< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(51)

 

والخلاصة: أنَّ المراد من قدر التشهُّد في هذه الرِّوايات هو التشهُّد الفعلي الخارجي الصَّادر من المكلَّف مع التسليم، فتكون الرَّكعة الزَّائدة حاصلةً بعد الفراغ من الصَّلاة، لا في أثنائها.

ونُدْرة ذلك ليست بأظهر من نُدْرة الجلوس ساكتاً قدر التشهُّد.

ثمَّ إنَّه ممَّا يشهد لحمل قدر التشهُّد في الرِّوايات المتقدِّمة على التشهُّد الفعليّ جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجاج (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه‌السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ -وَهِيَ لَهُ الْأُولى- كَيْفَ يَصْنَعُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ؟ قَالَ: يَتَجَافى وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ، فَإِذَا كَانَتِ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ -وَهِيَ لَهُ الثَّانِيَةُ- فَلْيَلْبَثْ قَلِيلاً إِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِقَدْرِ مَا يَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يَلْحَقُ بِالْإِمَامِ...)(1)؛ فإنَّه لا إشكال في أنَّ المراد من هذه العبارة أنَّ اللَّبث وقع للتشهُّد بالفعل، لا بقدره.

ومنها: حسنة الفُضَيل بن يسار عن أبي جعفر ’ (قَالَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، ثُمَّ يَنْسى، فَيَقُومُ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: فَلْيَجْلِسْ مَا لَمْ يَرْكَعْ وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ...)(2).

ومنها: موثَّقة سماعة (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي، فَخَرَجَ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى الرَّجُلُ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ إِمَاماً عَدْلاً، فَلْيُصَلِّ أُخْرى وَيَنْصَرِفُ، وَيَجْعَلُهُمَا تَطَوُّعاً، وَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ عَدْلٌ، فَلْيَبْنِ عَلى صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ، وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرى مَعَهُ يَجْلِسُ قَدْرَ مَا يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، ثُمَّ لْيُتِمَّ صَلَاتَهُ مَعَهُ عَلى مَا اسْتَطَاعَ...)(3)، ومضمرات سماعة مقبولة، لِما عرفت في أكثر من مناسبة؛ إلى غير ذلك من الرِّوايات الدَّالة على أنَّ المراد من الجلوس قدر التشهُّد هو التشهُّد الفعليّ.

والخلاصة: أنَّ هذا الجواب الثاني أيضاً صحيح.

والنتيجة في نهاية المقام: هو ما ذهب إليه المشهور من القول بالبطلان، والله العالم.

ثمَّ إنَّه بناءً على القول بالصّحَّة لدى الجلوس عَقِيب الرَّابعة بقدر التشهُّد، فهل يتعدَّى الحكم إلى غير الرُّباعية من الثلاثيَّة والثنائيَّة إذا جلس آخرها بقدر التشهُّد، وهل يُتعدَّى أيضاً إلى زيادة ركعتين فما زاد، أم لا؟

اختار المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى التعدية فيهما، حيث قال: (ويتفرَّع على ذلك انسحاب الحكم إلى زيادة أكثر من واحدة، والظَّاهر أنَّه لا فرق لتحقُّق الفَصْل بالتشهُّد على ما اخترناه، وبالجلوس على القول الآخر، وكذا لو زاد في الثُّنائيَّة أو الثلاثيَّة...).

وذكر الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الرَّوض أنَّ هناك وجهين: (مِنَ المساواة في العلَّة؛ ومخالفة المنصوص الثابت على خلاف الأصل... إلخ ).

والإنصاف -بناءً على الاكتفاء بمجرد الجلوس قدر التشهُّد-: هو الاقتصار على مورد النَّصّ؛ لأنَّ هذه الرِّوايات على خلاف القاعدة الشرعيَّة، فالواجب الاقتصار على موردها، وهو المخالفة في الرَّكعة الواحدة في الصَّلاة الرُّباعيَّة.

    

قوله: (ولو تلافى السَّجدة المنسيّة قبل ركوعه وجب الجلوس، ثمَّ السٌّجود، ما لم يكن قد جلس بعد السَّجدة الأولى؛ و لو نوى بها الاستراحة ففي إجزائها نظر، أقربه: الإجزاء؛ و في المبسوط نفي وجوب الجلوس هنا مطلقاً)

ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل سابقاً عند قول المصنِّف : (ولا نسيان سجدتين إذا ذكر بعد قيامه ولَمَّا يركع، خلافاً لابن إدريس...)، فراجع ما ذكرناه هناك عند قولنا: (ثمَّ المعروف بين الأعلام أيضاً أنَّه لا إشكال في عدم وجوب الجلوس قبل السُّجود المتدارك، حيث يكون المنسيُّ السَّجدتين، بل وكذا إذا كان...).

    

قوله: (ولو نسي بعض التشهُّد فعاد له، فالأقرب: إجزاء المنسيّ، ويحتمل الاستئناف تحصيلًا للموالاة، و يضعَّف إذا كان المنسيُّ الصَّلاة على النبيّ وآله، فإنَّ قضاءها بعد التسليم منفردةً يستلزم انفرادها هنا بطريق الأَولى)

إذا نسي بعض التشهُّد، وتذكر قبل أن يركع، فعاد له فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ الأقرب: الاكتفاء بالإتيان بالجُزء المنسيّ، ولا يجب إعادة التشهُّد من أوَّله.

نعم، يحتمل استئناف التشهُّد لأجل الموالاة بين أجزائه.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ الرُّجوع والإتيان بالجُزء المنسيِّ فقط لا يخلُّ بالموالاة.

ومن هنا، لو كان المنسيُّ الصَّلاة على النَّبيّ وآله، فإنَّ المشهور بين الأعلام هو قضاؤها بعد التسليم منفردةً، أي لا يجب معها قضاء التشهُّد.

وهذا يدلّ على عدم الإخلال بالموالاة، وإذا كان الأمر كذلك فالاكتفاء هنا بالإتيان بالجُزء المنسيِّ وحده يكون من باب أَولى، كما لا يخفى؛ هذا إذا قلنا: بوجوب قضاء الصَّلاة على النَّبيّ وآله المنسيَّة.

وإلَّا فقد عرفت أنَّ الأقرب عندنا: عدم وجوب قضائها، فراجع ما ذكرناه عند قول المصنِّف سابقا: (ويقضى بعد التسليم التشهُّد، والسَّجدة، والصَّلاة على النَّبيِّ وآله عليهم السَّلام...).

    

قوله: (وأنكر ابن إدريس قضاءها بعد الصَّلاة؛ لِعدم النَّصِّ)

ما ذكره ابن إدريس (رحمه الله) من عدم وجوب القضاء هو الصَّحيح، فراجع ما ذكرناه من الأدلَّة ومناقشتها.

    

قوله: (ولا تغني المرغمتان عن قضاء التشهُّد المنسيّ ، خلافًا للصَّدوق)

حُكِي عن الصَّدوقَيْن (رحمهما الله) والشَّيخ المفيد (رحمه الله) في العِزِّيَّة القول: بأنَّه يجزئ التشهُّد الذي في سجدتي السَّهو عن قضاء التشهُّد المنسيِّ؛ واختار هذا القول صريحاً صاحب الحدائق (رحمه الله)، فراجع ما ذكرناه في مبحث قضاء التشهُّد.

    

قوله: (ولو نسي التشهُّد الثاني قضاه، كالأوَّل)

ذكرنا سابقاً عند الكلام عن قضاء التشهُّد أنَّ المنسيّ إن كان هو التشهُّد الأخير رجع وأتى به، وهذا ليس قضاءً بالمعنى المصطلح عليه.

وكذا إذا كان التشهد هو التَّشهُّد الأوَّل، وذَكَره قبل الرُّكوع، وإن ذَكَره بعده فليس عليه إلَّا سجود السَّهو.

نعم، الأحوط استحباب قضاء التَّشهُّد، والله العالم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo