< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(52)

قوله: (ولو أحدث قبله أو قبل قضاء السَّجْدة المنسيَّة، فوجهان: أقربهما صحَّة الصَّلاة، ويتطهَّر، ويأتي بالمنسيِّ، وقال ابن إدريس: لو كان المنسيُّ التشهُّد الأخير بطلت، وهو تحكُّم)

المعروف بين الأعلام: ترتُّب الوجهَيْن المتقدِّمَيْن في صلاة الاحتياط على الأجزاء المنسيَّة، فلو فاتته السَّجْدَة أو التشهُّد أو أبعاضه ففعل المنافي قبل الإتيان بها، ففيه الوجهان المتقدِّمان في صلاة الاحتياط.

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: (وأَولى بالبطلان عند بعضهم للحكم بالجزئيَّة هنا يقيناً...).

وأمَّا ابن إدريس(رحمه الله)، فقد فصَّل بين التشهُّد الأوَّل والتشهُّد الأخير، قال(رحمه الله) في السَّرائر: (لو تخلَّل الحدث بين الصَّلاة والتشهُّد الأوَّل لم تبطل الصَّلاة؛ لخروجه عنها بالتسليم، ولو تخلَّل بينها وبين التشهُّد الثاني بطلت؛ لأنَّ قضيَّة السَّلام الصَّحيح أن يكون بعد التشهُّد، فوقوعه قبله كلا سلام، فيكون حدثه قد صادف الصَّلاة فتبطل...).

أقول: مقتضى الإنصاف هو عدم بطلان الصَّلاة بتخلُّل الحدث بينها وبين الجزء المنسيِّ -على القول: بوجوب قضائه-؛ وذلك لإطلاق الأمر بالقضاء الدَّالة على الصِّحَّة وإنْ تخلَّل الحدث.

وأمَّا القول: بأولويَّة البطلان هنا للحكم بالجزئيَّة هنا ففي غير محلِّه؛ إذ لا ريب في خروجه عن محض الجزئيَّة، ولولا ذلك لبطلت الصَّلاة بتخلُّل الأركان بين محلِّها وتلافيها.

وأمَّا وجوب الإتيان به بعد الصَّلاة، فهو حكم آخر دلَّ عليه الدَّليل، كما في السَّجْدَة المنسيَّة.

وأمَّا بالنسبة للتشهُّد، فقد عرفت حاله.

وبالجملة، فإنَّ الشَّارع المقدَّس قد أوجب فِعْلها بعد الانصراف من الصَّلاة بعنوان كونها قضاءً، وهذا دليل على عدم إرادة ضمِّها إلى سائر الأجزاء؛ وإذا لم تتصف بالجزئيَّة فلا مانع حينئذٍ من تخلُّل الحدث.

لا يقال: إنَّ وجوب إتيانها فوراً بعد الصَّلاة -بلِ ادَّعى المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى الإجماع عليه- يدلُّ على الجزئيَّة؛ لأنَّ معنى الفوريَّة ليست إلَّا موالاة لحوق الأجزاء بعضها ببعض، وليست الفوريَّة فوريَّةً تعبديَّةً، نحو سجدتي السَّهو التي لا ربط لهما بالصَّلاة، بحيث لو تركهما عمداً لم تبطل صلاته، وإنْ أثم.

فإنَّه يقال: إنَّ ما ذكره لا يصلح دليلاً لإثبات الجزئيَّة؛ إذ لا مانع شرعاً من كونها تتمَّةً للصَّلاة السَّابقة تشاركها في تحصيل الغرض المقصود منها، وإن تخلَّل الحدث بينهما.

وإن شئت فقل: إنَّه بالتسليم يفرغ من الصَّلاة؛ لأنَّ الشَّارع المقدَّس جعله تحليلاً، وبه يتحقَّق الانصراف من الصَّلاة.

وقد روى الفريقان عن النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله) أنَّه قال لمَّا سئل عن الصَّلاة: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، وهذا يختلف عمَّا ذكرناه في صلاة الاحتياط، فراجع ما ذكرناه من التفصيل.

وممَّا يشهد لِعدم اتِّصال الأجزاء المنسيَّة بالصَّلاة جملة من الرِّوايات:

منها: موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام -في حديث- (أنَّه سأل عَنِ الرَّجُلِ يَنْسَى سَجْدَةً، فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا قَامَ وَرَكَعَ، قَالَ: يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَسْجُدُ حَتَّى يُسَلِّمَ، فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ مِثْلَ مَا فَاتَهُ؛ قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَقْضِي مَا فَاتَهُ إِذَا ذَكَرَهُ)(1).

__________________

(1) الوسائل باب14 من أبواب السُّجُود ح2.

 

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام (فِي الرَّجُلِ يَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَقَدْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ حَتَّى يَنْصَرِفَ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ قَرِيباً رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَتَشَهَّدَ، وَإِلَّا طَلَبَ مَكَاناً نَظِيفاً فَتَشَهَّدَ فِيهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا التَّشَهُّدُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ)(1).

والمراد بالسنة: ما علم وجوبه من جهة السّنة، لا من القرآن الكريم، كما يوضحه صحيحة زرارة المذكورة في أكثر من مناسبة (لا تُعَادُ الصَّلاةُ إلَّا مِنْ خَمْسَةٍ -إلى أن قال:- والقراءة سنَّة، والتشهُّد سنَّة، ولا تنقضِ السُّنَّة الفريضة)(2).

ويستفاد من هاتين الرِّوايتين عدمُ اتِّصال الأجزاء المنسيَّة بالصلاة، فإنَّه يقضي السَّجْدَة والتشهُّد، ولو مع الفَصْل الطَّويل، أو الفِعْل الكثير الماحي لصورة الصَّلاة.

والخلاصة في نهاية المطاف: أنَّ تخلُّل الحدث بين السَّجْدَة والتشهُّد المنسيَيْن، وبين الصَّلاة، لا يبطلها، والله العالم.

    

قوله: (ولو أحدث بعد السُّجود قبل التشهُّد الثاني، فالمشهور: البطلان، واجتزأ الصَّدوق بالطَّهارة، وفِعْلِه في مجلسه؛ لِرواية عُبَيد بن زرارة عنهما(عليهما السَّلام)، وخيَّر فيها بين الجلوس في مكانه أو غيره)

ذهب جلُّ العلماء إلى بطلان الصَّلاة بالحدث بعد السُّجُود وقبل التشهُّد الثاني، وحُكِي عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) أنَّه قال: (إنَّ الحدث الواقع بعد رفع الرَّأس من السَّجْدَة الأخيرة لا يبطل الصَّلاة).

قال في الفقيه: (إن رفعتَ رأسك من السَّجْدَة الثانية في الرَّكعة الرَّابعة وأحدثتَ، فإن كنتَ قلتَ: الشَّهادتين، فقد مضتْ صلاتُك، وإن لم تكن قلتَ: ذلك، فقد مضتْ صلاتُك، فتوضَّأ ثمَّ عُدْ إلى مجلسك فتشهَّد).

وعن صاحب البحار (رحمه الله) أنَّه قال -بعد نَقْل قول الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)-: (ويشمل ظاهر كلامه العَمْد أيضاً، ولا يخلو من قوَّة).

أقول: تعرّضنا لهذه المسألة سابقاً عند قول المصنِّف(رحمه الله) في مبحث القواطع: (ولا يُبطِل الصَّلاة مُبطِل الطَّهارة، وإن كان سهواً، على الأصحِّ).

وقلنا: يقع البحث في خمسة أمور، وذكرنا هذه المسألة -أي مسألة الحدث- بعد السُّجود وقبل التشهُّد الثاني في الأمر الخامس، وذكرنا أربع روايات لما ذهب إليه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، منها موثقتان لعبيد بن زرارة -نذكر واحدةً منهما- (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: الرَّجُلُ يُحْدِثُ بَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ الْأَخِيرِ، فَقَالَ: تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا التَّشَهُّدُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَيَتَوَضَّأُ وَيَجْلِسُ مَكَانَهُ، أَوْ مَكَاناً نَظِيفاً، فَيَتَشَهَّدُ)(3).

وذكرنا هناك أنَّه عندنا قرائن عديدة توجب الاطمئنان أو القطع بأنَّ هذه الرِّوايات التي استُدلَّ بها لِمَا ذهب إليه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) محمولة على التقيَّة:

منها: أنَّها موافقة لِمَا ذهب إليه أبو حنيفة أيضاً من الخروج من الصَّلاة بالحدث.

ومنها: أنَّها اشتملت على الخروج والرُّجوع إلى مكان الصَّلاة من مسجد أو غيره المستلزم لجلّ منافيات الصَّلاة من الفعل الكثير الماحي لصورة الصَّلاة المستلزم لاستدبار القبلة اللذين هما من القواطع.

ومنها: غير ذلك، ذكرناها هناك.

والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه مشهور الأعلام هو الصَّحيح، فراجع ما ذكرناه هناك(4).

_____________________

(1) الوسائل باب7 من أبواب التشهُّد ح2.

(2) الوسائل باب7 من أبواب التشهُّد ح1.

(3) الوسائل باب13 من أبواب التشهُّد ح2.

(4) مسالك النفوس، الصَّلاة: م5 / ص102 إلى 106.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo