< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(49)

 

(الدرس 53)لو زاد خامسةً سهواً، فالمشهور البطلان مطلقاً؛ وفي صحيح جميل عن الصَّادق(عليه السَّلام): تصحُّ الصَّلاة إنْ كان قد جلس عَقِيب الرَّابعة، بقدر التشهُّد؛ وفي تعدِّي الحكم إلى غير الرُّباعيَّة، أو إلى زيادة ركعتين فما زاد، نَظَرٌ(1)________________

(1) المشهور بين الأعلام أنَّ الصَّلاة تبطل بزيادة الرَّكعة سهواً، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: (والأكثرون أطلقوا البطلان بالزِّيادة...).

ومقتضى هذا الإطلاق: عدم الفرق بين أن يجلس عَقِيب الرَّابعة بقدر التشهُّد أم لا.

ومقتضاه أيضاً: عدم الفرق بين التشهُّد وعدمه، والرُّباعية وغيرها.

وعن مصابيح الظَّلام: (أنَّ المشهور البطلان، من غير فرق بين الرُّباعيَّة وغيرها، وبين زيادة ركعة أو أزيد، وبين أن يكون قد جلس بقدر التشهُّد أو لا).

ولكن حُكِي عن جملةٍ من المتقدِّمِين -كابن الجنيد والشَّيخ في التهذيب (رحمهما الله)- وجملةٍ من المتأخِّرِين -كالمحقِّق في المعتبر، والعلَّامة في جملةٍ من كُتُبه، والمصنِّف في الألفيَّة (رحمهم الله)- وجملةٍ من متأخِّرِي المتأخِّرِين، أنَّه إذا جلس عَقِيب الرَّابعة بقدر التشهُّد لم تبطل صلاته.

بل مقتضى بعض أدلَّتهم التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- عدم اختصاصه بالرُّباعية، ولا بزيادة ركعة واحدة؛ بل مطلق الزِّيادة، ركعةً كانت أو ركوعاً أو سجوداً؛ في كلِّ صلاة، ثنائيَّةً كانت أم ثلاثيَّةً أم رباعيَّةً إذا جلس عقيب الرَّكعة الأخيرة منها بقدر التشهُّد، فلا تبطل صلاته حينئذٍ.

وقال ابن إدريس(رحمه الله) في السَّرائر: (مَنْ صلَّى الظُّهر مثلاً أربع ركعات، وجلس في دُبُر الرَّابعة فتشهَّد لها، وصلّى على النَّبي وآله(عليهم السَّلام) ، ثمّ قام ساهياً عن التسليم، فصلَّى ركعةً خامسةً، فعلى مذهب مَنْ أوجب التسليم فالصَّلاة باطلة؛ وعلى مذهب مَنْ لم يوجبه، فالأَولى أنْ يُقال: الصَّلاة صحيحة، لأنّه ما زاد في صلاته ركعةً، لأنَّه بقيامه خرج من صلاته؛ وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره، ونعم ما قال).

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ هناك تسالماً بين الأعلام جميعاً على البطلان إذا لم يجلس عَقِيب الرَّابعة، بأنْ قام مباشرةً إلى الخامسة، وفي التحرير: (أنَّها باطلة قولاً واحداً).

ومهما يكن، فقدِ استُدلَّ للمشهور القائل بالبطلان مطلقاً بجملة من الرِّوايات:

منها: موثَّقة أبي بصير (قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(عليه السَّلام): مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ)(1)، وهي بإطلاقها تشمل ما نحن فيه.

ومنها: حسنة زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر(عليه‌السَّلام) (قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَةِ، لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا، وَاسْتَقْبَلَ صَلَاتَهُ اسْتِقْبَالاً إِذَا كَانَ قَدِ اسْتَيْقَنَ يَقِيناً)(2).

قال صاحب الوسائل: (محمَّد بن الحسن بإسناده عن محمَّد بن يعقوب مثله).

ولكن في التهذيب والاستبصار لا يوجد لفظ : (ركعة) بعد المكتوبة.

وبناءً على عدم وجودها، فتكون دالَّةً على ما نحن فيه بالإطلاق.

______________

(1)و(2) الوسائل باب19 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2و1.

 

ومنها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله ’ (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فَذَكَرَ أَنَّهُ زَادَ سَجْدَةً، قَالَ: لَا يُعِيدُ صَلَاةً مِنْ سَجْدَةٍ، وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ)(1).

والقول: إنَّ المراد بالرَّكعة هنا هو الرُّكوع، لا يضر بالاستدلال؛ لأنَّه إذا بطلت بزيادة الرُّكوع فبطلانها بزيادة الرَّكعة يكون بالأولويَّة، لاشتمال الرَّكعة على الرُّكوع والسُّجود، ونحوهما.

ونحوها موثَّقة عبيد بن زرارة (قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) عَنْ رَجُلٍ شَكَّ، فَلَمْ يَدْرِ أَسَجَدَ ثِنْتَيْنِ أَمْ وَاحِدَةً، فَسَجَدَ أُخْرَى، ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ زَادَ سَجْدَةً؟ فَقَالَ: لَا وَ اللَّهِ، لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ زِيَادَةُ سَجْدَةٍ، وَقَالَ: لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ مِنْ سَجْدَةٍ، وَيُعِيدُهَا مِنْ رَكْعَةٍ)(2)، ودلالته كالسَّابقة، كما عرفت.

ومنها: مضمرة الشحَّام (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ صَلَّى الْعَصْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ أَوْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى خَمْساً أَوْ سِتّاً فَلْيُعِدْ...)(3)، ولكنَّها ضعيفة بأبي جميلة، وبالإضمار.

وأمَّا القول الآخر الدَّالّ على الصَّحّة إذا جلس عَقِيب الرَّابعة بقدر التشهُّد فقدِ استُدلَّ له بأمرَيْن:

الأوَّل: بما ذكره المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، بأنَّه إذا جلس قدر التشهُّد فقد فَصَل بين الفَرْض والزِّيادة.

وحاصل ما ذكره: أنَّه لا تتحقَّق الزِّيادة بعد الفَصْل بين الصَّلاة المأتي بها، والرَّكعة الخامسة، بقدر التشهُّد.

ويرد عليه: أنَّ هذا القدر من الفصل لا يمنع من صدق الزِّيادة في الصَّلاة؛ ولو كان الجلوس بهذا القدر مُفرِغاً من الصَّلاة، وإنْ لم يتشهد، لَمَا وجب عليه التدارك قبل الرُّكوع إذا نسي التشهُّد.

وبالجملة، كيف يكون الجلوس الذي هو واجب عليه مخرجاً له عن الصَّلاة، مع أنَّه لو سها عن التشهُّد مع الجلوس بقدره، ثمَّ ذكر قبل أن يقوم، لا إشكال في وجوب التشهد عليه على وجه التدارك.

والخلاصة : أنَّ هذا الدليل ليس بتامٍّ.

الأمر الثاني: الرِّوايات الواردة في المقام:

فمنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر ’ (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى خَمْساً؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)(4).

ومنها: رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله ’ (أَنَّهُ قَالَ‌ -فِي رَجُلٍ صَلَّى خَمْساً-: إِنَّهُ إِنْ كَاْنَ جَلَسَ فِي الرَّابِعَةِ قدَرَ التَّشَهُّدِ فَعِبَادَتُهُ جَائِزَةٌ)(5)، وقد عبَّر عنها الأعلام بالصَّحيحة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يوجد للشَّيخ الصَّدوق(رحمه الله) في المشيخة طريق إلى خصوص جميل بن دراج، والموجود فيها طريق صحيح إلى جميل بن درَّاج، ومحمَّد بن حمران معاً اللذَيْن لهما كتاب مشترك.

ولا يلزم من صحَّة الطَّريق إليهما صحَّته إلى كلٍّ منهما على نحو الانفراد؛ لإمكان تعدُّد الطَّريق، إذ قد يذكر طريقه إلى شخص، ثمَّ يذكر طريقاً آخر إلى شخصَيْن أو أكثر يشتمل على ذلك الشَّخص أيضاً.

والخلاصة: أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال؛ ودلالتُها كدلالةِ صحيحة زرارة المتقدِّمة.

______________

(1)و(2) الوسائل باب14 من أبواب الركوع ح2و3

(3) الوسائل باب19 من أبوب الخلل الواقع في الصَّلاة ح3.

(4)و(5) الوسائل باب19 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4و6.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo