< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(36)

الرِّواية الثانية: رواية محمَّد بن مسلم (قَالَ: إِنَّمَا السَّهْوُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ، وَفِي الْأَرْبَعِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَمَنْ سَهَا وَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثاً صَلّى أَمْ أَرْبَعاً، وَاعْتَدَلَ شَكُّهُ؟ قَالَ: يَقُومُ فَيُتِمُّ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ؛ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ إِلَى الْأَرْبَعِ، تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ قَرَأَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ؛ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ الثِّنْتَيْنِ، نَهَضَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ)(1)، حيث إنَّها ظاهرة في أنَّه يبني على الأقلِّ، ويتم صلاته.

وقد أشكل على الرِّواية بإشكالَيْن:

الأوَّل: من حيث السَّند، فإنَّها ليست مسندةً عن الإمام عليه السلام، وإنَّما هو من كلام محمَّد بن مسلم، وكلام محمَّد بن مسلم، وإن كان كلام فقيه، إلَّا أنَّه ليس بحجَّة.

والإشكال الثاني: من حيث الدَّلالة، حيث إنَّه حكم في مَنْ شكَّ بين الثلاث والأربع، واعتدل شكُّه بأنَّه (يَقُومُ فَيُتِمُّ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ جَالِسٌ...)، وهو ظاهر في أنَّه يبني على الأقلِّ، ويتمّ صلاته، ومع ذلك يحتاج بركعتَيْن من جلوس.

وهذا لا معنى له

أوَّلاً: لأنَّه بعد البناء على الأقلِّ لا يوجد مقتضى للاحتياط؛ إذِ المقضي للاحتياط هو البناء على الأكثر، حيث يحتمل النقصان، فيتدارك حينئذٍ بالاحتياط بالرَّكعتَيْن جالساً.

وثانياً: أنَّه لم يقل بمضمونها أحد من الأعلام على الإطلاق.

وأيضا قد يستشكل في قوله: ( فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ وَهْمِهِ إِلَى الْأَرْبَعِ، تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ...)، حيث إنَّه ظاهر في إرادة الركعتين من جلوس احتياطاً مع ظنِّ الأربع، مع أنَّه لا إشكال بين الأعلام في أنَّه مع الظنِّ يعمل على مقتضى ظنَّه زيادةً ونقصاناً، ولا حاجة للاحتياط ولم ينقل عن الأعلام الفتوى بذلك.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ من أحرز الثِّنتين بإكمال الرَّكعتين وشكَّ بين الثلاث والأربع -على أيِّ حالٍ كان- بنى على الأربع، واحتاط إمَّا بركعةٍ من قيام أو ركعتين من جلوس مخيَّراً بينهما.

وفي الجواهر: (على المشهور شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل هو كذلك في الخلاف والانتصار والغنية، وعن ظاهر غيرها...).

أقول: وهو الذي يقتضيه الجمع بين موثَّقة عمَّار المتقدِّمة -التي يظهر منها الاحتياط من قيام، والتي هي عامَّة تشمل ما نحن فيه، وكذا حسنة زرارة المتقدِّمة الصَّريحة في ذلك، بناءً على أنَّ المراد منها الرَّكعة المفصولة، كما هو الظَّاهر- وبين الرِّوايات الكثيرة الآمرة بالرَّكعتَيْن من جلوس.

وعليه، فمقتضى الجمع بينهما هو القول بالتخيير وإن كان الأَولى اختيار الرَّكعتين من جلوس في هذه المسألة لكثرة الرِّوايات الواردة فيها.

ويؤيِّد هذا الجمع مرسلة جميل المتقدِّمة، ولولا ضعيفها سنداً لكانت من أقوى الأدلَّة على التخيير.

وممَّا ذكرنا يتضح لك أنَّه لا يلتفت إلى ما حُكي عن العُمَاني والجعفي من تعيين الجلوس مع أنَّ خلافهما في ذلك غير متحقِّق؛ لأنَّ المنقول عنهما أنَّهما لم يذكرا الرَّكعة من قيام، وهو أعمُّ من اختيار العدم.

وممَّا ذكرنا أيضاً أنَّه لا يلتفت لِما عن بعض القدماء من تعيين القيام، والله العالم.

قوله: (ولو شكّ بين الاثنتين والأربع سلَّم وصلَّى ركعتين قائماً، وظاهر الصَّدوق البطلان؛ لِرواية مقطوعة، مؤوَّلة بالشَّكّ قبل السَّجدتَيْن)

المعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ أحرز الثِّنتَيْن برفع الرَّأس من السَّجدة الثانية، أو بعد تمام الذِّكر، وإن لم يرفع رأسه، وشكَّ بين الإثنتين والأربع بنى على الأربع، واحتاط بركعتين من قيام.

وفي المدارك: (هذا قول معظم الأصحاب...)، وفي الجواهر: (بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل في الخلاف، وعن الانتصار، وظاهر السَّرائر الإجماع عليه، بل في الرِّياض عن أمالي الصَّدوق أنَّه من دين الإماميَّة الذي يجب الإقرار به...).

وفي المقابل، حكي عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في المقنع، أنَّه قال: (يعيد الصَّلاة)، وحُكي عنه أيضاً أنَّه بعد القول المزبور، قال: (ورُوي أنَّه يسلِّم، فيقوم، فيصلِّي ركعتَيْن)، فمن هنا استظهر منه القول بالتخيير بين الإعادة والبناء على الأكثر.

وقال في المدارك: (ويحتمل قويّاً التخيير في هذه المسألة بين ذلك -أو البناء على الأكثر مع الاحتياط- وبين البناء على الأقلِّ، ولا احتياط جماعاً بين هذه الرِّوايات...).

وقال في البحار: (واحتمل الشَّهيد في الذِّكرى، والعلَّامة في النِّهاية كون البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط للرُّخصة والتخفيف، وتكون الإعادة أيضاً مجزيةً).

أقول: لا يوجد مخالف صريح في هذه المسألة -أي البناء على الأربع، والاحتياط بركعتين قائماً- وعلى فرض وجوده فلا يعتدُّ به.

ومن هنا، يمكن القول: بحصول التسالم بينهم قديماً وحديثاً.

ويدلُّ على المسألة أيضاً -مضافاً لعموم الرِّوايات الآمرة بالبناء على الأكثر، مثل موثَّقة عمَّار وروايته المتقدِّمتِين- جملة من الرِّوايات واردة في هذه المسألة بالخصوص:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّيْتَ أَمْ أَرْبَعاً، وَلَمْ يَذْهَبْ وَهْمُكَ إِلى شَيْ‌ءٍ، فَتَشَهَّدْ وَسَلِّمْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ تَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، وَسَلِّمْ؛ فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، كَانَتَا هَاتَانِ تَمَامَ الْأَرْبَعِ؛ وَإِنْ كُنْتَ صَلَّيْتَ أَرْبَعاً، كَانَتَا هَاتَانِ نَافِلَةً)(2).

ومنها: صحيحة ابن أبي يعفور (قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي رَكْعَتَيْنِ صَلَّى أَمْ أَرْبَعاً، قَالَ: يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى أَرْبَعاً كَانَتْ هَاتَانِ نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ هَاتَانِ إِتْمَامَ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)(3).

ومنها: حسنة زرارة المتقدِّمة -في حديث- عن أحدهما عليه السلام (قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَنْ لَمْ يَدْرِ فِي أَرْبَعٍ هُوَ أَوْ فِي ثِنْتَيْنِ وَقَدْ أَحْرَزَ الثِّنْتَيْنِ؟ قَالَ: رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيَتَشَهَّدُ وَلَا شَيْ‌ءَ عَلَيْهِ)(4).

____________

(1) الوسائل باب10 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4.

(2)و(3)و(4) الوسائل باب11 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح1و2و3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo