< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(46)

 

ولا يُجزِئ التسبيح، خلافاً للمفيد وابن إدريس(1)

__________________

(1) قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (هل يجزئ فيه التسبيح؟ الأكثر: على اعتبار الحَمْد، ولم يذكروا التسبيح، وأثبت التخيير المفيد وابن إدريس، والذي في صحيح ابن مسلم عن الصَّادق (عليه السَّلام): فيصلِّي ركعتين بفاتحة الكتاب؛ وكذا في صحيح ابن أبي يعفور عنه (عليه السَّلام)، وزرارة عن أحدهما (عليه السَّلام)، وكثير من الأخبار؛ نعم، في بعضها إطلاق الصَّلاة مع العلم بأنَّها شُرِّعتْ للبدليَّة، فيمكن ثبوت التخيير فيها كالمبدَل، وهو اعتبار مرغوب عنه، مع عدم تيقن البراءة به).

أقول: الأكثر على تعيُّن الفاتحة، وفي الجواهر: (كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، شهرةً كادت تكون إجماعاً...).

ثمَّ إنَّ الدَّليل على ما ذكره الأكثر هو الأمر بها في الرِّوايات المتقدِّمة، وهي كثيرة، وهو ظاهر في التعيُّن.

وأيضاً الأدلَّة ظاهرة في كونها صلاةً منفردةً، ولا صلاةَ إلَّا بفاتحة الكتاب، كما في الرِّوايات الكثير.

وأمَّا القول: بالتخيير بين قراءة الفاتحة والتسبيح، فقد عرفت أنَّه للشيخ المفيد وابن إدريس (رحمهما الله).

وقد يستدل لهما: بأنَّ الاحتياط قائم مقام الرِّكعتين الأخيرتَيْن، فيثبت فيه التخيير، كما يثبت في مبدله، وقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى أنَّه اعتبار مرغوب عنه.

أقول: بل عند التأمل هو اجتهاد في مقابل النصِّ، والله العالم.

 

-------------------

الخامس: لا تبطل الصَّلاة بتخلُّل المنافي بينه وبين الصَّلاة، وفاقاً لابن إدريس، وظاهر الأخبار يقتضي البطلان؛ نعم، لو تبيَّن النقصان فالأقرب: البطلان(1)

__________________

(1) قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: (ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب تعقيب الاحتياط للصَّلاة من غير تخلُّل حدث أو كلام أو غيره، حتى ورد وجوب سجدتي السَّهو للكلام قبله ناسياً، كما مر؛ و قال ابن إدريس: لا تفسد الصَّلاة بالحدث قبله؛ لخروجه من الصَّلاة‌ بالتسليم، وهذا فَرْض جديد، و هو ضعيف؛ لأنَّ شرعيَّته ليكون استدراكاً للفائت من الصَّلاة، فهو على تقدير وجوبه جُزء من الصَّلاة، فيكون الحدث واقعاً في الصَّلاة فيبطلها).

أقول: إذا تخلَّل المنافي بين الصَّلاة وصلاة الاحتياط، فهناك ثلاثة أقوال:

الأوَّل: أنَّ الصَّلاة تبطل ويسقط الاحتياط، وربَّما نُسِب هذا القول إلى الأكثر، ونسبه في المصابيح إلى المشهور.

الثاني: أنّها لا تبطل بتخلُّل الحدث، فضلاً عن غيره من المنافيات، ذهب إليه جماعة من الأعلام، منهم ابن إدريس والعلامة في بعض كتبه، والشَّهيد الثاني، وجماعة من متأخري المتأخِّرين (رحمهم الله).

الثالث: ما ذهب إليه المصنِّف (رحمه الله) هنا من التفصيل بين تبيُّن النقصان وعدمه، فتبطل الصَّلاة في الأوَّل دون الثاني.

أقول: أمَّا القول الأخير، فلا دليل عليه، كما سيتضح لك -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا القولان الأوَّلان: فمبنيان على ما يفهم من الرِّوايات الواردة في المقام، والمحتمل فيها ثلاث معانٍ:

الأوَّل: انقلاب الحكم الواقعي من الصَّلاة الرُّباعيَّة التي اشتغلت بها الذمَّة قبل عروض الشَّكّ إلى حكمَيْن واقعيَيْن:

أحدهما: الصَّلاة التي بُنِي فيها على الأكثر.

وثانيهما: صلاة الاحتياط.

فيكون مكلَّفاً في الواقع بعد عروض الشَّكّ بتكليفَيْن واقعيَيْن -وهما الصَّلاة التي بني فيها على الأكثر، وصلاة الاحتياط- لا يرتبط أحدهما بالآخر، كما في صلاة جعفر (عليه السَّلام)، القائمة بصلاتين مستقلَّتَيْن، كلُّ واحدة منهما ركعتان.

المعنى الثاني: هو أيضاً انقلاب للحكم الواقعي من الصَّلاة الرُّباعية التي اشتغلت بها الذمَّة قبل عروض الشَّكّ إلى حكم واقعي آخر، لا إلى حكمين كما في المعنى الأوَّل.

وهذا الحكم الواقعي الآخر هو عبارة عن كون الصَّلاة مركبةً من الصَّلاة التي بني فيها على الأكثر، ومن صلاة الاحتياط، فتكون صلاة الاحتياط جزءاً حقيقيّاً للصَّلاة المأمور بها على تقدير النقص، وليست صلاة مستقلِّةً عن الصَّلاة التي بُنِي فيها على الأكثر، كما في المعنى الأوَّل.

المعنى الثالث: بقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه قبل عروض الشَّكّ، فلا انقلاب فيها حقيقةً ولا تغيُّر، فالصّلاة الرُّباعية باقية في ذمَّته، ولم يخرج عنها بالتسليم.

وغاية ما هنالك: أنَّ الرِّوايات دلَّت على أنَّ صلاة الاحتياط تكون مجزءةً عن الرَّكعة المتَّصلة الباقية في ذمَّته، أو عن الرَّكعتَيْن المَّتصلتَيْن الباقيتَيْن في ذمَّته، بلا انقلاب حقيقي في الحكم الواقعي.

نعم، هناك انقلاب ظاهري، حيث دلَّت الرِّوايات على كون صلاة الاحتياط بمنزلة الجُزء الحقيقي، وليست جزءًا حقيقيّاً، كما في المعنى الثاني.

ولا يخفى عليك أنَّ القول: بعدم البطلان - كما ذهب إليه ابن إدريس، وجماعة من الأعلام- مبنيّ على المعنى الأوَّل، وهو انقلاب الحكم الواقعي حقيقة إلى حكمَيْن واقعيَيْن، لا يرتبط أحدهما بالآخر.

وعليه، فلا تجب المبادرة إلى صلاة الاحتياط، ولا مانع من إيقاع المنافي بين الصَّلاة التي بُنِي فيها على الأكثر، وبين صلاة الاحتياط.

وهذا بخلاف المعنيَيْن الأخيرَيْن، إذ لا بدَّ من المبادرة إلى صلاة الاحتياط، لئلَّا تفوت الموالاة، كما أنَّه لا يجوز إيقاع المنافي؛ لأنَّه على تقدير النقص يكون المنافي واقعاً في أثناء الصَّلاة فيبطلها.

والخلاصة: أنَّ القول الذي نُسِب إلى الأكثر، وإلى المشهور، مبني على أحد هذين المعنيَيْن.

ثمَّ إنَّ الإنصاف -على ما يفهم من الرِّوايات-: هو المعنى الثالث، أي أنَّ صلاة الاحتياط مجزءة عن الرَّكعة المتَّصلة أو الرَّكعتَيْن المتَّصلتَيْن، مع كون الحكم الواقعي بحاله محفوظاً، ولم يطرأ عليه تبدُّل، ولا تغيُّر.

وهذا بخلاف المعنيَيْن الأوليَيْن؛ إذ فيهما انقلاب حقيقي للحكم الواقعي، والرَّوايات الواردة لا تفي بذلك، فالقول: بالانقلاب الحقيقي خلاف الظَّاهر جدّاً من الرِّوايات.

أنظر إلى قوله (عليه السَّلام) في موثَّقة عمَّار السَّاباطي، حيث ورد في الذَّيْل (فَإِذَا سَلَّمْتَ فَأَتِمَّ مَا ظَنَنْتَ أَنَّكَ قَدْ نَقَصْتَ‌)(1) ، فهل يفهم منها الانقلاب الحقيقي؟ كلا، بل هي ظاهرة في كون صلاة الاحتياط بمنزلة الرَّكعة النَّاقصة أو الرَّكعتَيْن النَّاقصتَيْن.

وكذا غيرها من الرِّوايات، لا سيَّما وأنَّ تبدُّل الحكم الواقعي وتغيُّره ينجرُّ إلى القول بالتصويب الباطل.

والخلاصة: أنَّ ما نُسِب إلى الأكثر تارةً، وإلى المشهور أخرى -من القول بالبطلان- هو الصَّحيح.

ثمَّ إنَّه قدِ استدلَّ للقول بالبطلان بروايتَيْن:

أحدهما: صحيحة ابن أبي يعفور (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه‌السَّلام) عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي رَكْعَتَيْنِ صَلّى أَمْ أَرْبَعاً؟ قَالَ: يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ كَانَ صَلّى أَرْبَعاً كَانَتْ هَاتَانِ نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ صَلّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ هَاتَانِ تَمَامَ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)(2)[1] ، بناءً على إرادة التكلُّم بين الصَّلاتين، فتكون دالَّةً على عدم فراغ ذمَّته من الصَّلاة بمجرد التسليم؛ لجواز نقل الصَّلاة واقعاً المستلزم لكون المكلَّف لا زال في الصَّلاة، ولأجله تجب عليه سجدتا السَّهو لو تكلَّم لوقوعه حينئذٍ في أثناء الصَّلاة حقيقةً.

نعم، قد يشكل بأنَّه لا قرينة على إرادة التكلُّم بين الصَّلاتين، إذ يحتمل أن يكون المراد به التكلُّم أثناء الصَّلاة بعد عروض ، أو التكلُّم سهواً في أثناء صلاة الاحتياط.

اللَّهمَّ إلَّا أن يقال -كما لا يبعد-: إنَّ تعرُّض الإمام (عليه السَّلام) لذِكْر ذلك في المقام من دون مقتضى لذكره بالخصوص ظاهر جدّاً في إرادة التكلُّم بين الصَّلاتين.

ثانيتهما: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ أَرْبَعاً صَلَّيْتَ أَمْ رَكْعَتَيْنِ فَقُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلِّمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلِّمْ وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ، ثُمَّ تُسَلِّمُ بَعْدَهُمَا)(3)[2] ، باعتبار أنَّ الفاء للتعقيب، وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث .

وأمَّا الإشكال: بأنَّ المراد من وجوب التعقيب هو التكليفي، ولا يلزم من ذلك بطلان الصَّلاة بتخلل الحدث.

ففيه: أنَّه خلاف الظَّاهر، بل المراد من وجوب المبادرة هو الوجوب الوضعي، بمعنى أنَّ المبادرة معتبرة في صحة الصَّلاة الاحتياطية، والله العالم بحقائق أحكامه.

_____________

الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

الوسائل باب11 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

الوسائل باب11 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح8.

 


[1] الوسائل باب11 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.
[2] الوسائل باب11 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo