< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(50)

 

ومنها: رواية محمد بن مسلم (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السَّلام) عَنْ رَجُلٍ اسْتَيْقَنَ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ أَنَّهُ صَلَّى خَمْساً؟ قَالَ: وَكَيْفَ اسْتَيْقَنَ؟ قُلْتُ: عَلِمَ، قَالَ: إِنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ فَصَلَاةُ الظُّهْرِ تَامَّةٌ، وَلْيَقُمْ فَلْيُضِفْ إِلَى الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ رَكْعَةً، وَسَجْدَتَيْنِ، فَيَكُونَانِ رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً، وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ‌)(1)، وهي ضعيفة؛ لعدم وثاقة محمَّد بن عبد الله بن هلال، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لِعدم كونه من المشايخ المباشرين.

ومنها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَالَ:‌ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْساً؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَا يَدْرِي‌ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ أَمْ لَمْ يَجْلِسْ فَلْيَجْعَلْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْهَا الظُّهْرَ، وَ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَهُوَ جَالِسٌ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، فَيُضِيفُهُمَا إِلَى الْخَامِسَةِ فَتَكُونُ نَافِلَةً)(2).

قال صاحب الحدائق (رحمه الله) -بعد نقل هذه الصَّحيحة-: (ولا يخفى ما في مضمون هذا الخبر من المخالفة لما عليه الأصحاب، أمَّا أوَّلاً فإنَّ ظاهر الرِّواية أنَّ الشَّكّ في الجلوس وعدمه حكمه حكم الجلوس المحقّق في صحَّة الصَّلاة على القول به، ولا قائل به في ما أعلم، إلَّا أنَّه ربَّما كان في إيراد الصَّدوق هذه الرِّواية إشعار بالقول بذلك، بناءً على قاعدته التي مهَّدها في صدر كتابه؛ وفيه تأمُّل، كما لا يخفى على مَنْ راجع كتابه، وعلم خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة ...).

أقول: الذي يهوِّن الخطب في المقام أنَّه سيتضح لك -إن شاء الله تعالى- أنَّ الصَّلاة تبطل بزيادة الرَّكعة سهواً حتَّى مع العلم بتحقُّق الجلوس عَقِيب الرَّابعة بقدر التشهُّد، فضلاً عن الشَّكّ في الجلوس.

وقد يجاب عن هذه الرِّوايات -مع الطَّعن في سند بعضها-: بأنَّها موافقة للعامَّة، فتُحْمل على التقيَّة، فإنَّها -على ما نقل عنهم- ما بين قائل بعدم بطلان الصَّلاة بزيادة الخامسة مطلقاً، ومفصِّل بين ما لو جلس عَقِيب الرَّابعة وعدمه.

_______

(1)و(2) الوسائل باب19 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5و7

 

قال في محكي البحار ناقلاً عن شارح السُّنة أنَّه (قال في شرح السّنة: أكثر أهل العلم على أنَّه إذا صلَّى خمساً ساهياً فصلاته صحيحة يسجد للسَّهو، وهو قول علقمة والحسن البصري وعطاء والنخعي، وبه قال الزُّهري ومالك والْأَوْزَاعِيّ والشَّافعي وأحمد وإسحاق؛ وقال سفيان الثَّوريّ: أنَّه إن لم يكن قعد في الرَّابعة يعيد الصَّلاة، وقال أبو حنيفة: إن لم يكن قعد في الرَّابعة فصلاته فاسدة يجب إعادتها، وإن قعد في الرَّابعة، ثمَّ زاد، فالخامسة تطوُّع، يضيف إليها ركعةً أخرى، ثمَّ يتشهَّد ويسلِّم ويسجد للسَّهو).

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ موافقة هذه الرِّوايات لسفيان الثَّوريّ وأبي حنيفة لا يوجب ترجيح الرِّوايات السَّابقة التي استدلّ بها المشهور على البطلان؛ لأنَّ الترجيح بمخالفة العامَّة إنَّما يصحّ إذا استقرّ التَّعارض بين الرِّوايات، ولم يمكن الجمع العرفي بينها.

وبعبارة أخرى: أنَّ الرُّجوع إلى المرجِّحات في باب التَّعارض إنَّما هو إذا كان بين الرِّوايات نسبة التباين أو العموم والخصوص من وجه.

وأمَّا ما نحن فيه فالنسبة بينها هي الإطلاق والتقييد؛ لأنَّ الرِّوايات السَّابقة التي استدلَّ بها المشهور على البطلان مطلقة، سواء قعد بعد الرَّابعة بقدر التشهُّد أم لا؛ وهذه الرِّوايات فصَّلت بين الحالتين، فتكون مقيِّدةً لتلك.

والنتيجة: هي البطلان إن لم يقعد، وأمَّا إذا قعد بعد الرَّابعة بقدر التشهُّد فتصحّ.

والإنصاف: أن يجاب عن هذه الرِّوايات بجوابين كلّ منهما صحيح في حدِّ نفسه:

الأوَّل -مضافاً لِضعف سند بعضها، واشتمالها على مخالفة القواعد في المسألة من انعقاد الركعتين نافلة بغير نيَّة، ولا تكبيرة إحرام-: هو أنَّ جميع المتقدِّمين أعرضوا عنها؛ إذ لم ينقل القول بمضمونها عن أحد من المتقدِّمِين، عدا ابن الجنيد والشَّيخ في التهذيب مع تصريحه في سائر كتبه بخلافه، بل عنه في كتاب الخلاف: (عندنا أنَّه لا بدَّ من التشهُّد؛ ولا يكفي الجلوس بمقدار، وإنَّما يعتبر ذلك أبو حنيفة).

وعليه، فالشَّيخ (رحمه الله) في الواقع غير قائل بمضمونها، فلم يبقَ إلَّا ابن الجنيد، ومخالفته على تقديرها لا تضرّ لاسيَّما أنَّه متأثِّر في بضع ما كان عليه سابقاً.

ومن هنا، يمكن القول: بأنَّ جميع المتقدِّمِين أعرضوا عنها؛ وقد عرفت أنَّ إعراض جميع المتقدِّمِين يوجب سقوطها عن الحجيَّة، وهذا غير إعراض المشهور منهم، فإنَّ إعراض المشهور لا يوجب الوهن، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة.

وأمَّا اعتماد جملة من المتأخِّرين على هذه الرِّوايات فلا أثر له.

وعليه، فلا إشكال في المقام؛ إذ تكون الرِّوايات السَّابقة المطلقة الدالَّة على البطلان بزيادة الرَّكعة أو مطلق الزِّيادة بلا معارض.

الجواب الثاني: هو أنَّه لو قطعنا النَّظر عن الجواب الأوَّل -أي إعراض جميع المتقدِّمِين عن مضمونها- فيمكن القول: بأنَّ هذه الرِّوايات محمولة على ما هو المتعارف من أنَّه إذا جلس عقيب الرَّابعة يكون مشغولاً بالتشهُّد والتسليم؛ إذ من المستبعد جدّاً بقاؤه جالساً بدون التشهُّد والتسليم، فلا إشكال حينئذٍ؛ لأنَّ الإتيان بالرَّكعة بعد تحقُّق الانصراف والخروج عن الصَّلاة بالسَّلام غير مبطل للصّلاة؛ لِعدم تحقُّق مفهوم الزِّيادة بعد أن علم من الشَّارع المقدَّس أنَّ السَّلام مانع عن انضمام لاحقه إلى سابقه.

وعليه، فلا منافاة بين الرِّوايات حينئذٍ.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo