< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(56)

 

قوله: (وزاد الصَّدوق من لم يدر زاد أو نقص)

ذهب جماعة من الأعلام إلى وجوب السُّجود في الشَّكّ في الزِّيادة أو النقيصة، منهم الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، والعلَّامة(رحمه الله) في المختلف والشَّهيد الثاني(رحمه الله) في الرَّوض.

وقدِ استُدلَّ لذلك بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة الفضل بن يسار (أنَّه سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عليه السَّلام)‌ عَنِ السَّهْوِ؟ فَقَالَ: مَنْ يَحْفَظْ سَهْوَهُ فَأَتَمَّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ، وَإِنَّمَا السَّهْوُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْرِ أَزَادَ فِي صَلَاتِهِ أَمْ نَقَصَ مِنْهَا)(1).

ومنها: موثَّقة سماعة (قَالَ: قَالَ: مَنْ حَفِظَ سَهْوَهُ وَأَتَمَّهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ ، إِنَّمَا السَّهْوُ عَلى مَنْ لَمْ يَدْرِ زَادَ أَمْ نَقَصَ مِنْهَا)(2)

ومنها: حسنة زرارة (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عليه‌السَّلام) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَمْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، وَسَمَّاهُمَا رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الْمُرْغِمَتَيْنِ)(3).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ’ (أَنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ أَرْبَعاً صَلَّيْتَ أَمْ خَمْساً، أَمْ نَقَصْتَ أَمْ زِدْتَ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ، وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بِغَيْرِ رُكُوعٍ وَلَا قِرَاءَةٍ، تَتَشَهَّدُ فِيهِمَا تَشَهُّداً خَفِيفاً)(4).

ولكن الإنصاف: أنَّ الصَّحيحة الأخيرة ذكرناه سابقاً عند الشَّكّ في نقصان الفريضة ركعةً أو زيادة الفريضة ركعةً أو أكثر، وليس المراد منها العلم الإجمالي بنقصان الفريضة ركعةً، أو زيادة الرَّكعة عن الفريضة، وإلَّا كانت الصَّلاة باطلة، بل المراد أنَّه من الأفعال والأعداد، أي عدد الرَّكعات.

ثمَّ إنَّ الرِّوايات المتقدِّمة إنْ فهم منها الشَّكّ البدوي في الزِّيادة أو النقيصة، أي أنَّه لم يدرِ زاد أو لم يدرِ أنَّه نقَّص، بحيث لا يكون له علم إجمالي في الزِّيادة أو النقيصة، فيعارضها حينئذٍ جملة من الرِّوايات دالَّة على عدم الوجوب في الشَّكّ في الأفعال زيادة أو نقصاناً:

منها: حسنة الحلبي (قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه‌السَّلام) عَنْ رَجُلٍ سَهَا، فَلَمْ يَدْرِ سَجْدَةً سَجَدَ، أَمْ ثِنْتَيْنِ؟ قَالَ: يَسْجُدُ أُخْرى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ سَجْدَتَا السَّهْوِ)(5).

ومنها: رواية محمد بن منصور (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الَّذِي يَنْسَى السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا؟ فَقَالَ: إِذَا خِفْتَ أَنْ لَا تَكُونَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِذَا سَلَّمْتَ سَجَدْتَ سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَتَضَعُ وَجْهَكَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَيْسَ عَلَيْكَ سَهْوٌ)(6)، ولكنَّها ضعيفة بالإضمار وبجهالة محمَّد بن منصور.

ومورد هاتين الرِّوايتين، وإن كان هو الشَّكّ في السَّجدة، إلَّا أنَّه يتمّم في سائر الأفعال بعدم القول بالفصل، ومقتضى القاعدة حينئذٍ هو حَمْل الرِّوايات الدَّالَّة على الوجوب على الاستحباب لأجل حسنة الحلبي.

ومنها: الرِّوايات الدَّالَّة على أنَّ الشَّكّ بعد تجاوز المحلّ، وبعد الفراغ لا يعتنى به، مثل صحيحة زرارة المتقدِّمة، حيث ورد في ذيلها (يَا زُرَارَةُ! إِذَا خَرَجْتَ مِنْ شَيْ‌ءٍ، ثُمَّ دَخَلْتَ فِي غَيْرِهِ، فَشَكُّكَ لَيْسَ بِشَيْ‌ءٍ)(7)، وغيرها من الرِّوايات الواردة في المقام، حيث دلَّت على عدم وجوب شيء عليه، ومنها سجدتا السَّهو.

_____________

(1) الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح6.

(2) الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح8.

(3) الوسائل باب14 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

(4) الوسائل باب14 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4.

(5) الوسائل باب15 من أبواب السُّجود ح1.

(6) الوسائل باب14 من أبواب السُّجود ح6.

(7) الوسائل باب23 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

 

ويؤكِّد عدم الوجوب: كثرة الابتلاء جدّاً باحتمال الزِّيادة، أو النُّقصان، إذِ العلم بعدم الزِّيادة أو النُّقصان في الصَّلاة نادر، فلو كان السُّجود واجباً لكثر السُّؤال عنه، ولكان الوجوب من الواضحات، فكيف خفي على أغلب الأعلام؟!

هذا كله إنْ فُهِم من الرِّوايات المتقدِّمة الشَّكّ البدوي في الزِّيادة أو النُّقصان.

وأمَّا إن فهم منها العلم الإجمالي بالزيادة أو النقصان فلا معارض لها حينئذٍ وتكون دالة على وجوب السجود في هذه الصُّورة.

ولكن سيأتي -إن شاء الله تعالى- عند البحث عن وجوب السُّجود لكلِّ زيادة أو نقيصة أنَّه لا دليل قويّ على الوجوب.

وعليه، فإذا لم يجب السُّجود في صورة العلم التفصيلي بالزِّيادة أو النُّقصان، فمن باب أولى لا يجب السُّجود في صورة العلم الإجمالي، وإذا لم تقبل بالأولويَّة فلا مانع من الالتزام بوجوب السُّجود في صورة العلم الإجمالي فقط، والله العالم.

قوله: (وفي الشَّكّ بين الثلاث والأربع إذا توهَّم الرَّابعة، لرواية إسحاق بن عمَّار عن الصَّادق(عليه السَّلام) إذا ذهب وهمك إلى التمام أبداً في كلِّ صلاة، فاسجد سجدتين بغير ركوع، وهو متروك)

نسب المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى القول بوجوب سجدتي السَّهو فيما إذا شكّ بين الثلاث والأربع مع غلبة الظَّنّ بالأربع، إلى الصَّدوقَيْن(رحمهما الله).

قال في الذِّكْرَى: (لو ظنَّ الأكثر بنى عليه؛ لما سلف، ولا تجب معه سجدتا السَّهو؛ للأصل، ولعدم ذكرهما في أحاديث الاحتياط هنا، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وأوجبهما الصَّدُوقان، ولعلَّه لِرواية إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السَّلام): إِذَا ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى التَّمَامِ أَبَداً فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بِغَيْرِ رُكُوعٍ، وحُمِلت على الاستحباب).

أقول: قدِ استُدل لما ذهب إليه الصَّدوقان(رحمهما الله) بروايتين:

الأولى: رواية إسحاق بن عمَّار(1)، التي نقلناها عن المصنِّف(رحمه الله) في الذِّكْرَى، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن يحيى المعاذي، وعدم وثاقة الطيالسي.

الثانية: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله ’ -في حديث- ( وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً، وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلى شَيْ‌ءٍ، فَسَلِّمْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ‌ جَالِسٌ تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْكِتَابِ؛ وَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الثَّلَاثِ، فَقُمْ، فَصَلِّ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ، وَلَا تَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ؛ فَإِنْ ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَى الْأَرْبَعِ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ، ثُمَّ اسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)(2).

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ السُّجود في هذه الحسنة محمول على الاستحباب جمعاً بين الرِّوايتين وبين صحيحتي عبد الرَّحمان بن سَيَابة وأبي العبَّاس جميعاً عن أبي عبد الله ’ (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ ثَلَاثاً صَلَّيْتَ أَوْ أَرْبَعاً، وَوَقَعَ رَأْيُكَ عَلَى الثَّلَاثِ، فَابْنِ عَلَى الثَّلَاثِ؛ وَإِنْ وَقَعَ رَأْيُكَ عَلَى الْأَرْبَعِ، فَسَلِّمْ وَانْصَرِفْ؛ وَإِنِ اعْتَدَلَ وَهْمُكَ، فَانْصَرِفْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ)(3).

ولا يضرَّ في صحَّة الرِّواية عدم وثاقة عبد الرَّحمان بن سَيَابة؛ لأنَّه رواها مع أبي العبَّاس البَقْبَاق معاً.

ويستفاد من هذه الصَّحيحة عدم وجوب السُّجود إذا وقع رأيه على الأربع؛ لِعدم ذِكْره، مع أنَّ الإمام(عليه السَّلام) في مقام البيان، ولو كان واجباً لذُكِر، لاسيَّما أنَّ الحكم عام الابتلاء، وبذلك يرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب في حسنة الحلبي المتقدِّمة، والله العالم.

___________________________

(1) الوسائل باب7 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

(2) الوسائل باب10 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.

(3) الوسائل باب7 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo