي أمور مستحبة محلها الصَّلاة.

ومن هنا، لو تركها عمدا فلا تبطل الصَّلاة.

وأمَّا ما ذكره الحلبي من سجود السَّهو للملحن في صلاته سهواً فلا دليل عليه أصلا ، إلَّا أن يدخل في ضمن النقيصة فيكون السجود للنقيصة، وقد عرفت ما فيه.

    

قوله: (فرع: لو تعدَّد سبب السُّجود تعدَّد، ما لم يدخل في حدِّ الكَثْرة، وقال ابن إدريس: ما لم يتجانس)

المعروف بين الأعلام تعدُّد التكاليف بتعدُّد أسبابها، وعدم كفاية إطاعة واحدة في سقوط التكاليف المسبَّبة عن الجميع، وهو المعبَّر عنه بأصالة عدم التَّداخل.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: (لا ريب في الوجوب عند اتِّحاد السَّبب، وكذا إذا كثر في صلوات متباعدة، ولا ريب في انتفائه إذا خرج الى حدِّ الكثرة في صلاة أو صلوات؛ أمَّا لو تعدَّد سبب السَّجدتين في صلاة واحدة، ولم يخرج الى حدِّ الكثرة المقتضية للعفو، فالأقرب عدم التداخل؛ لقيام السَّبب، واشتغال الذمَّة، و لِما روي عن النَّبي(صلَّى اللّٰه عليه و آله) أنّه قال: لكلِّ سهو سجدتان، ولا فرق بين أن يختلف السَّبب -كالسَّلام والقيام- أو يتحد -كالتسليم مراراً- معِ اختلاف أوقات النِّسيان، والشَّيخ جعل عدم التداخل أحوط، و ابن إدريس فصَّل، فأوجب التَّداخل إذا تجانس السَّبب؛ لأنَّه صادق على القليل والكثير، بخلاف ما إذا اختلف السَّبب؛ لأنَّ كلَّ واحد لا يدخل تحت لفظ الأمر بالآخر...).

والإنصاف: هو عدم التَّداخل مطلقاً، ولا يخفى أنَّ مسألة التَّداخل وعدم التَّداخل ذكرناها سابقاً في مبحث الوضوء(1) بالتفصيل.

وقلنا: إنَّ الكلام:

تارة: يقع في تداخل الأسباب.

وأخرى: في تداخل المسببات.

كما أنَّ الكلام:

تارةً: يقع فيما يقتضيه الأصل العملي.

وأخرى: فيما يقتضيه الأصل اللفظي.

وكانت النتيجة: أنَّ مقتضى الأصل اللفظي عدم التَّداخل في الأسباب، ومقتضى الأصل العملي هو التَّداخل.

وأمَّا في المسبَّبات فمقتضى كلٍّ من الأصل اللفظي والعملي هو عدم التَّداخل.

وقلنا هناك أيضاً: إنَّ محلَّ الكلام في التَّداخل وعدمه فيما إذا لم يقم دليل من الخارج على أحدهما، وإلَّا فلا كلام، كما هو الحال في باب الغسل، حيث قام الدَّليل على الاكتفاء بغسل واحدة.

ففي حسنة زرارة (قَالَ: إِذَا اغْتَسَلْتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَجْزَأَكَ غُسْلُكَ ذلِكَ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ وَالزِّيَارَةِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْكَ حُقُوقٌ، أَجْزَأَهَا عَنْكَ غُسْلٌ وَاحِدٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ يُجْزِئُهَا)(2)

__________________

(1) مسالك النفوس، المجلد الأوَّل من كتاب الطهارة: ص274 إلى 282.

(2) الوسائل باب43 من أبواب الجنابة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo