< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(44)

 

أضف إلى ذلك: أنَّ القول بانحلال هذه الصُّور إلى شكَّيْن صحيحَيْن فقط، في غير محلِّه، بل في الصُّورة الأولى والثالثة منهما شكّ آخر مفسد، وهو بين الاثنتين والخمس.

وفي الصورة الثانية معها شك آخر مفسد، وهو بين الثلاث والخمس.

ثمَّ إنَّه بقي من الصُّوَر الأُوَل التي أشار إليها المصنِّف (رحمه الله) صورة واحدة، هي ما لو شكَّ بين الاثنتين والثلاث والخمس، فينبغي على كلام المصنِّف وصاحب الحدائق (رحمه الله) الحكم بالصّحَّة؛ لإطلاق ما دلَّ على حكم الشَّكّ بين الاثنتين والثلاث.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا ينبغي الحكم فيها بالصّحَّة حتَّى على مذهب المصنِّف وصاحب الحدائق (رحمهما الله)؛ لعدم انحلالها إلى شكَّيْن صحيحَيْن، بل تنحلُّ إلى شكٍّ واحد صحيح، وهو ما بين الاثنتين والثلاث، وإلى شكَّيْن فاسدَيْن:

الأوَّل: الشَّكّ بين الثلاث والخمس.

والثاني: الشَّكّ بين الاثنتين والخمس، والله العالم.

-------------------------

أمَّا الشَّكّ بين الاثنتين والخمس: فمبطِل مطلقاً، والشَّكُّ بين الثلاث والخمس كذلك، ما لم يكن قبل الرُّكوع، فيكون شكاً بين الاثنتين والأربع(1)

_______________________

(1) المعروف بين الأعلام أنَّ الشَّكّ بين الاثنتين والخمس مُبطِل للصَّلاة، ولا علاج له في جميع صُوَّره، فلا فرق بين أن يقع الشَّكّ قبل إكمال السَّجدتَيْن -الذي لا إشكال في البطلان فيه- أو بعد الإكمال، وذلك لِعدم إمكان الاحتياط فيه، وعدم ورود دليل على صحَّته بالخصوص.

وأمَّا نصوص البناء على الأكثر مثل موثَّقة عمَّار السَّاباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنَّه قال له: أجمع لك السَّهو كلّه في كلمتين، متى شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلمت فأتمَّ ما ظننتَ أنَّك نقصتَ)(1)([1] )، وكذا غيرها، فلا تشمل ما نحن فيه؛ لاختصاصها -بقرينة الذَّيل- بما إذا كان الأكثر صحيحاً حتَّى يمكن البناء عليه.

وأمَّا هنا، فالبناء على الأكثر يكون مُفسِداً؛ لأنَّ فيه زيادة ركعة.

ثمَّ إنَّه قد يستدلُّ للبناء على الأقلِّ -بعد إكمال السَّجدتين- بدليلَيْن:

الأوَّل: موثَّقة إسحاق بن عمَّار (قال: قال لي أبو الحسن الأوَّل (عليه السَّلام): إذا شككت فابنِ على اليقين، قال: قلتُ: هذا أصل؟ قال: نعم)(2)([2] )، حيث إنَّ المتبادر منها هو البناء على الأقل.

وفيه أوَّلاً: أنَّه كيف يكون أصلاً يبنى عليه، مع أنَّه منافٍ للرِّوايات الكثيرة الدَّالة على البناء على الأكثر في الموارد التي يصحّ فيها البناء على الأكثر.

وثانياً: أنَّه من المحتمل أن يكون المراد منها هو البناء على كون المشكوك فيه متيقّناً، بمعنى إلغاء الشَّكّ، والبناء على الأكثر؛ لأنَّ اليقين بصحَّة الصَّلاة يحصل بالبناء على الأكثر، بل لا يحصل بالأقلّ؛ لِما فيه من احتمال زيادة الرَّكعة المبطلة للصَّلاة، سهواً وعمداً، بخلاف الأوَّل؛ إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محلِّه الذي هو غير قادح؛ لجريانه مجرى السَّهو.

نعم، قد عرفت أنَّ البناء على الأكثر مختصّ بما إذا كان الأكثر صحيحاً لا مفسِداً للصَّلاة، كما فيما نحن فيه.

ومثلها، بل أوضح منها صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجُّاج وعليّ عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (في السَّهو في الصَّلاة، فقال: تبني على اليقين، وتأخذ بالجزم، وتحتاط الصَّلوات كلّها)(3)([3] ).

والجواب: هو الجواب، فلا حاجة للإعادة.

الدَّليل الثاني: الاستصحاب -أي استصحاب عدم الإتيان بالأكثر-.

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ الشَّارع المقدس ألغى الاستصحاب في باب الشَّكّ في الرَّكعات في الفريضة، فإنَّ صحيحة صفوان المتقدِّمة عن أبي الحسن (عليه السلام) (قال: إنْ كنت لا تدري كم صلَّيت، ولم يقع وهمك على شيءٍ، فأعد الصَّلاة)(4)([4] )، وكذا غيرها، قد دلَّت على إلغاء الاستصحاب في باب الشَّكّ في الرَّكعات في الفريضة.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ الشَّكّ بين الاثنين والخمس لا علاج له في جميع صُوَره.

وأمَّا الشَّكّ بين الثلاث والخمس: فكذلك، أي أنَّه مُبطِل للصَّلاة، ولا علاج له إلَّا في صورة واحدة، وهي ما لو وقع الشَّكّ حال القيام قبل الرُّكوع، فإنَّه يهدم قيامه، ويرجع شكُّه إلى ما بين الاثنين والأربع، فيعمل على مقتضاه ، بخلاف ما لو وقع الركوع، فإنَّه تبطل صلاته ، ولا علاج له.

--------------

الرَّابع: يشترط في الاحتياط النيَّة، وجميع ما يعتبر في الصَّلاة، وقراءة الفاتحة وحدها إخفاتاً(1)

_______________

(1) المعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ شكّ في صلاة الكسوف بعدد ركعاتها بطلت الصَّلاة، كما لو شكّ بين الرَّكعة الأُولى والثانية، أو بينهما وبين الثلاثة؛ لأنَّها ثنائية، فإن كان الشَّكّ في عدد الركوع، فإن تضمن الشَّكّ في الرَّكعتين -كما لو شكَّ هل هو في الرُّكوع الخامس أو السَّادس، وأنَّه إن كان في السَّادس فهو في الرَّكعة الثانية، وإن كان في الخامس فهو في الرَّكعة الأُولى- بطلت أيضاً.

وإن أحرز ما هو فيه، ولكن شكَّ في عدد الرُّكوع، فإن كان في المحلِّ جاء بالمشكوك فيه، وإلا لم يلتفت لقاعدة التجاوز، مثله مثل ركوع الصَّلاة اليوميَّة.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: (وهنا قولان آخران، أحدهما: قول قطب الدِّين الرَّاوندي -إلى قال:- الثاني قول السّيِّد جمال الدِّين أحمد بن طاووس (قدَّس الله روحه) في البشرى، الذي ينبغي تحريره في صلاة الكسوف، هو أنَّه متى وقع الشَّك بين الأولى والثانية من الخمس الأُوَل بطلت الصَّلاة.

وإن وقع الشَّكّ فيما بعد ذلك من الرَّكعات -كبين الاثنتين والثلاث أو الأربع، أو بين الثلاث والأربع، أو بين الثلاثة- فإنَّه يبني على الأكثر، ثمَّ يتلافى بعد الفراغ من الصَّلاة.

وإن كان شكُّه بين الأربع و الخمس، فنهاية ما يلزمه سجدتا السَّهو، وهل يسجد عند ذلك بناء منه على أنَّه صلَّى خمساً، أم لا؟ يبنى على رواية عمَّار، بأنَّ الشَّاك يبني على الأكثر في الصَّلاة، ثمَّ يتلافى ما ظنَّ أنَّه نقص؛ فإن قلنا بها بنى على الخمس وسجد و تلافى...)، وقد أطال في نقل كلام البشرى إلى حدِّ الإطناب الممل.

ويرد عليه: أنَّ كلامه مبني على تسمية الرُّكوعات ركعات، وهو في غير محلِّه.

ثمَّ لو سلَّمنا ذلك، إلَّا أنَّ الرِّوايات الواردة في الشَّكّ واضحة في عدم شمولها لمثل ما ذكره، والله العالم بحقائق أحكامه.______________________

() الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

(2) الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.

(3) الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.

(4) الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

 

أعلى النموذج

 


[1] () الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.
[2] () الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح2.
[3] () الوسائل باب8 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.
[4] () الوسائل باب15 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo