< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(54)

 

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السَّلام) (فِي رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَسَلَّمَ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ، وَتَكَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ: يُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ‌)(1)

وقدِ اشتمل سند الرِّواية على القاسم بن القاسم بن بريد، والصَّحيح هو القاسم بن بريد بن معاوية العجلي الثِّقة.

ومنها: صحيحة الفضيل بن يسار (أَنَّهُ قَالَ‌: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ(عليه السَّلام): أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ، فَأَجِدُ غَمْزاً فِي بَطْنِي أَوْ أَزّاً (أزى) أَوْ ضَرَبَاناً؟ فَقَالَ: انْصَرِفْ وَتَوَضَّأْ وَابْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِكَ، مَا لَمْ تَنْقُضِ الصَّلَاةَ بِالْكَلَامِ مُتَعَمِّداً، فَإِنْ تَكَلَّمْتَ نَاسِياً فَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْكَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِياً)(2)، وعدم العمل بمورده لا يضرُّ بالاستدلال به.

وقد حمل الشَّيخ(رحمه الله) هذه الرِّواية على عدم حصول الحدث؛ إذ لا تصريح فيها بخروج الحدث، وحُمِل الأمر بالوضوء على الاستحباب؛ وبعض الأعلام حمل الرِّواية على التقيَّة.

ومهما يكن، فقد أُجِيب عن هذه الرِّوايات بأنَّها لا تنافي الرِّوايات المتقدِّمة الدَّالَّة على الوجوب؛ لأنَّ قوله(عليه السَّلام) في صحيحة الفضيل (وإن تكلمت ناسياً فلا شيء عليك)، أي لا شيء عليك من الإعادة، بل صلاتك صحيحة وليس النفي عائداً لسجود السَّهو.

وأمَّا قوله (عليه السلام) في صحيحتي زرارة ومحمَّد بن مسلم المتقدِّمتين (يتمّ ما بقي من صلاته، ولا شيء عليه)، فقد يقال: إنَّ النفي محمول على نفي الإعادة، أو على نفي الإثم، كما ذهب إليه جماعة كثيرة.

ولكن أشكل: أنَّه لا معنى لنفي الإثم بعد فرض وقوع الكلام من المصلِّي سهواً.

كما أنَّه أُشكل: حمل النفي على نفي الإعادة؛ لأنَّ الأمر بإتمام الصَّلاة الظَّاهر في الصِّحَّة يلزمه عدم الإعادة، فحُمِل النَّفي على نفي الإعادة يكون للتأكيد، وإذا دار الأمر بين التأكيد والتأسيس، وهو نفي وجوب سجود السَّهو، يتعيَّن العمل على التأسيس.

وعليه، فحَمْل الأمر بالسُّجود في الرِّوايات السَّابقة على الاستحباب أهون بكثير من حَمْل النفي في قوله (عليه السلام) (ولا شيء عليه)، على نفي الإثم والإعادة.

ولكن الإنصاف: أنَّ هناك قرينة خارجيَّة توجب حَمْل النَّفي على نفي الإعادة، وهي أنَّه لم يذهب أحد من المتقدِّمِين إلى الاستحباب صريحاً، ولا ظاهراً ظهوراً يعتدُّ به، وقد عرفت ما في نسبة الخلاف إلى الصَّدوقَيْن (رحمهما الله).

وعليه، فيمكن دعوى التسالم من المتقدِّمِين على الوجوب، وهذا يُوهِن حَمْل النَّفي في الرِّوايات المتقدِّمة على نفي الوجوب، ويتعيَّن حَمْلها على نفي الإعادة.

ويؤيِّده: ذهاب أكثر المتأخِّرِين إلى الوجوب أيضاً، والله العالم بحقائق أحكامه.

    

قوله: (والتسليم في غير موضعه سَهْواً)

المعروف بين الأعلام وجوب سجود السَّهو للتسليم في غير موضعه سهواً، كما لو سلَّم في الأولتين من الرُّباعية والثلاثيَّة، والأُولى من الثنائيَّة.

وفي الحدائق: (والمشهور وجوب السجود فيه، بل نقل العلَّامة في المنتهى الاتِّفاق على ذلك، ونسبه المحقِّق إلى علمائنا مُؤذناً بدعوى الإجماع عليه...).

وفي الجواهر: (على المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً نقلاً وتحصيلاً، بل في الفقيه والمنتهى وعن ظاهر الشَّافية وصريح النجيبية، بل وآراء التلخيص على ما عن غاية المراد الإجماع عليه...).

وبالمقابل، حُكي عن الشَّيخ الكُلَيْني (رحمه الله) أنَّه صرَّح بعدم الوجوب، كما حُكي ذلك عن ظاهر الصَّدوقَيْن والعماني والسَّيِّد والدَّيلمي وابن حمزة وزهرة(رحمهم الله).

أقول: قدِ استُدلَّ للقول بالوجوب بعدَّة أدلَّة:

منها: الإجماع.

وفيه: ما عرفت من أنَّه يصلح للتأييد.

ومنها: أنَّ التسليم في غير موضعه من الكلام الآدمي.

وفيه: أنَّ المراد من الكلام الأجنبي ما كان أجنبيًّا عن الصَّلاة، فلا يشمل مثل التسليم.

ومنها: أنَّه زيادة في الصَّلاة مع وجوب السُّجود بكلِّ زيادة.

وفيه -كما سيأتي إن شاء الله-: أنَّه لا دليل على وجوب سجود سجدتي السَّهو لكلِّ زيادة.

___________

(1) الوسائل باب3 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح9.

(2) الوسائل باب1 من أبواب القواطع ح9.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo